الرئيسية أخبار وتقارير الجمهورية السعودية في اليمن

الجمهورية السعودية في اليمن

منذ هزيمة مصر في نكسة حزيران 1967، وسحب الرئيس جمال عبد الناصر قواته من اليمن، بعد التفاهمات السياسية التي جرت بينه وبين الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز خلال قمة الخرطوم، دخلت اليمن مرحلة جديدة من الهيمنة السعودية المباشرة. فقد أصبحت البلاد أشبه بساحة خلفية لنفوذ آل سعود، إلى الحد الذي بلغ فيه الأمر أن تُعيّن الرؤساء وتُقال الحكومات بأوامر غير معلنة من الرياض، بل وتمت تصفية بعضهم جسديًا إذا ما فكر أحدهم بالخروج عن خط الوصاية، كما حدث مع الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، الذي سعى لاستقلال القرار اليمني ولبناء دولة مدنية ذات سيادة.

ولا تزال شواهد الضلوع السعودي في اغتياله قائمة حتى اليوم، وقد تعززت تلك الاتهامات بعد أن كشفت شهادات مقربين من الحمدي، وكذلك تقارير استخباراتية غربية رُفعت عنها السرية، عن استياء سعودي شديد من سياساته التحررية، خصوصًا تلك التي مست مصالح القبائل الموالية للرياض داخل اليمن.

بعد عقود من هذه السيطرة غير المعلنة، جاءت ثورة 21 سبتمبر 2014 لتُعيد بعث مشروع الاستقلال الوطني من جديد، وتعلن عن نهاية عهد الوصاية الخارجية. غير أن هذه الخطوة وُوجهت بردّ فعل عنيف من السعودية، التي رأت في هذا التحول تهديدًا مباشرًا لنفوذها، فدفعت بكل ثقلها السياسي والعسكري لإجهاضه. وبمساندة غير محدودة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أطلقت ما يُعرف بـ”عاصفة الحزم” في مارس 2015، تحت لافتة دعم ما يسمى “الشرعية”، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى حرب شاملة طالت البشر والحجر، وأُدينت من قبل منظمات دولية كهيومن رايتس ووتش والعفو الدولية بارتكاب جرائم ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، بدءًا من المجازر بحق المدنيين، وصولًا إلى فرض حصار خانق على الشعب اليمني.

وإذا كان البعض يخشى على النظام الجمهوري في اليمن من سقوط محتمل، فإن أول ما يجب الالتفات إليه هو الخطر الحقيقي القادم من الرياض، لا من الداخل اليمني. فالسعودية ليست فقط نظامًا ملكيًا مطلقًا، يرفض أي شكل من أشكال التداول السلمي للسلطة، بل هي عدو معلن لأي مشروع تحرري أو ديمقراطي في المنطقة.
ولعل ما حدث في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 يُجسد هذه الحقيقة بوضوح، إذ أظهرت الرياض عداءً صريحًا للتغيير الشعبي، ووقفت بقوة خلف انقلاب 3 يوليو 2013 الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وهو ما أكدته تصريحات الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل، توكل كرمان، التي اتهمت السعودية علنًا بأنها كانت الراعي الأبرز لإجهاض التجربة الديمقراطية في مصر، بالتمويل السياسي والدعم الإعلامي واللوجستي.

وفي تونس، لم تكن المواقف السعودية أقل وضوحًا، فقد سارعت إلى استقبال الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بعد الإطاحة به، ورفضت تسليمه لمحاكمته، في تحدٍّ مباشر لمطالب الشعب التونسي بإحقاق العدالة الانتقالية، بينما كانت تدعم بشكل غير مباشر القوى المناهضة للثورة داخل البلاد، عبر أدواتها الإعلامية والدبلوماسية.

أما في السودان، فقد لعبت السعودية إلى جانب الإمارات، دورًا بارزًا في دعم المجلس العسكري بعد سقوط نظام عمر البشير، في محاولة لعرقلة عملية الانتقال المدني الديمقراطي، وهو ما أكدته تقارير دولية نقلتها وكالة “رويترز” وصحف عالمية مثل “الواشنطن بوست” و”الغارديان”، التي تحدثت عن دعم مالي سخي للعسكر، مقابل إبقاء الحكم خارج أيدي المدنيين.

وفي ليبيا، وقفت السعودية إلى جانب الجنرال خليفة حفتر، الذي يقود مشروعًا عسكريًا مناهضًا لحكومة الوفاق الوطني، متذرعة بذريعة محاربة “الإسلاميين”، لكنها في الحقيقة كانت تخشى أي نموذج ديمقراطي قد يُنذر بعدواه في جوارها الجغرافي. ووفقًا لتقارير نشرتها “ميدل إيست آي” و”نيويورك تايمز”، فقد قدمت الرياض دعمًا سياسيًا وإعلاميًا كبيرًا لحفتر، ضمن مشروع إقليمي يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة تحت قبضة الأنظمة الأمنية والعسكرية.

وفي لبنان، ظهر الوجه الآخر لهذه السياسة، حين استدعت السعودية رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في عام 2017، وأجبرته على إعلان استقالته من داخل الرياض، في حادثة مهينة للسيادة اللبنانية، أثارت استنكارًا دوليًا واسعًا، وكشفت إلى أي مدى بلغ التدخل السعودي في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

هذه الشواهد المتكررة، من القاهرة إلى تونس، ومن طرابلس إلى الخرطوم وبيروت، تكشف بوضوح أن معاداة السعودية للنظم الجمهورية والديمقراطية ليست سلوكًا عابرًا، بل سياسة ممنهجة تستهدف كل محاولة للتغيير الحقيقي في العالم العربي. وهذا ما يجعلها الخطر الأكبر على أي مشروع نهضوي عربي، خصوصًا إذا كان قائمًا على إرادة الشعوب ومفهوم السيادة الوطنية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد محسن الجوهري

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version