المشهد اليمني الأول/
أشار المُحلّل دافيد ماكوفسكي في مقالة له نُشرت على موقع معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى إلى أنّ المباحثات التي جرت قبل أيّام قليلة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو شملت بالإضافة إلى الملف السوري، موضوع إمكانية وجود منشآت لإنتاج الأسلحة الإيرانية في لبنان التي قد تكون قادرة على ضرب البنية التحتية الإسرائيلية والمراكز السكانية، وفق تعبيره.
ولفت المُحلّل إلى التقارير التي تحدّثت عن أنّ الدولة العبريّة استهدفت منشآت لإنتاج السلاح بمنطقة مصيف السورية في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، بحجة أنّ إيران أنشأتها، معتبرًا أنّ إسرائيل، وعلى الرغم من شنّها العديد من الضربات على سوريّة، إلّا أنّها ستُواجه تحديات مختلفة إذا ما قررت استهداف لبنان.
علاوة على ذلك، أوضح ماكوفسكي أنّ المسؤولين الإسرائيليين يقولون إنّ حزب الله يملك ما يزيد عن مائة ألف صاروخ، وقال إنّ الترسانة الصاروخية هذه قد تكون السبب الذي جعل صنّاع القرار في تل أبيب، من المُستويين السياسيّ والأمنيّ، يمتنعون عن ضرب لبنان خلال الأعوام الثلاث الماضية، والاكتفاء باستهداف مواكب سلاح حزب الله في سوريّة فقط، على حدّ زعمه.
بالإضافة إلى ذلك، لفت المُحلّل إلى ما قاله وزير الأمن الإسرائيليّ أفيغدور ليبرمان بعد لقاء بوتين مع نتنياهو، إذْ ادّعى أمام أعضاء من حزب “إسرائيل بيتنا” بأنّ تل أبيب تستخدم كافة الأوراق السياسية وغير السياسية لمنع إنتاج الصواريخ. ورأى ماكوفسكي أنّ مخاطر التصعيد حقيقية في حال لم تنجح مباحثات نتنياهو مع بوتين بردع إيران، وفق قوله.
على صلةٍ بما سلف، قال المُحلّل الإسرائيليّ، يسرائيل هارئيل، في صحيفة (هآرتس) العبريّة إنّ هدوء حزب الله الوهمي لا يعود (فقط) إلى الردع الإسرائيليّ، بل هدفه السماح لنفسه باستكمال مهمته من دون إزعاج وهي: نشر سلاح استراتيجيّ في لبنان ضدّ السكان المدنيين الإسرائيليين، وانتظار اليوم الذي تصدر فيه الأوامر.
وتابع: يفترض الحزب، وهو محق، أنّ إسرائيل، على عكسه، لا يمكن أنْ تضرب بصورة عشوائية المدنيين في لبنان، ولن تعيد لبنان إلى العصر الحجريّ، وبالإضافة إلى تجنب إسرائيل القيام بمثل هذه الأعمال، يتمتع لبنان بغطاء من الحماية الدولية التي تميز، بصورة كاذبة، بين الدولة اللبنانية البريئة وبين حزب الله، الذي تقف عاجزة أمامه.
ولفت المُحلّل، المعروف بآرائه اليمينيّة، إلى أنّه تبين أنّ افتراض حزب الله هذا صحيح، فسياسة الاحتواء التي مارستها إسرائيل حوّلت مواطنيها إلى رهائن لتنظيم إرهابيّ وحشيّ، لا شيء يردعه، وتستخدمه قوة عظمى تكره اليهود، وتهدد علنًا، ومن دون خوف من ردود العالم، بالقضاء على دولة اليهود.
ورأى هارئيل أنّ عمليات القصف المتقطع للشحنات الإيرانيّة المحملّة بالصواريخ إلى لبنان ليست أكثر من ألعاب نارية، إذْ يجري تدمير العشرات بينما المئات، لا بل الآلاف، من الشحنات، تصل إلى حزب الله، على حدّ قوله.
وأشار إلى أنّ القيادة العامة للجيش الإسرائيليّ تستعّد لليوم الذي تصدر فيه الأوامر، لكنها تتجنب أنْ تقول حتى لنفسها معنى سياسة الاحتواء: كلمّا جرى تأجيل الحسم، سيكون الثمن باهظًا أكثر، ومؤلمًا أكثر، وإذا أعطينا العدو، كعادتنا، “حق” القيام بالضربة الأولى، فإنّ الثمن سيكون لا يُحتمل. وتساءل: ماذا ستفيد ضربة مضادة؟ حتى الآن لم تتعافَ إسرائيل بعد من الصدمة الوطنية التي سببتها خسائر حرب يوم الغفران، أيْ حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973.
وتابع قائلاً: يتضح للسياسيين والعسكريين أنّ ثمن المحافظة على الهدوء يمكن أنْ يكلفهم ثمنًا دمويًا، لا يستطيع الشعب تحمله، وفي مثل هذا الوضع، جميع الذين يحاولون هنا منع اتخاذ خطوات ضرورية لمنع حدوث صدمة وطنية إضافية ويسمون هذه الخطوات “حرب لنا خيار فيها” يرتكبون خطأً فادحًا، وإذا قُبلت معارضتهم، فإنّهم، والذين يتأثرون بهم، سيتسببون بكارثة للإسرائيليين، سيندمون عليها ندمًا شديدًا، على حدّ قوله.
ولفت إلى أنّ حكومة إسرائيل من خلال تفضيلها سياسة عدم التحرك وعدم القيام بشيء، باستثناء ضربات صغيرة هنا وهناك، لم تدفع السلام إلى الأمام، بل على العكس، لقد سمحت سياسة الاحتواء لإيران وحزب الله بالاستعداد للحرب.
واختتم قائلاً إنّ القيادة العامّة للجيش الإسرائيليّ، المعتدلة والحذرة والدفاعيّة، لم تسع أيضًا خلال جولات المعارك الثلاث الأخيرة في غزة لتحقيق الحسم، وهي شريكة في هذا التقصير التاريخيّ-الاستراتيجيّ، بحسب قوله.