المشهد اليمني الأول/
تستمرّ نتائج انتصارات الجيش اليمني واللجان الشعبية في مختلف الجبهات لا سيما في الحديدة في الظهور تباعاً في ظلّ توقعات بأن تُترجَم سياسياً على المديين المتوسط والبعيد. وقد تجلّت أولى مفاعيل تلك الانتصارات في حالة التخبط التي يعيشها تحالف العدوان وتذمّره من الدول العظمى وفقدانه الثقة بها وتأثير ذلك في الخطط والرؤى والمواقف. تذمّر شكلت المواقف الأخيرة لدولة الإمارات المشكِّكة في دور العواصم الكبرى وعلى رأسها واشنطن ولندن في الحرب على اليمن نموذجاً واضحاً منه.
وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش أعترف في موقف غير مسبوق قبل أيام بأن بلاده لم تعد تثق بأهم حلفائها من القوى العظمى مبدياً استعداد أبو ظبي لـ«تحمل المزيد من العبء الأمني في الشرق الأوسط، لأنها لا تستطيع الاعتماد بعد الآن على العمليات العسكرية لحليفتيها: الولايات المتحدة وبريطانيا».
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية كشفت في 4 حزيران/ يونيو الماضي عن مناشدة بعثت بها الإمارات إلى الولايات المتحدة من أجل الحصول على دعم مباشر للسيطرة على مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي غرب اليمن. وقبل ذلك نُشرت معلومات عن نشاط السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة في الكونغرس الأميركي في محاولة لنيل تأييد أعضائه لمعركة الحديدة وكذلك رفع القيود القانونية المانعة من تدخل واشنطن المباشر في الحرب على اليمن.
هذا النشاط أثبت أن أبو ظبي لم تستوعب بعد أن المشاركة الأميركية الحالية في الحرب (دعم لوجستي واستخباراتي، تزويد الطائرات بالوقود جواً، تجهيز غرف العمليات بالمستشارين العسكريين وتحديد الأهداف على الحدود السعودية – اليمنية) هي أقصى ما يمكن تقديمه من قِبَل الإدارة الأميركية ما يعني أن إكمال المهمة العسكرية سيكون على عاتق كل من السعودية والإمارات خصوصاً أن الاستراتيجية الأميركية الحالية تقتضي تجنب مزيد من التورط في صراعات الشرق الأوسط بل والخروج من الصراعات التي تمّ التورط فيها سابقاً كما يحصل من خلال الانسحاب التدريجي من سوريا فضلاً عن إيكال المهام والعمليات العسكرية إلى الحلفاء/ الوكلاء.
بناءً على ما تقدم فإن الصراخ الإعلامي واستجداء الحلفاء تارة وتهديدهم بالبحث عن صداقات أخرى مثل الصين وروسيا تارة أخرى لن يكون له صدًى لدى صاحب القرار الأميركي على رغم عمق الارتباط (ارتباط وجودي) بين الإمارات و«شقيقتها الكبرى» (السعودية) وبين الجانب الأميركي. ارتباط تَمثَّل خلال العقدين الماضيين في توافق الخطاب السياسي الإماراتي مع السياسة الأميركية إلى حدّ التماهي في كل ملفات المنطقة، حتى في اللغة والمصطلحات والتصنيفات بما فيها النظرة المشتركة إلى الإسلام لا سيما الإسلام السياسي.
إذ تعمل الإمارات على رسم صورة لإسلام يرضي الساسة الأميركيين من خلال إنشاء «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» الذي يسعى مع «مجلس حكماء المسلمين» إلى إنتاج خطاب «السلم» و«الحكمة» مُستحِقاً الإشادة من الرئيس الأميركي السابق.
كذلك لا يترك الخطاب الإماراتي محفلاً دولياً إلا ويدعو فيه إلى مقاومة «الإرهاب» و«التطرف» في العالم والشرق الأوسط تحديداً مُدرِجاً المقاومة الفلسطينية ضمن تلك التصنيفات. وهذا ليس مقتصراً على «حماس» كونها أحد أفرع «الإخوان المسلمين» (عدو الإمارات اللدود) بل يشمل جميع ما يشمله التصنيف الأميركي. أما القضايا التي يُسجَّل فيها تباين مع الجانب الأميركي فهي قضايا قليلة واستثنائية من مثل العلاقة مع إيران التي تتشارك الدولتان العداء لها، وتلعب أبو ظبي دوراً كبيراً في الخطط الأميركية لزعزعة استقرارها إلى جانب تبنّيها العداء الأميركي لكلّ ما يخص حلفاء طهران في الإقليم إلا أن واشنطن تراعي الخصوصية الإماراتية القاضية باستمرار العلاقة الاقتصادية بين طهران وأبو ظبي وهي بالمناسبة علاقات تبادلية يستفيد منها الجانبان وإيقافها سيحدث ضرراً لكليهما.
والجدير ذكره هنا أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لعب دوراً كبيراً في نقل بلاده من دولة محايدة في جميع الملفات الساخنة في المنطقة إلى طرف فيها بل ورأس حربة للمشروع الأميركي. وقد أدى دور ابن زايد هذا إلى تطور العلاقات الأميركية – الإماراتية وصولاً إلى تأهل الإمارات للقيام بمهام الدور الوظيفي، منافِسةً السعودية على احتكار الوكالة الأميركية في الإقليم. كذلك لعب السفير الإماراتي في واشنطن خلال السنوات الماضية دوراً هاماً في مأسسة العلاقة بين الجانبين؛ إذ أظهرت المراسلات المسرّبة من بريده ما يشبه «الغزو» لدوائر القرار الأميركي في كثير من المجالات الحساسة وأيضاً القدرة على بناء شبكة علاقات واسعة مع إعلاميين ومستشارين وحتى وزراء سابقين فضلاً عن الارتباط بمراكز دراسات – من خلال منح مالية بملايين الدولارات – تنشر دوريات سياسية وبحثية عن الشرق الأوسط لها صداها في مراكز صناعة القرار الأميركي.
على رغم ذلك كله تستمر الإمارات في الصراخ والاستجداء والتهديد في مؤشر كاشف عن عمق المأزق الذي وقعت فيه مع السعودية في حربهما على اليمن. وما يبدو جديراً بالرياض وأبو ظبي أن تفهماه اليوم هو أن الترويج الأميركي لما يسمى «ناتو عربي» إنما هو تثبيت للوكالة الأميركية للجيوش العربية المفترض مشاركتها في هذا الـ«ناتو» على أن تقتصر مشاركة واشنطن على بيع السلاح والتأييد السياسي فقط فيما تُناط المهام العسكرية بالعرب. وهي مهمة يتعذر استمرارها بعدما انكشف أن جيشَي السعودية والإمارات غير مؤهلين للقيام بمهام قتالية وأن قوتهما تقتصر على حفظ النظامين من الداخل.
تقرير – لقمان عبدالله