كتب/ احمد عبدالله الشاوش
يبدو ان صبر الولايات المتحدة الأمريكية بدأ ينفد وان شهر العسل الممتد قرابة الـ70 عاماً بدأ يفقد مذاقه وهواه السياسي في ضبط إيقاع العلاقات الحميمة وان الإفراط في الدلال لحكام السعودية بدأ يتلاشى وأن تصدع البيت السعودي من الداخل والتورط في الكثير من بؤر الصراع المحلية والإقليمية والدولية برعونة كبيرة وتنامي ظاهرة الإرهاب المغروسة في الرياض بدأت تنعكس بصورة جلية ، مما جعل اوباما يطلق رصاصة طائشة في نعش حكام الرياض من خلال تصريحاته الصاعقة لصحيفة “اتلانتيك ” بتوجيه الاتهام المباشر للسعودية برعاية الفكر الوهابي المصدر للتطرف والإرهاب.
لم يكتف العم ” سام ” ببعض التصريحات والتسريبات للإعلام الدولي الذي يمسك بزمامه رغم المصالح الطاغية والثروات الكبيرة والإرباح الخيالية التي يقدمها حكام السعودية ” جزية ” مقابل الحماية التي تحمل أكثر من علامة تعجب واستفهام وتغطية قضايا بعينها او تقييدها ضد مجهول، بل حرك الكثير من قنواته وسياسييه للنبش في بعض الوثائق السرية التي تكشف تورط السعودية في عدد من العمليات الإرهابية وفي طليعتها هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م التي شارك في تنفيذها 15 سعودياً من أصل 19 إرهابياً ، تسببوا في ما لا يقل عن مقتل ثلاثة آلاف من أمريكي بالإضافة إلى خسائر بمليارت الدولارات جعلت القيادة والشعب الأمريكي تحت رعب وهاجس الصدمة حتى اللحظة.
ورغم النفس الطويل لأمريكا وسيناريو سياسة الخطوة خطوة مبدأ “كيسنجر “، إلا أن الأيام تثبت وجود “أزمات “وشرخ كبير في العلاقات الأمريكية السعودية، وان واشنطن تصر على تشذيب وتقليم اضافر البيت السعودي ، خصوصاً بعد أن صرخ الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز في وجه اوباما بعدم أمتثالة للخطوط “الحمراء”، بحسب ما أكدة وزير الاستخبارات السعودي السابق ” تركي الفيصل” .. وتصاعد وتيرة الخلاف بين الرئيس اوباما والملك سلمان بن عبدالعزيز في كثير من القضايا ، وما الاستقبال الركيك والعادي للرئيس اوباما وتكليف أمير منطقة الرياض بذلك إلا دليل قاطع على الهوة الكبيرة وفقدان الاحترام والهيبة ، وما ” تهديدات ” وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ، ببيع أصول المملكة السعودية في امريكا المقدرة بنحو 750 مليار دولار لأحداث كارثة اقتصادية للقطب الدولي للضغط على الكونغرس الأمريكي في عدم تبني مشروع قانون يحمل السعودية هجمات 11 سبتمبر الإرهابية إلا دليل قاطع على حالة عدم الانسجام وارتباك صقور الرياض ،وعمق “الهوة” بين واشنطن والرياض ، مهما بالغ اوباما ووزير دفاعه اشتون كارتر في حماية أمن الخليج والتصدي لإيران وتسيير البوارج البحرية للرقابة ومحاربة الإرهاب !!؟.
وخير دليل على أن أمريكا ماضية في سياسة ” التأديب” وكبح التطاول وفرض “الهيمنة” هو ذلك الرصيد التاريخي مع الكثير من الحكام والدول الذي يجسد بكل برود اللحظة المناسبة للانتقام ، ويزكي هذه الرؤى ما أصدرته المحكمة الأمريكية يوم الأربعاء في اقتطاع ملياري دولار أمريكي من الأموال المجمدة للجمهورية الإسلامية الإيرانية بذريعة تفجير مبنى مشاة البحرية الأمريكية في بيروت عام 1983م ومقتل أكثر من 200 جندي أمريكي .. رغم حالة التقارب الغير عادية في العديد من المجالات بين إيران وأمريكا واوروبا وبعض دول الخليج بعد الاتفاق النووي الذي يبشر بدور ايران القادم ” شرطي ” للمنطقة وأفول “الغفير” السعودي.
ومع ذلك فليس للعواطف حيز في عالم المصالح والسياسة والابتزاز، فالحزبين الديمقراطي والجمهوري الذين يخوضان معارك حامية الوطيس أكثر اتفاقاً ورؤية عند مناقشتهم في الكونغرس الأمريكي لقضايا الأمن القومي والهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر وغيرها ، مهما تم إخفاء بعض وثائق الإدانة أو التستر على قيادات ورجال أعمال وأمراء فالكل ماض في إصدار قرار بتحميل السعودية المسؤولية الجنائية والتعويضات الكاملة لأسر الضحايا الأمريكيين اليوم أوغداً ، كما حصل مع الإيرانيين وضحايا لوكربي ومن ثم المتاجرة حتى بمجازر ” الإبادة ” في اليمن ، وان محاولة اوباما وتصريحاته باستخدام حق ” الفيتو” مجرد كلام استهلاكي وان صدقت ، فإن اوباما سيسقط في نظر الشعب الأمريكي وان الرئيس القادم من حقه والكونغرس مواصلة مسيرة ” نبش “المستور وكشف الوثائق السرية وإقرار قانون يحمل السعودية المسؤولية الجنائية.
فالتصريحات النارية الأخيرة لصحيفة اتلانتيك باتهام السعودية برعاية الفكر الوهابي المتطرف تحمل أكثر من رسالة والرصاص الذي ما يصيب يدوش ، ولنا في ” شاه ” إيران والسادات ومبارك وبن علي أكثر من عبرة ، رغم الولاء والإفراط في التبعية ، إلا أن الجلاد الأمريكي قلب رأس المجن وتنكر لكل هؤلاء بعد ان عادوا شعوبهم وبددوا ثرواتهم وتآمروا على أوطانهم وآذوا جيرانهم ولذلك سرعان ما ذُبلت أوراقهم وتعفنت سيرهم.
ورغم ان المصالح هي مفتاح العلاقات وإقفالها ، إلا ان ما تبقى من القادة العرب قديمهم وجديدهم مازالوا يواصلون وفي مقدمتهم النظام السعودي السجود والتسبيح وتقبيل البيت الأبيض عند كل ” هزة” كرسي للنجاة من سكرات الموت المحقق على يد شعوبهم لتثبيت عروش الطغيان وكراسي الحكم وقهر الشعوب والرهان على جلد الذات دون الاهتمام بشعوبهم ووطنهم العربي والإسلامي وعمل ثورة في مناهج التربية والتعليم المنحرفة التي أغوت الأجيال وفسدت الأمة وجسدت فيهم ثقافة التبعية والكراهية ونهب ثروات الشعوب وذبح الجنود وسبي وبيع النساء والأطفال وتدمير المساجد ونسف المستشفيات والمعسكرات والمصانع وعجلة الإنتاج وزرع والطائفية والمذهبية والمناطقية وتقطيع او صال الوطن العربي من الوريد الى الوريد والارتهان تحت قوالب دينية مظللة في خدمة السياسة وأكثر جلافة وبعداً عن تعاليم الإسلام الحنيف .
فهل تعي هذه الأنظمة أخطاؤها وتتجاوز زلاتها وتصحو من غفلتها وغرورها بعيداً عن المآسي والتآمر وتجعل إنسانها ينفذ من أقطار السموات والأرض بالعلم تعميراً للأرض وتجنيباً للإنسانية من الدمار والهلاك.