المشهد اليمني الأول/
عرضت الجزيرة ضمن السلسلة الاستقصائية “ما خفي أعظم” الفيلم الوثائقي “بين تطرفين”؛ فاتحة ملف التحولات في السعودية بين التطرف والصحوة والتغيير.
وتناول الفيلم نفاذ الإمارات إلى المشهد السعودي، حتى بات كثيرون يقولون إن مشروع التغيير في المملكة يقاد برؤية إماراتية وينفذ بأدوات سعودية.
وحين يجري الحديث عما يدعى الانفتاح مقابل التطرف في السعودية، تسترجع عبارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان “لن نضيّع ثلاثين سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة.. سوف ندمرهم اليوم”.
تاريخ مفصلي
وكان ابن سلمان يشير إلى تاريخ مفصلي في المملكة، وهو عام 1979 حين اقتحمت مجموعة مسلحة يقودها جهيمان العتيبي الحرم المكي، وسيطرت عليه لأكثر من أسبوعين، منادية بقلب نظام الحكم.
بول كوكرين الصحفي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط يصف هذه الحادثة بأخطر ما وقع في التاريخ الحديث للشرق الأوسط، مفيدا بأن جهيمان وأتباعه لم يكونوا بتلك القوة لكن لهم تأثيرا كبيرا على المؤسسة الدينية.
من جانبه، يرى الكاتب والصحفي السعودي جمال خاشقجي أن جماعة جهيمان هي من بقايا الوهابية السلفية التي هزمت في 1930.
وإذا كان هذا تطرفا، فإن السعودية قررت أن تقابله بتطرف أكبر، وذلك خوفا من ثورة عارمة وانقلاب على الحكم السعودي، كما تقول الأستاذة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية مضاوي رشيد.
وسلط فيلم “بين تطرفين” الضوء على المرحلة الموالية لإعدام جهيمان، التي ازدهرت في الثمانينيات، وهي المرحلة التي أخذت اسم “الصحوة”.
ترافقت الصحوة مع احتلال الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، فكانت المصدر الرئيسي للمقاتلين في أفغانستان تحت مسمى الجهاد، وذلك كله بدعم وتمويل من المؤسسة الحاكمة.
ويرى نائب مستشار الأمن القومي الأميركي سابقا جيفري جيمس أن هزيمة الاتحاد السوفياتي غطت على إخفاق لم تنتبه إليه أميركا والسعودية، وذلك حين عاد المجاهدون من أفغانستان ليبدأ صدام جديد ضدهما.
تناول الفيلم بروز فئة سعودية حملت منذ أواخر الثمانينيات ما سمي الفكر الجهيماني، الذي كفر الحكومة السعودية.
ويكشف الأردني أبو محمد المقدسي – أحد أبرز منظري السلفية الجهادية- عن لقائه في بيت سري بالرياض مع كل من منصور النقيدان ومشاري الذايدي وعبد الله بن بجاد، أحد أبرز رموز الجهيمانية.
ومن هذا البيت السري – كما يضيف المقدسي- خرج عبد الله المعثم المتهم الرئيسي بتفجير مقر الحرس الوطني السعودي عام 1995، الذي أسفر عن مقتل سبعة بينهم خمسة جنود أميركيين.
على مراحل اعتقل الجهيمانيون، ثم أفرج عنهم، لينقلب النقيدان والذايدي وابن بجاد 180 درجة نحو الترويج لحركة التغيير الجديدة، كل ذلك تحت مسمى “المراجعة”.
الداعية الليبي رياض صاكي -الذي زامل النقيدان في السجن- يقول إن هذه ليست مراجعات، وإنما انتقال من النقيض إلى النقيض ومن تطرف إلى تطرف.
ووفق مضاوي الرشيد، فإن من قاموا بمراجعات حقيقية هم في السجون السعودي، ومنهم عبد الله الحامد وسلمان العودة، وهما ممن طوروا فكرهم، وانتقلوا من مركزية في الخطاب الديني إلى خطاب آخر، أما الذين ذهبوا بتعليمات السلطة ليجاهدوا في أفغانستان، ثم عادوا ليكونوا أبواقا ليبرالية، فهؤلاء انتهازيون.
عراب المراجعين
عراب تحول هؤلاء المتطرفين إلى “مراجعين” لخدمة العهد الجديد كان الصحفي السعودي تركي الدخيل، المدير الحالي لقناة العربية، الذي لا تختلف خلفيته الثقافية عن نقيدان والذايدي وابن بجاد.
الدخيل المقيم في الإمارات منذ 2003 استطاع استقطاب الثلاثة للعمل في الإمارات عبر مركز المسبار الذي يرأسه، والذي يروج على أنه مركز بحثي متخصص في دراسة الحركات الإسلامية.
وأبرزت الجزيرة وثائق تثبت تحويلات مالية كبيرة من ابن زايد إلى المسبار، ومنها واحدة بمبلغ 12 مليون درهم إماراتي، على شكل اشتراك سنوي.
يحيل المعارض الإماراتي جاسم الشامسي هذا الضخ المالي إلى علاقة وطيدة بين الدخيل وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد؛ الأمر الذي سمح أيضا بفرض سياسات ولي عهد أبو ظبي على مركز مسبار بنسبة مئة بالمئة.
والدخيل -الذي كان إمام مسجد ومتبنيا للفكر الجهادي في أفغانستان- تشهد مسيرته تحولا ماليا ضخما تحدثت عنه حتى وسائل الإعلام السعودية.
ويحضر المال الإماراتي بقوة في مصادر ثروة الدخيل، وهو ما كشفته الجزيرة من تسريبات لتحويلات بنكية من وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، بينها مبلغ بقيمة 633 ألف دولار.
تُضاف إلى ذلك عقود عقارية واستثمارية وتعاقدات إعلامية، والأهم استثمارات تركي الدخيل العقارية في لندن وباريس وغيرهما.
غير أن الأكثر إثارة هو تسلم الدخيل ملكية عقارين في لندن على نهر التايمز صبيحة اختراق وكالة الأنباء القطرية في مايو/أيار2017، الذي أعقبه اندلاع الأزمة الخليجية، مما يطرح سؤالا عن الأدوات التي تستخدمها الإمارات لتوجيه المشهد في السعودية.
تحولات السعودية -وفق العديد من ضيوف الفيلم- تشير إلى مستقبل غامض من العلاقات بين الرياض وأبو ظبي، خاصة مع تكشف ملامح الاندفاعة الإماراتية للسيطرة على مفاصل المشهد السعودي عبر المال السياسي، وشراء شخصيات تقطع مع الماضي، وترى في الإمارات نموذجا يحتذى به.