المشهد اليمني الأول/ إبراهيم الأمين – الأخبار
لم يكن ينقص الإمارات العربية المتحدة سوى دور البلطجي. لكن يبدو الأمر محبَّباً، وسهلاً، عند محمد بن زايد ورجاله من أبناء الدولة، أو المرتزقة العاملين بالأجرة. وهم، بالمناسبة، من جنسيات عربية وأجنبية، ولهم باع طويل في أعمال الفتنة والقمع والترهيب والقتل أيضاً. ولديهم، إلى جانب «خبراتهم»، شبكاتهم وعلاقاتهم في أكثر من منطقة من العالم. وما جعل ابن زايد يعزّز هذا النوع من النشاط، أنه وجد من يتطوّع ويعرض خدماته في أكثر من دولة عربية مقابل أموال أو خدمات، منها تأمين عفو السيد الأبيض في الغرب.
الإماراتيون الذين بنوا جهاز مراقبة لمواطني الدولة والمقيمين عندهم، بتأسيس بريطاني وتطوير أميركي وخدمات فرنسية ومعلومات إسرائيلية، قرروا تطوير هذا النوع من العمل، ليشمل إخضاع جميع من يدخلون البلاد، أو يقيمون فيها، لبرامج تعقّب حتى عندما يسافرون أو يعودون إلى بلادهم. والتعاون الأمني، المترافق مع عطاءات مالية، جعلهم، أيضاً، يحصلون على ما يحتاجون من معطيات عن المقيمين عندهم من قبل حكومات بلادهم الأصلية. كذلك بات في مقدورهم مراقبة مواطني الدولة الذين يعيشون أو يدرسون أو يعملون في الخارج، «حتى لا يقع منهم أحد ضحية التضليل»، على ما قال أحد أبناء زايد لزائر سأله عن سبب ملاحقة ابنه في إحدى جامعات بريطانيا.
لكن القسوة الإماراتية في مواجهة خصوم الحكم، لا تتعلق بظاهرة الاختفاء القسري أو السجن البعيد عن الأعين والأيدي، بل بفرض الحرم الاجتماعي الذي يجعل عائلة المغضوب عليهم في حالة تبرؤ من ابنهم. علماً أن الملاحقات تستند، في غالبية الأحيان، إلى تهمة الانتماء إلى تنظيم «الإخوان المسلمين» ومشتقاته، قبل أن ينضم إلى اللائحة كل المتصلين بالمقاومة في لبنان.
وإلى جانب ذلك، أظهرت الأحداث في ليبيا، ثم اليمن، وفي بعض دول القرن الأفريقي، أن حكام أبوظبي لا يتورعون عن القيام بأبشع الأعمال ضد خصومهم. ليس من خلال تمويل الحروب الأهلية هناك، أو تزويد القتلة بالأسلحة والأموال، بل حتى في التورط مباشرة، من خلال إرسال قوات وعتاد وأموال، لتقوم القوات الإماراتية نفسها بعمليات إجرامية كبيرة، وفتح سجون تشبه سجون النازيين والصهاينة في أوروبا وفلسطين، حيث لا مجال لمعرفة مصير نزلائها. كذلك، تمول الإمارات العصابات الإجرامية التي تقوم بعمليات تصفية لكل من يخالف سياساتها في اليمن والمنطقة. وتولى مرتزقة الإمارات في جنوب اليمن عشرات عمليات الاغتيال ضد شخصيات سياسية ودينية وأهلية محسوبة على خصوم أبو ظبي.
ولا يقتصر دور الإمارات في بلد مثل اليمن على هذه الأمور فقط، بل إنها تتولى أقذر عملية تدمير لما بقي من بنى تحتية في هذا البلد. وإلى جانب سعيها إلى اغتصاب جزيرة سقطرى، وضمّها بالقوة، تعمل على تدمير كل مؤهلات مرفأ عدن لمنعه من القيام بأي أعمال تنافس موانئ دولة الإمارات.
وهي تترك اليمنيين الذين يعيشون تحت احتلالها ضحية الفقر والعوز، وتمنع عنهم الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وحتى المطار تجعله أقرب إلى محطة قطارات مهجورة. بينما لا تحرك ساكناً أمام ترهل قطاعات الصحة والتعليم والشرطة المدنية. لكنها، تنشط إعلامياً في استعراض عمليات إغاثة صورية، يعرف اليمنيون أنها لا تعني شيئاً.
في ليبيا، لم يتوقف دعم الإمارات، لا لجماعات مسلحة بحجة مواجهة النفوذ القطري والتركي والإخواني، بل سعياً إلى تركيبة سياسية ومؤسساتية موالية لها، وتسعى إلى استئجار قدرات مصرية في خدمتها هناك، كما تفعل هي والسعودية مع السودانيين في اليمن. وهي لا تهتم لتسجيل أعداد الضحايا. كل ما يهمها أن يرضى عنها الأميركيون والغرب، وأن تمارس نفوذاً استثنائياً في هذه المنطقة من أفريقيا. تماماً كما تفعل في فلسطين وبين فلسطينيي الشتات، حيث لا تتوقف عن استئجار التافه منهم للعمل لديها، سواء في مجال تقديم الخبرات والعون في معاركها، أو في فلسطين نفسها، حيث تريد الفتنة والحرب الأهلية بين الفلسطينيين تلبية لرغبات أميركية وإسرائيلية، من دون أن ننسى صرف أموالها في مشاريع نقل ملكية مباني القدس والضفة الغربية إلى المؤسسات الصهيونية. وبيدها حيلة كبيرة اسمها محمد دحلان الذي يعرض خدماته على مستوى اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان لاستخدام من يقبل منهم في إثارة القلاقل في وجه خصوم أميركا وإسرائيل في هذين البلدين. وهو ما تفعله مع قيادات لجماعات مسلحة عراقية تعيش في الإمارات. كذلك تستعد أبوظبي لتمويل العمليات الانتخابية لحلفائها في لبنان والعراق، بحجة أنهم يواجهون المدّ الفارسي.
أما في الملف الذي يفترض أنه يخصّ أهل الدار، أو ما يُسمى اليوم ملفَّ الأزمة الخليجية، فإن محمد بن زايد يظهر حماسة غير مسبوقة إزاء القيام بعمل يتجاوز العقوبات السياسية لإطاحة الحكم القطري. ويتبرع الإماراتيون في عرض أفكار كثيرة، تصبّ في النهاية في خدمة تدخل عسكري يخضع الدوحة لحكم المحمدين. ورغم تعثر المشروع حتى الآن، إلا أن أبو ظبي لا تتوقف عن القيام بكل ما من شأنه إثارة الفوضى داخل قطر والسعي إلى إطاحة حكمها.
الأمر هو نفسه في سلطنة عمان، حيث حاول محمد بن زايد تنظيم انقلاب على السلطان قابوس، مستنداً إلى نقاش حول خلافته. وفي غضون ذلك، يعمد ابن زايد إلى تحويل جانب من نفوذه في اليمن، إلى عنصر ضاغط على الحدود الغربية للسلطنة، ودفعها إلى مستوى من القلق الذي يمهّد لاختبار قدرتها على مواجهة قلاقل تحصل بواسطة مجموعات سلفية تكفيرية متطرفة، يعتقد الإماراتيون أن لديها من الأسباب ما يكفي لمقاتلة حكم قابوس، وأهم هذه الأسباب اتّباع المذهب الإباضي في السلطنة، الذي يعتبره التكفيريون بدعة، ويجب قتل المؤمنين بها.
آخر إنجازات آل زايد في لبنان، اختطاف شاب لبناني يعمل في الإمارات، وإبقاؤه رهينة ريثما يسلم والده الإعلامي نفسه لسلطات الإمارة، وذلك بتهمة التعاون مع دول معادية!