المشهد اليمني الأول/ معاذ منصر – العربي
في الوقت الذي كان ينتظر فيه اليمنيون سماع خطة المبعوث الأممي مارتن جريفيث، والذي كان من المفترض أن يقوم بتقديمها مطلع شهر يونيو الجاري أمام مجلس الأمن الدولي، وكان يتوقع كثيرون بأن يتمكن الرجل من إحداث تقارب سريع بين الأطراف المتحاربة، تفاجأ الجميع بتصعيد عسكري في الساحل، وإعادة تحريك ورقة العملية العسكرية بإطلاق «التحالف العربي» و«الشرعية» معركة جديدة لتحرير مدينة الحديدة.
وخلال الأسبوع الماضي شهد الساحل الغربي وبعض مناطق الحديدة قتالاً كبيراً بين الطرفين، رافق ذلك تناقضات كبيرة على مستوى المواقف الدولية بشأن اقتحام الحديدة، والدعوات المطالبة بالتوقف عن ذلك، بحكم النتائج المترتبة على الوضع الإنساني، وعلى حياة المدنيين. وبدلاً من تقديم جريفيث إحاطته إلى مجلس الأمن في جلسة علنية، قدمها في جلسة مغلقة، بعد التصعيد العسكري في الساحل الغربي، وبعد أيام من استمرار القتال واشتداد المعركة وإعلان «التحالف» اقتحامه للحديدة، اجتمع مجلس الأمن الدولي مرة أخرى قبل يومين، وذلك بشأن معركة الحديدة والحالة السياسية القائمة.
لم يظهر مارتن غريفيث، بأي حديث طوال الأيام الماضية، ولم يوضح للصحافة سبب عرقلة جهوده وعودة الأمور إلى واجهة التصعيد والاقتتال، سوى أنه قبل يومين أطلق نداء طالب فيه «التحالف» بالتراجع عن اقتحام الحديدة، محذراً من تفاقم الأوضاع الإنسانية خصوصاً في ما يتعلق بالمدنيين. ولطالما ظلت خطة السلام التي تعمل على هندستها الأمم المتحدة، لإنهاء الحرب في اليمن، سبباً رئيساً في إبقاء الحرب مستمرة، وسبباً في عدم تمكن المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ أحمد، من إحداث أي اختراق على صعيد السلام وإيقاف الحرب، وظلت جهوده طوال ثلاثة أعوام تفشل مرة تلوى الأخرى. خطة بعد أخرى، ومقترح بعد آخر، والنتيجة النهائية لتلك المعادلة الفشل. والواضح أن كل المقترحات التي كانت تتم لم تلب تطلعات الأطراف ولم تستوعب كيفية إعادة تلك الأطراف إلى الطاولة.
ولكي يتجاوز المبعوث الجديد ذلك الفشل، فإن عليه وبلا شك، أن يأتي بخطة جديدة تستوعب الأطراف وتحتويهم وتمكنه من إعادتهم الى طاولة المفاوضات من جديد، خصوصاً وأنه قد قام بجولات ثلاث تقريباً أو أكثر والتقى فيها الأطراف المتحاربة والأطراف الإقليمية المشاركة في الحرب في اليمن.
ظلت خطة السلام التي تعمل على هندستها الأمم المتحدة، لإنهاء الحرب في اليمن، سبباً رئيساً في إبقاء الحرب
وعلى الرغم من الأنباء التي تتحدّث عن زيارة له إلى صنعاء اليوم، لكن يبدو أن المبعوث الأممي لم يستوعب ذلك بعد، ويبدو أن التصعيد العسكري الأخير في الساحل يعود إلى طبيعة الخطة التي يعمل على هندستها الرجل، وتتضمن نقاط وبنود سبق وأن كانت محط خلاف بين الأطراف ومحط جدل واسع وكبير، وسبباً في عدم التقارب، وإحياء فرص السلام، في أكثر من مرة. وفي الوقت الذي كانت وسائل إعلام قد سرّبت بعض بنود ونقاط الخطة التي أعدها جريفيث، وتحوّلت فيما بعد إلى موضع شك، حصل «العربي» على مسودة الحل من مصدر أوربي موثوق قام بترجمة الخطة وتزويدنا بها وتحفظ عن المسودة بلغتها الإنجليزية.
نصّ خطة الحل
يتناول الإطار الترتيبات السياسية والأمنية لفترة انتقالية يتم الاتفاق عليها في اتفاق شامل متفاوض عليه بين الطرفين.
– بعد الإعلان عن الإطار، يقوم المبعوث الخاص بالتشاور والممثلين. وتشمل الأحزاب والفصائل السياسية والشباب والمجتمع المدني في جميع مراحل عملية السلام؛ يجب أن يكون للمبعوث الخاص حق الوصول غير المشروط إلى جميع الأطراف وجميع أجزاء اليمن وفقاً لبيان رئيس مجلس الأمن الذي تم تبنيه في 15 مارس 2018 والقرارات الأمنية ذات الصلة والبيانات الرئاسية.
– دور المجتمع المدني وتكوّن المجموعات النسائية بارزة في تصميم وتنفيذ جدول الأعمال الانتقالي، وكذلك في آلية الرقابة الخاصة بها.
– يجب أن تسترشد المفاوضات بالمبادئ الأساسية لإحترام السيادة والاستقلال والوحدة والسلامة الإقليمية لليمن. إحترام مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تسترشد المفاوضات بالتزام الطرفين بالحفاظ على علاقات اليمن الودية مع الدول المجاورة والالتزام بالأمن الإقليمي.
– يجب أن تستند المفاوضات إلى مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها ونتائجها، مؤتمر الحوار وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ولا سيما القرار 2216. وتستند المفاوضات أيضاً إلى جميع الجهود السابقة الرامية إلى التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، بما في ذلك مشاورات الكويت.
– تعترف المفاوضات بأهمية التوصّل إلى حل عادل للقضايا الجنوبية، التي تلبي تطلعات الشعوب في الجنوب، وتضمن تمتعها بفوائد الحكم الرشيد خلال الفترة الانتقالية؛ الاستخدامات: يجب أن تقتصر العناصر الأساسية للاتفاقية الشاملة على الترتيبات الأمنية السياسية المؤقتة لفترة انتقالية. القضايا الأساسية مثل القضية الجنوبية؛ العملية الدستورية العملية الانتخابية والتوفيق والمسائل الأخرى.
– تنفيذ نتائج الحوار الوطني، يجب أن يكون جزءًا من المرحلة الانتقالية.
– يتم التفاوض على الترتيبات السياسية والأمنية المؤقتة في الاتفاق الشامل كحزمة واحدة وكجزء من اتفاقية شاملة. وسيتم تنفيذ عملية الاسترداد في إطار سلسلة متكاملة من الخطوات المحددة على النحو المحدد في الاتفاق الشامل.
– الهدف العام للفترة الانتقالية هو إنشاء عملية انتقال سياسي شاملة، تستند إلى مبدأ الشراكة الوطنية. يجب أن تكون مدعومة ببيئة أمنية وطنية ومحلية.
– الترتيبات التنفيذية.
– إنشاء حكومة انتقالية شاملة برئاسة رئيس وزراء متفق عليه، تكون فيها العناصر السياسية ممثلة تمثيلاً كافياً، ويحترم فيها التمثيل الجنساني والجغرافي.
– يجب إحترام خطوط السلطة القانونية وإزالة أي عوائق و/أو عوائق أمام العمل السليم للوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى خلال الفترة الانتقالية. يشمل هذا، على سبيل المثال لا الحصر، أي هيئات أو هيئات فرعية شبه حكومية أخرى وكذلك لجان/مجالس ثورية وشعبية.
– ستكون الحكومة الانتقالية مسئولة عن تنفيذ جدول الأعمال الانتقالي الذي يشمل على سبيل المثال لا الحصر، المشكلات التالية:
أ- استعادة الخدمات الأساسية
ب- إعادة بناء مؤسسات الدولة
ج- القضية الجنوبية
د- العملية الدستورية
ه- نتائج الحوار الوطني
و- العملية الانتخابية
ز- المصالحة الوطنية يجب إنشاء هيئة انتقالية للإشراف على تنفيذ جدول أعمال المرحلة الانتقالية.
يكون للأصوات المستقلة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات النسائية دور بارز في رصد تنفيذ جدول أعمال المرحلة الانتقالية.
– يُنشأ مجلس عسكري وطني يتكون من ضباط عسكريين وأمنيين وشخصيات مدنية وممثلين عن أطراف النزاع، فضلاً عن ضباط عسكريين وأمنيين ومستقلين مدنيين مستقلين للإشراف، في جملة أمور، على تنفيذ الأمن المتفق عليه. ترتيبات، بما في ذلك خطوات الانسحاب المرحلي للجماعات المسلحة من مناطق محددة وتسليم جميع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة بالإضافة إلى القذائف التسيارية، على النحو المنصوص عليه في الاتفاق الشامل تُمثل الأمم المتحدة في المجلس العسكري الوطني وتوفر الدعم الفني حسب الاقتضاء.
– تنشأ لجان عسكرية على مستوى المحافظات للإشراف على تنفيذ الترتيبات الأمنية على كل المستويات.
لهذه الأسباب الخطة غير قابلة للتنفيذ
وعلى ضوء التطورات والمجريات والتحولات التي جرت وتجري سواء على صعيد العمل العسكري في البلاد، أو على صعيد العمل السياسي، هناك ما يبرهن على أن هذه الخطة لن تكون قابلة للتنفيذ ولا للقبول بها أولا ربما. حيث أنها تتحدث عن حل سياسي يعتمد على المبادرة الخليجية وعلى القرار الأممي 2216، علماً أن ما جرى خلال الثلاث السنوات يفسر بأن الواقع تجاوز هذه المبادرة الخليجية، وتجاوز أطرافها. على سبيل المثال لو عدنا إلى مضمون المبادرة الخليجية، جزءًا منها يتحدث عن حكومة مناصفة بين «حزب المؤتمر الشعبي العام»، وبين أحزاب «اللقاء المشترك» وبقية المكونات، فـ«المؤتمر» لم يعد كما كان اليوم، ولم يعد هو من يمكنه أن يحصل على النصف من الحكومة أو غير ذلك من التمثيلات. والمشهد اليوم ومن يفرضه نفسه على الأرض تغير، فهناك حركة «أنصار الله» التي غابت عن اتفاقية مبادرة الخليج وتم إقصاؤها، هي كانت ترى وما تزال، أن المبادرة الخليجية مؤامرة على اليمن وعلى استقراره وتعتبر بمثابة الوصاية على اليمن واليمنيين. وعلى مستوى الجنوب لم يعد «الحزب الاشتراكي اليمني» هو الحامل للقضية الجنوبية، بل هناك أطراف اخرى انتجتهم الحرب، ومنهم «المجلس الانتقالي الجنوبي».
أحزاب «اللقاء المشترك» هي الأخرى لم تعد طرف في المعادلة، بل تفكك هذا التحالف وصار له مواقف متناقضة، وكل حزب صار له رؤية مستقلة. وعلى مستوى القرار الأممي 2216، فتقول قيادات في حركة «أنصار الله» في حديثها إلى «العربي»، أن الحرب قامت بعد هذا القرار، ولو أن الحلول ستقوم على اساسه، فلماذا قامت الحرب أساسا».
وتماماً تقول تلك القيادات إن «مخرجات الحوار الوطني التي كان هناك خلافات كبيرة حولها، خصوصا فيما يتعلق بشكل الدولة القادمة، والدستور وغير ذلك. ويذكر أن الحرب قامت بعد انتهاء هذا المؤتمر». نقاط الخلاف والجدل كثيرة التي وردت في سياق هذه الخطة، والواقع السياسي والعسكري اليوم، يتطلب احتواء واستيعاب لكل المتغيرات وتتطلب العملية خطة سياسية جديدة تستوعب كل المتغيرات وتحتوي مواقف الأطراف بما يضمن تنفيذها، وعلى أن تكون بنود الخطة قابلة للتطبيق ومنصفة لكل الأطراف.
وأما بشأن الحديدة، فلا حديث رسمي سواء من قبل الأمم المتحدة، أو من قبل مجلس الأمن، على أنه تصعيد من أجل الضغط على الأطراف، وكل شيء مجرد أطروحات وتكهنات، أما الحديث الرسمي والذي صدر عن المبعوث الأممي مؤخراً، يشير إلى أن التصعيد العسكري الأخير في الحديدة سيعرقل جهود التسوية وسيعيق استئناف المفاوضات. وعلى صعيد التحركات الدولية، يزور المبعوث الأممي اليوم السبت صنعاء، بهدف بحث التطورات الأخيرة ومعرفة موقف «أنصار الله» من معركة الحديدة وعن جديدها بشأن الذهاب إلى التفاوض، وبشأن إيقاف الحرب، بعد تطورات الحديدة.