المشهد اليمني الأول/
ليس خافياً على أحد أنَّ تحسُّن العلاقات بين كوريا الديمقراطية وجارتها الجنوبية, يجعل واشنطن تستشيط غضباً لأنها ومن حيث لا تدري وجدت نفسها في ورطة مواجهة خصمين بدلاً من واحد، وأمام خيارين لا ثالث لهما, إما الخضوع لبيونغ يانغ والجلوس إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة، وإما التعنت وممارسة سياستها العنجهية والسير وحيدة في طريق مواجهة كوريا الديمقراطية.
ولأن كلا الخيارين مرّ بالنسبة لواشنطن, فهي تحاول بكل ما تملك من قوة ونفوذ سياسي أن تدق إسفيناً بين الكوريتين لعلها تنجح في إجهاض التقارب الذي بدا جلياً خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية على أراضي كوريا الجنوبية, حيث حرصت الجارة الديمقراطية على المشاركة بها بوفد رفيع المستوى جاءت على رأسه كيم يو جونغ شقيقة زعيم كوريا الديمقراطية كيم جونغ أون. وواشنطن تعتقد أنها إن لم تنجح في دق الإسفين بين البلدين وإعادة القطيعة بينهما, فإنها على الأقل ستمنع العلاقات من التطور أكثر ووصولها إلى حد أن يلتقي فيه الرئيسان وجهاً لوجه.
المحاولات الأولى لواشنطن ظهرت جلية عندما هنأ نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس, رئيس كوريا الجنوبية مون جاي، على استضافة بلاده للأولمبياد، مشدداً على ما سماه «الدعم الأمريكي لسيئول في مواجهة التهديدات النووية لكوريا الديمقراطية»، مع حرصه على المشاركة في فعاليات رمزية تهدف إلى إلقاء الضوء على برنامج بيونغ يانغ النووي، والقول من خلالها إن واشنطن وسيئول متفقتان تماماً على عزل كوريا الديمقراطية اقتصادياً ودبلوماسياً, بزعم برنامجها للأسلحة النووية.
ورغم قضاء بنس عدة أيام في سيئول قبل انطلاق فعاليات الألعاب الأولمبية في محاولة لاستغلال دعاية الحدث وتوجهه نحو دعوة المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه بيونغ يانغ، إلا أن الترحيب بالوفد الكوري الديمقراطي بأذرع مفتوحة ووصف الرئيس الكوري الجنوبي، لدورة الألعاب بـ«أولمبياد السلام»، أظهر واشنطن كأنها تُركت وحدها في العراء.
وعليه, فإن كل التحريض الأمريكي على بيونغ يانغ الظاهر منه والباطن, لم يمنع واشنطن من التفكير بكل الاحتمالات ولم يثنها عن التلويح بورقة إجراء مفاوضات سياسية مع كوريا الديمقراطية, بدليل أن بنس الذي كان أطلق العنان للسانه وهو يحرض بحدة على بيونغ يانغ, عاد ليتحدث بنبرة منخفضة, ربما بعد أن استشفت إدارته أن محاولاتها فشلت والإسفين لم يدق بين الكوريتين وكل ما تخشاه أن يدق بينها وبين سيئول, ما دفعها لفتح الباب موارباً والإعلان أنها تترقب إشارات حول مدى جاهزية بيونغ يانغ للدخول في مفاوضات مباشرة معها.
وما بين بيونغ يانغ وواشنطن, تقف سيئول في حيرة من أمرها، وخاصة بعد الدعوة التي تلقاها رئيسها من الزعيم الكوري الديمقراطي لزيارة بيونغ يانغ، فسيئول من جهة لا تريد عودة الأزمة مع جارتها الديمقراطية إلى نقطة الصفر بعد أن قطعت أشواطاً في طريق تحسين العلاقات بينهما، ومن جهة أخرى لا تريد إغضاب حليفتها الأمريكية التي تبتزها بسبب الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الذي تقدمه لها، الأمر الذي يجعل سيئول في موقف محرج بانتظار الحسم الذي سيظهر قريباً في قرارها إما تلبيه دعوة كيم جونغ أون وبالتالي الاستمرار في طريق تحسين العلاقات، أو رفض هذه الزيارة والعودة إلى مربع الصفر.