المشهد اليمني الأول/
بتوقيت أمريكي أعلنت قناة اليمن الفضائية التي تبث من الرياض عن كلمة للفار عبد ربه منصور هادي من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ذات توقيت إعلان العدوان على اليمن من واشنطن في الساعات الأولى من فجر 26 مارس 2015م.
الفار هادي في كلمته المسجلة والمعاد مونتاجها وجه تحية للمرتزقة في عدد من الجبهات العسكرية، زاعماً أن نضالهم يسلم الشعب من التجربة الإيرانية.
وزعم هادي أنه تحدث مع قيادة أنصار الله السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي وطلب منه ما أسماه “عدم تكرار التجربة الإيرانية”، زاعماً أن الحوثي رفض وأيضاً حسن نصر الله رفض ذلك، في تناقض ولغة ركيكة، تأتي بهدف تحشيد التكفيريين في معركة الساحل الغربي وغيرها.
وأشار المستقيل هادي إلى مؤتمر الحوار الوطني وأن من مخرجاته الدستور، متجاهلاً أن الدستور لم يكن توافقياً وتم إخراجه بدون توافق الأطراف السياسية المختلفة على شكل الدولة، لافتاً إلى أن الحوثيين رفضوا الدستور، وهي شهادة من حيث لا يعلم بإنقلابه على المبدأ التوافقي، والإنقلاب على إتفاق السلم والشراكة الموقع بين الأطراف السياسية بموافقة وترحيب دولي في سبتمبر 2014م والقاضي في أحد بنوده “تشكيل لجنة لإعادة صياغة مواطن الخلاف في الدستور”.
وختم كلمته المجزئة والمعاد مونتاجها بالتحية لمن سأل عن صحته، مؤكداً أنه بصحة جيدة، بعد تسريبات تفيد بتدهور صحته.
وبقراءة أولية نرى أن الكلمة جائت لتحقيق عدة إحتمالات أخطرها تبرير التصعيد المرتقب بمشاركة أمريكية على الساحل الغربي، واستعطاف التكفيريين بالحديث عن إيران وحزب الله اللبناني والحديث الطائفي لحشد المقاتلين للجبهات.
وما يعزز ذلك ما أكده مصدر عسكري بوزارة الدفاع اليمنية مؤخراً أن “وحدات متخصصة من الجيش رصدت مشاركة متزايدة للقوات الجوية الأمريكية في معركة الساحل الغربي”، مشيراً لمشاركة كاملة “للقوات الجوية الأمريكية التي تزود مقاتلات العدوان “بالوقود جوًّا” في أجواء الجمهورية اليمنية بالساحل الغربي”.
المصدر نقل أيضاً عن المصادر الإستخبارية تأكيدها “أن قائد القوات المركزية الأمريكية “جوزيف فوتيل” يشرف مع عدد من المسؤولين العسكريين الأمريكيين والبريطانيين على معركة الساحل الغربي”، وهذا ما يدعم توقيت ومحاور كلمة الفار هادي الذي أراد من كلمته إعطاء غطاء للتحرك الإرهابي والأمريكي أمام الداخل والخارج، بإعتبارها الطريق الوحيد لعدم تكرار ما يعتبره “التجربة الإيرانية”، بعد رفض الحوثيين ذلك حد زعمه.
وفي العرف السياسي والدبلوماسي عندما تتحدث أي جهة ضد حزب الله اللبناني فهي إشارة للكيان الإسرائيلي بإبداء الإستعداد للتعاون وفتح المجالات أمام الكيان الصهيوني مفتوحة لعلاقة قوية تفعل فيه إسرائيل ما تشاء، وهي إشارة يفهم منها أن هادي يقول لإسرائيل ننتظر منكم دوراً فاعلاً في اليمن، وهي محاولة لا تشكل قيمة لدى الكيان الذي لا يأبه بشخص مثل هادي ويكفيه التعامل مع ادواته الأكبر السعودية والإمارات، لكن تفيد بشرعنة التدويل ودخول إسرائيل في حلف كانت قد أعلنت عنه.
حيث أعلن الشهر الماضي رئيس وزراء الكيان “بنيامين نتنياهو” أن كيانه يريد تحويل البحران المتوسط والأحمر لممرين “عبريين” نحو محيطات العالم، معلناً أن حماية المسارات البحرية إلى إسرائيل وشواطئها جزء مهم من المعركة التي يديرها الكيان، وأن أمن كيانه الغاصب مرتبط بالساحة البحرية، متحدثاً عن تشكيل إئتلاف دولي يشارك فيه الكيان لحماية باب المندب المُهدد من اليمن بنظره، وقبلها في 2015م رأى النتنياهو أن ما يجري في باب المندب أخطر على الكيان الصهيوني من إتفاق لوزان النووي الإيراني، وهي التصريحات التي ترافقت حينها مع إعلان الفار هادي الحرب ببيان تلاه من عدن متحدثاً بنفس حديث نتنياهو عن إيران وإزاحة العلم الإيراني من مران حسب البيان المصاغ سعودياً.
هذا السياق الوارد في خطاب هادي يفيد أيضاً الذهاب إلى ما لا نهاية، فإذا كان هادي قد أعلن الحرب من عدن لعلمه بدعم السعودية ودول الخليج حينها، فإنه يكرره اليوم من أمريكا لإستناده على دعم أمريكي، وهذا ما يعني أيضاً وبعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على العدوان وما يتزامن الآن مع تقارير أممية تشير للوضع الكارثي في اليمن كان من المفترض أن يكون حديث هادي خالي من أعباء تحرج الإدارة الأمريكية المستندة على وضع داخلي غير مستقر، وبإحتمال معاكس مخاطبة الشارع الأمريكي.
هذا الوضع يضعنا أمام نتيجة مفادها أن أمريكا أمرت هادي الحضور إليها لإلقاء كلمة لمخاطبة الشارع الأمريكي ودغدغة الوسط والنخب بهذا الشكل لتجنيب الإدارة الأمريكية أعباء المشاركة في حرب اليمن، بإعتبار لا خلاص من إيران في اليمن إلا بالتدخل الأمريكي، وهذا طلب من رئيس شرعي هو من سيتحمل كافة التبعات الإنسانية، ما سيعطي الإدارة الأمريكية دفعة أكبر للمشاركة في العدوان والهروب من الحرج الإنساني المطالب بوقف الحرب ووقف التسليح، والأهم الهروب من الأزمة الداخلية لإدارة أمريكية تعاني من ضغط داخلي كبير يهدد بالإطاحة بالرئيس دونالد ترامب، وتوفير جرعة مالية مقابل المشاركة في الحرب يفخر بها ترامب أمام مواطنيه بتوفير وظائف.
أيضاً من أهم أهداف كلمة هادي هو الهروب للأمام من مشاكل داخلية هو الآخر لا يدري أين بداياتها ولا يرى لها أي نهايات سيما في المحاضات المحتلة، والهروب من سخط دولي وتقرير أممي كارثي لفريق الخبراء الدوليين يحمل تحالف العدوان معظم المسؤولية حول الوضع الحالي ويفيد بإنسداد أفق إستمرار الحرب الواجب إيقافها بشكل فوري.
قد لا يكون التأثير الفعلي لهذه الكلمة كافية سيما في الوسط الأمريكي، لكننا ننتظر إشارات إضافية لدعم مسار حديثنا المستند على نتائج ومجريات الوضع الحالي في ظل سد تحالف العدوان الأفق السياسي.