المشهد اليمني الأول/ تقرير – ضرار الطيب
على غرار ما فعلته في محافظة صعدة، عندما أنشأت “مركَزَ دمّاج” كبؤرة لتجميع التكفيريين تمهيداً لاستهداف اليمن، تنشَطُ السعوديةُ اليومَ في محافظة المهرة، بنفس الطريقة؛ بُغية تكوين بؤرة أُخْــرَى مماثلة، ولكن هذه المرة تمهيداً لاستهداف سلطنة عُمان، حيث تؤكّد كافة المعطيات والمؤشرات أن التحَــرّك السعودي هناك يحمل أسباباً اقتصادية مرتبطة بالسلطنة بصورة مباشرة، وإنْ بدت هناك أسبابٌ أُخْــرَى معلَنة بشكل غير رسمي، كمزاعم “إيقاف تهريب السلاح من عُمان” فهي مجرَّد غطاء لما يتم التخطيط له بنشاط كبير تجاوَزَ مرحلة العمل في الخفاء، حتى أن جريدةَ الأخبار اللبنانية وصفته بـ “غزو سعودي” للمهرة، وعرضت جوانبَ كثيرةً من تفاصيله.
نوايا السعودية لاستهداف عمان
يقول الخبير العسكري الروسي، أليكسي تشيتشكين، في مقال نشره موقع “كوريير” للصناعات العسكرية: إن قيام السعودية باستهداف اليمن عسكرياً، يرجع بشكل أساسي إلى “آفاق صادرات النفط من دول شبه الجزيرة العربية” مُضيفاً أنه من غير المستبعد أن يصل تدهور العلاقات بين ممالك الخليج وإيران إلى إغلاق مضيق هرمز الذي يتم عبره نقل أكثر من 80 % من الحجم الكلي للنفط ومنتجاته والغاز المسال من الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والكويت.
ويرى الخبير الروسي أنه في حالة إغلاق مضيق هرمز، فإن موانئ السلطنة ستكون ذات أهميّة عالية، وستكونُ هناك “منافَسَةٌ” بين الموانئ اليمنية والعُمانية على طُرُق تصدير النفط الجديدة، مشيراً إلى أنه بدأ بالفعل توجيه خط أنابيب النفط من المملكة العربية السعودية وخط أنابيب الغاز من دولة الإمارات العربية المتحدة إلى ساحل عمان؛ تحسباً لذلك.
ولكن المشكلة هنا، هي أن السعودية لا تستطيع فرْضَ سيطرتها على الوضع في الموانئ العمانية، خُصُوْصاً وأن هناك خلافاتٍ كثيرةً بين الدولتين، وأن عُمان غير مرتاحة في الأصل إلى “دور الزعامة الذي تلعبه السعودية في المنطقة”، حسب المقال.
وإذن، فالسعودية ستكون محشورة بين عدم سيطرتها على عمان، وعدم قدرتها على توفير طرق جديدة لتصدير النفط بدون اللجوء للسلطنة، وهذا بحد ذاته سببٌ كاف للسعودية، يجعلها تخطِّطُ لاستهداف عمان؛ كي تتمكَّنَ من الوصول إلى سيطرة كافية تتيحُ لها التحكّمَ بالموانئ العُمانية، ومن واقع الأساس الذي تحَــرّكت عليه المملكةُ في استهداف اليمن، يمكن الجزمُ بأن النظامَ السعودي الآن يعتبر استهدافَ عمان حاجةً ملحة، وهذا ما يفسّره بوضوح التحَــرّكُ السعودي النشطُ في محافظة المهرة الواقعة على الحدود مع عمان.
نشاط السعودية في المهرة
الخبير الروسي أشار إلى أن أحد السيناريوهات المحتملة، سيكون إثارة فوضى تنتقلُ عبر الحدود اليمنية العُمانية، وبغض النظر عن نوعية الفوضى المحتملة، إلا أنَّ النشاطَ السعودي القائم في محافظة المهرة، يندرجُ ضمن نوعية النشاطات التي تمهّدُ لكل أنواع الفوضى المحتملة.
تروّج السعوديةُ منذ فترة، بشكل غير رسمي، لموضوع “تهريب أسلحة من عُمان عبر المهرة”؛ كذريعة لتبرير تحَــرّكاتها بشكل منفرد أَوْ باسم تحالفها العسكري، داخلَ المحافظة، وكانت الإماراتُ قد بدأت ذلك قبل أشهر وأرسلت قواتٍ عسكريةً، وأعلنت عن تشكيل ما يسمى “النخبة المهرية” كذراع عسكري لها في المحافظة، ومع ذلك فإن السعودية الآن تجاوزت ذلك وباتت تنشَطُ بشكل أوسع داخل المحافظة.
ووسط توارد أنباء عن مشاكلَ أمنية داخل مدينة “قشن” في المحافظة، نشرت جريدةُ الأخبار اللبنانية، الخميس الفائت، بعنوان “غزو سعودي للمهرة : إمارة سلفية على حدود عمان”، وتضمَّنَ التقريرُ معلوماتٍ عن أن السعودية في صدد التحضير لإنشاء مركَزٍ “سلفي” داخل المدينة نفسها، على غرار مركز “دماج” في صعدة، وذلك بالتزامن مع نشاطٍ عسكريٍّ داخل المحافظة، حيتُ تواصِلُ السعوديةُ إرسالَ تعزيزات عسكرية متنوعة إلى المحافظة، كما تقوم بتزويد الكثير من القبائل هناك بأسلحة مختلفة، إلى جانب أنها فتحت باب التجنيد لاستقطاب أبناء المحافظة في صفوف قوات تحالف العدوان.
“الأخبار” أفادت أن التكفيري “يحيى بن علي الحجوري” الذي كان يديرُ مركَزَ دمّاج في صعدة، هو مَن يتولى الإشراف على المركز في المهرة، وبنفس الطريقة التي تم بها تجميعُ التكفيريين في دماج، يتم إرسال عناصرَ تكفيريةٍ محلية وأجنبية باستمرار إلى المحافظة، وبالتالي لم يعد هناك مجالٌ للشك فيما تخطط له السعودية هناك، فمركز دماج في صعدة كان البؤرة الرئيسية التي تفرخ منها التكفيريون والقاعدة الأكبر التي تم إعدادُهم فيها لإثارة الفوضى في اليمن.
وليس من قبيل المصادفة أن يأتيَ ذلك بالتزامُن مع مظاهرات لأبناء مدينة “قشن” نفسها؛ احتجاجاً على بناء مدن سكنية ومراكز لأناس قادمين من خارج المحافظة، حيث أوردت “الأخبار” أن التكفيريين الذين يتم تجميعُهم إلى الم
دينة يقومون بشراء مساحات أرضيةٍ واسعة ويقومون بتشييد مراكز وبنايات كبيرة وبشكل سريع، لا يوحي بأن ما يتمُّ هو مجرد نشاط عُمراني مدني.
ولا يقفُ الأمرُ عند هذا الحد، إذ تقوم السعودية أَيْضاً باستمالة أبناء المحافظة، إنْسَانياً، عن طريق “مركَز الملك سلمان للإغاثة” والذي يقوم بتوزيع مساعدات وافتتاح مراكز صحية وخدمية، وهو ما اعتبرته الجريدة “منافسةً” للدور العُماني، ومن الواضح أن السعوديةَ تسعى من خلال ذلك لوضع أساس يدعم تواجدها العسكري والتكفيري هناك؛ لتستطيعَ التوسُّعَ في نشاطها أكثر بدون اصطدام مع أبناء المحافظة.
وهكذا يتضحُ أن ذريعةَ “إيقاف تهريب الأسلحة” ليست هدفاً للنشاط السعودي في المهرة، وأن الهدفَ الرئيسي والمنطقي، هو تشكيلُ قاعدة تنطلق منها نشاطات توسعية تستهدف سلطنة عُمان؛ لأسباب اقتصادية باتت واضحة، ولا حاجة لإثبات أن تلك الأسبابَ المتعلقة بتصدير النفط تشكّل لدى السعودية والإمارات أهميةً قصوى، تجعَلُ من ذريعة تهريب الأسلحة، دعايةً تافهةً، وغطاءً شفافاً جداً لما يجري الإعدادُ له هناك.
لم تكن السعودية أَوْ الإمارات على وِفاق مع موقف سلطنة عُمان منذ بداية العدوان على اليمن، ولطالما أفصح الإعلامُ السعودي والإماراتي عن مواقفَ عدائيةٍ تجاه السلطنة، ولكن بات واضحاً، أن تلك المواقف لم يكن مبعثُها خلافاً سياسياً عادياً، وإنما “خوف” مصيري، وتجدُ السعودية بالذات نفسَها بحاجة ماسَّة للتعامل مع ذلك الخوف، وإلا ستكونُ آثارُه “كارثيةً” عليها على كُلّ المستويات.