المشهد اليمني الأول/ العربي
بعد ثلاثة أعوام من الحرب في تعز، برزت تغيرات كثيرة على كل المستويات، جعلت المدينة منقسمةً إلى أكثر من مركز، وأكثر من فصيل، وتنامت الجماعات المتشددة المتعددة الأوجه والاتجاهات، وأسهمت في تصاعد حدة التطرف الديني، الذي أصبح ظاهرة ملموسة في المدينة، التي كانت تتمتع بتاريخ عريق من الانفتاح النسبي والتسامح الديني.
وفي الوقت الذي لا تزال أطراف الصراع في المدينة تخوض حرباً ضروساً لحسم المعركة، ذهبت تلك القوى الدينية، بحسب مراقبين، إلى «الخوض في معركتها الخاصة، لتوسيع حاضتنها الاجتماعية، بصمت وإتقان شديد، وفق إجراءات متتالية ومدروسة لتعزيز سلطتها، في حربها ضد الليبراليين واليساريين والمثقفين في المدينة، باعتبارهم النقيض لأطروحاتها وأيديولوجياتها المتطرفة، والعقبة المستقبلية أمامها».
ويوماً بعد آخر، ومع طول فترة الحرب، حولت تلك القوى المتطرفة، تعز الثقافة والسلام، بحسب باحثين، إلى «منتجة للتطرف الديني، الذي لم يعد بحاجة إلى إطلاق دعوات التحريض وفتاوى التكفير ضد خصومه، بل بات يشكل سلطة دينية قمعية موازية لسلطة الدولة المقوضة، وأصبح ينفذ عقوباته في حقهم، تحت مبرر حماية الدين».
ويشير الباحث، عصام القيسي، في حديثه إلى «العربي»، إلى أن «الفكر الإسلامي يعيش أزمة طاحنة، نتيجة المتغيرات السياسية التي بدأت في العام 1990 باجتياح القوات العراقية للكويت، عند تلك اللحظة، ظهرت فجوات التنظير في الخطاب الإسلامي المعاصر، خطاب الحركة الإسلامية المعاصرة… لأن الإسلاميين أنفسهم، انقسموا على طرفي الصراع بين مؤيد ورافض، وهذا يعني، أن العقل الإسلامي لم يكن لديه مواقف علمية متسقة حول قضايا كثيرة لم يطرحها على نفسه، وتفاجأ بها على مستوى الواقع».
وأكد القيسي، أن «الأزمة في الخطاب الإسلامي، ظلت في تنام مستمر بعد مجيء وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، وتحديداً شبكة الانترنت، التي ساهمت بتدفق واسع للمعلومات، وسمحت لأول مرة باشتراك عامة الناس في مناقشة قضايا العصر، وظهرت شبهات ومشكلات أمام الفكر الديني التقليدي لم يستطع الإجابة عنها، وهنا، حصل انقسام بطيء داخل التيار الديني نفسه، بين جناحين متنافرين، هما الجناح التقليدي وجناح التنوير والتحرير، وكان من الطبيعي أن يتصاعد بينهما الصراع، ويحدث استقطاب واسع».
وأرجع القيسي، أسباب تصاعد حدة التوتر في الصراع القائم بين تيار الليبراليين والجماعات الإسلامة المتطرفة في تعز، إلى أن «تعز تعد عاصمة الفكر الديني في اليمن، بوصفها أكبر حاضن لحزب الإصلاح على الأقل، حتى أن الإصلاح يكاد يكون حزباً تعزياً، من إحدى الزوايا».
وفي المقابل، يؤكد باحثون في مجال الجماعات المتطرفة، أن «سبب تنامي الصراع بين الطرفين، هو تزايد نفوذ ما يعرف بالتيار الليبرالي داخل مؤسسات هامة كالتعليم والإعلام، على حساب التيار الإسلامي الإخواني والسلفي، الذي فقد نفوذه في هذا القطاعات، والتي باتت تشهد تزايداً لظهور العناصر النسائية كموظفات، بشكل يعبر عن اهتمام الدولة بموضوع عمل المرأة».
وعلى الرغم من أن أسلوب التحريض والتكفير الخشن لدى تلك القوى المتطرفة، بدأ منذ وقت قريب، فإنه بحسب مراقبين، «أخذ منحىً أكثر عنفاً ودموية، عقب إحياء مكتب الثقافة حفلاً فنياً راقصاً، في ذكرى 14 أكتوبر من العام المنصرم، حيث أصدر البرلماني في حزب الإصلاح عبدالله أحمد علي فتوى بإهدار دم مدير مكتب الثقافة، عبد الخالق سيف، كونه يدعو إلى المجون، وينشر العري في المدينة، وبعد مرور أربعة أيام من فتوى العديني، تم إحراق سيارة عبدالخالق سيف».
وأكد المراقبون على أن «عملية إغتيال رفيق الأكحلي وعمرو دوكم، تبرهن أن الحرب التحريضية لتلك القوى المتطرفة، قد انتقلت من مرحلة التحريض الخشن، إلى مرحلة كسر العظم، المعمدة بالدم».
وفي هذا السياق، حمل النائب البرلماني، في حزب الإصلاح، (التيار المدني)، شوقي القاضي، «مسؤولية ما حدث لخطيب مسجد العيسائي ورفيق الأكحلي، عدة أطراف من بينها جناح العديني، والحكومة الشرعية، والتحالف العربي بقيادة السعودية».
واتهم القاضي، في منشور على صفحته في موقع التواصل الإجتماعي، «البرلماني في حزب الإصلاح، عبد الله أحمد علي (التيار المتطرف)، بالتحريض الشخصي ضد عمر دوكم، بسبب مخرجات الحوار الوطني والدولة المدنية الإتحادية»، وطالب بـ«منعه من استخدام المنبر لنشر التحريض».
أما القيادي في حزب «الرشاد» السلفي، محمد حامد أبو النصر، فيؤكد في حديث إلى «العربي»، أن «هناك أطرافاً خارجية تدير كل هذا العبث في المدينة، وتعمل على تأجيج الصرع بين كافة القوى والتيارات الدينية والسياسية».
ويضيف أن «من قتل دوكم والأكحلي هو قاتل مأجور، ومعروف لدى الجميع، وليس من رواد جامع النور، ولا من محبي العديني»، مشيراً إلى أن «منفذي الإغتيالات، هم شوية مقرمطين ومحببين مأجورين، هدفهم تعميق الصراع بين تلك القوى».
ولفت أبو النصر، إلى أن «عدن خير شاهد على ذلك، فشلال وبن بريك، لا يقاتلون بناء على غلو في الفكر ضد خصومهم، بقدر ما ينفذون أجندة الممول».
اليوم، لم يعد تنظيم «القاعدة» أو (داعش)، هي الجماعات المتطرفة الوحيدة في المدينة، بل أصبح هناك تشكيلات ومليشيات دينية مسلحة، أفرزتها الحرب، أتاحت بحسب سياسيين، المجال «للجماعات الجهادية المسلحة، بشقيها الإخواني والسلفي، استثمار هذه التشكيلات المجتمعية كأداة لتنفيذ حربها ضد خصومها الليبراليين من جهة، وضد خصومها المقربين من جهة أخرى».
وكشف مصدر أمني في إدارة الأمن، لـ«العربي»، أن «الجماعات المتطرفة في المدينة، لا تقتصر على تنظيمي القاعدة وداعش فقط، فمعظم الفصائل اصبحت اليوم جماعات مسلحة ومتطرفة»، مؤكداً أن «لدى حزب الإصلاح كتيبة خاصة بالاغتيالات، بقيادة سالم وعدنان رزيق، تضم قرابة 500 فرد من أفراد التنظيم، خضعوا لتدريبات مكثفة ودورات عسكرية متقدمة، كما أن جماعة أبو العباس السلفية، قامت قبل عام تقريباً بتدريب قرابة الـ 1000 شاب، تم تدريبهم من قبل قيادات إرهابية مخضرمة، شاركت في أفغانستان وسوريا».
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن «هناك أفراداً تم تجنيدهم من قبل حزب الإصلاح داخل صفوف الجماعات المتطرفة، بهدف الإختراق، تماماً كما فعل صالح سابقاً، في اختراق التنظيم واستغلاله لتحقيق أهداف خاصة».
وأكد أن «تلك القوى المتطرفة، جميعها مشتركة في عمليات الاغتيالات، التي تصاعدت في الأونة الأخيرة بشكل ملفت»، مشيراً إلى أن «معظم عمليات الاغتيالات، هي تصفية حسابات بين تلك المكونات، السلفية الجهادية، والإخوانية الجهادية، التي تعمل لأجندات خارجية معروفة لدى الجميع».
وفي الوقت الذي تتحد فيه الجماعات المتشددة، بشقيها السلفي والإخواني، ضد التيارات الليبرالية بشكل ملفت، فإن الصراع بين تلك القوى، يشهد توتراً غير مسبوقاً. وتشير معلومات مؤكدة، أن «جماعة أبو العباس بدأت قبل أيام في توسعة جامع المجاهد والبسط على أرضية بجواره في منطقة النسيرية، كانت تخطط السلطة المحلية لتحويلها إلى حديقة للأطفال، وتعذر التنفيذ جراء اندلاع الحرب، بهدف تحويله إلى مركز ديني سلفي شبيه بمركز دار الحديث في دماج، بالإضافة إلى قيامها بإستقدام طلاب أجانب من أرباب الفكر الوهابي».
وفي المقابل، تقول مصادر أخرى، إن «خلية البرلماني في حزب الإصلاح، عبد الله أحمد علي العديني، أنشأت منظمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسيطرت على معظم مساجد المدينة، وتجبر بعض خطبائها الذين يرفضون أفكار الخلية، على مغادرة المساجد وتحت تهديد السلاح»، وهو ما اعتبره مراقبون، «كارثة كبرى على تعز، ستقودها نحو صراع (سلفي إصلاحي)، وخلق بيئة متطرفة تهدد المجتمع، وقد يكون مبرراً لغارات جوية أمريكية».