الرئيسية زوايا وآراء بلغة الأرقام والميدان: أميركا فشلت في ردع اليمن خلال 6 أسابيع من...

بلغة الأرقام والميدان: أميركا فشلت في ردع اليمن خلال 6 أسابيع من العدوان

إدارة ترامب التي حدّدت -بناءً على وهم القوة والردع – هامشاً زمنياً ضيّقاً لحملتها العدوانية على اليمن، قد لا تتجاوز “أسابيع”، باتت اليوم بعد مرور أربعين يوماً، مطوّقة أكثر من أي وقت مضى.

في خطاب الخميس الأسبوعي، كشف قائد أنصار الله  عن ست عشرة عملية عسكرية نفذتها القوات المسلحة اليمنية خلال الأسبوع المنصرم، سبع باتجاه عمق العدو الإسرائيلي آخرها حتى كتابة هذا المقال، عمليتان باتجاه يافا وحيفا المحتلتين، توازيها تسع عمليات اشتباك استمر بعضها لساعات بين القوات اليمنية وقوات البحرية الأميركية ممثلة بحاملتَي الطائرات “هاري ترومان” و”كارل فينسون” والقطع الحربية المرافقة لهما، وكشف ساخراً أن حاملة الطائرات “فينسون” التي وصلت مؤخراً إلى أقاصي البحر العربي، باتت تتدرب على الهرب”.

وكان قائد أنصار الله قد كشف في خطاب الخميس قبل الماضي أي بعد مرور شهر على العدوان الأميركي عن 78 عملية نفذتها القوات المسلحة اليمنية باتجاه العمق الفلسطيني المحتل، وضمن التصدي للعدوان الأميركي في البحر، وبهذا نكون أمام 94 عملية عسكرية يمنية في البحر وعمق العدو الإسرائيلي، بمعدل يتراوح بين عمليتين إلى ثلاث كل يوم.

هذه العمليات ليست مجرد أرقام استعراضية، إذ إن هذه الحصيلة تحمل كثيراً من المعاني والدلالات والرسائل على مستويات عدة، وتجيب عن كثير من التساؤلات في ما يخصّ القدرات، والإرادة والقرار على المستوى اليمني. وفي المقابل، عن جدوى حملة الضغوط الأميركية العدوانية القصوى التي تجاوزت 1200 غارة وقصف بحري على المستوى العسكري، إضافة إلى ما سبق من قرارات سياسية كيدية بالتصنيف بالإرهاب، وما صاحبها من عقوبات اقتصادية، وعقاب جماعي للشعب اليمني وآخرها استهداف ميناء رأس عيسى النفطي الذي يمثل شرياناً حيوياً لأكثر من 80% من سكان اليمن يتجاوز عددهم 30 مليون نسمة.

كيف استطاع اليمن الصمود والتصدي للعدوان الأميركي؟

على المستوى الوطني، فإن استمرار العمليات اليمنية في التصدي للعدوان الأميركي المساند لـ “إسرائيل” واستمرارها أيضاً في إسناد غزة وبهذا التصاعد الملحوظ ( 94 عملية خلال 40 يوماً) يعكس حكمة القيادة في إدارة المعركة، وإدارة القدرات، وتجسد صلابة استثنائية في المضي في قرار الإسناد لغزة والتصدي للعدوان الأميركي مهما بلغت التحديات ومن دون تراجع، وهذا الأمر يمثل ترجمة عملية لما سبق، وأكد عليه قائد أنصار الله والرئيس مهدي المشاط، والقوات المسلحة اليمنية في أكثر من خطاب وبيان بأنه “لا يمكن التراجع قيد أنملة” و “وقف العمليات اليمنية”، ما لم يتوقف العدوان والحصار على غزة، هذا أولاً.

ثانياً، على مستوى القدرات والتطوير: إن تصاعد العمليات اليمنية الإسنادية والدفاعية في البر والبحر والجو، يؤكد حقيقة أن القدرات اليمنية لم تتضرر نتيجة الضربات الأميركية المكثفة في جولتها العدوانية الثانية كما لم تتضرر في الجولة العدوانية الأولى، بدليل أن العمليات اليمنية نفذت بأكثر من 205  ما بين صاروخ فرط صوتي وباليستي ومجنّح وطائرة مسيّرة، خلال أربعين يوماً فقط حتى تاريخ كتابة هذا المقال وفق أرقام رسمية قدمها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي الخميس الماضي وقبل الماضي، هذا الرقم يؤكد أن المخزون الاستراتيجي لليمن لم يتأثر، وأن قدراته لا تزال بألف خير، ويعني في المقابل فشل الأميركي في الحدّ من قدرات اليمن أو التأثير عليها.

إن استمرار العدوان الأميركي وطول أمده يمكّن اليمن من تطوير قدراته أكثر، وامتلاك تقنيات أسلحة أكثر تطوراً ودقة، وسبق أن كشف الرئيس مهدي المشاط خلال الاجتماع الاستثنائي لمجلس الدفاع الوطني أن القوات المسلحة استطاعت في ظرف قياسي أن تتجاوز منظومة الاعتراض الأميركية “الكهرومغناطيسية” التي كانت واشنطن تخوّف بها الصين وروسيا، وبالفعل وصلت صواريخ اليمن مجدداً إلى حيفا المحتلة في خطوة شكّلت مفاجأة للكيان الصهيوني، وتم تحييد “ترومان” منذ بداية المعركة، وبات اليمن يملك قدرة الكشف عن “طائرة B2” الأميركية.  وتمكنت الدفاعات الجوية من إسقاط 7 طائرات MQ9 في عهد ترامب، وتكبيد البنتاغون خسارة تقدر بـ 210 ملايين دولار، وهي أكبر خسارة له في الحملة العدوانية وفق وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية، مضاف إليها 14 طائرة استطلاع مسلحة خلال الجولة العدوانية السابقة في فترة بايدن، ليبلغ العدد الإجمالي لطائرات MQ9 التي أسقطها اليمن 22 طائرة، وهذه الحصيلة تعد سابقة لا نظير لها في تاريخ الحروب وباعتراف خبراء ومحللين أميركيين.

الأمر الثالث: أثبتت القدرات اليمنية قدرة عالية على التكيف مع كل موجات العدوان، وتفادي الخسائر لتكون في الحدود الدنيا، وأثبتت أيضاً قدرة عالية على التكتيك، والتطوير والإبداع.

الأمر الرابع، أظهر الشعب اليمني بخروجه المليوني كل أسبوع وصموده الأسطوري، قدرة عالية على التكيف والصمود، وتجاوز الصدمة والضغوط العسكرية والاقتصادية وغيرها، وتبخرت أمام وعيه وبصيرته وصلابته كل حملات الترويع والتخويف والتضليل، ومثل عاملاً مهماً في نجاح المعركة على مدى عشر سنوات، منذ 2015 وإلى اليوم ونحن في العام 2025، ومن يكذب هذه الحقيقة عليه أن يتابع تصريحات المتظاهرين على امتداد الساحة الوطنية، وتصريحات جرحى العدوان الأميركي، وأقارب الشهداء عقب كل جريمة يرتكبها العدو الأميركي، ليدرك أن العدوان لا يزيد الشعب إلا سخطاً وكراهية لأميركا، وإصراراً على مواجهتها، والتفافاً حول القيادة والقوات المسلحة.

ما الذي حققته إدارة ترامب؟

من الواضح أن أميركا واصلت عدوانها من الجو والبحر خلال ستة أسابيع، لكنها لم تحقق أهدافها ولا تزال تبدد أموال دافعي الضرائب وتحرق أوراقها وسمعة سلاحها، في معركة إسنادها لـ “إسرائيل”، ومن دون أي مقابل. وهنا، من المهم أن نلفت إلى خسائرها على المستوى المالي، إذ لامست، وفق تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، 2 مليار دولار، وباتت واشنطن وفقاً للصحيفة نفسها أمام خيارات صعبة بين الاستمرار في نزيف الخسائر من دون طائل، وبين الانسحاب وبالتالي الهزيمة. وباعتقادي أن النتيجة ستكون الهزيمة في كلا الخيارين، مع أن الانسحاب أفضل لناحية أنه سيوفر على واشنطن نزيف مزيد من الخسائر بلا طائل، خصوصاً أنها تقاتل بالنيابة عن “إسرائيل” من دون مقابل.

المسألة الثانية، أن إدارة ترامب أمام مأزق قانوني، ذلك أنها تجاوزت القانون والدستور الأميركي وذهبت في قرار العدوان على اليمن وإسناد “إسرائيل” من الرجوع إلى المؤسسات التشريعية في أميركا، وباتت تحت المساءلة القانونية ورسالة ترامب إلى الكونغرس مؤخراً تعكس هذا المأزق، وسيسأل عن الأموال التي بددتها في حرب بلا جدوى، وحرب لم يكن لها أي مبرر، ولم يكن هناك أي تهديد يمني لمصالح أميركا لولا أنها اعتدت على اليمن، وحاولت منع موقفه الأخلاقي لوقف الإبادة والتجويع في غزة.

المسألة الرابعة، أن الإدارة الأميركية تعيش حالة من الفشل والتخبط، وبات كثير من المراقبين يجمعون على فشلها في تحقيق الأهداف والعناوين التي رفعتها إدارة ترامب، ويتأكد لغالبيتهم بمن فيهم أميركيون، أن الحملة العدوانية جاءت في الأساس استجابة لأزمة ملاحة العدو الإسرائيلي في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، واستجابة لنداء استغاثة إسرائيلية، خصوصاً أن الحملة منذ البداية تزامنت بعد أن قرر اليمن استئناف حظر الملاحة الإسرائيلية عبر منطقة العمليات المعلنة، رداً على الجولة التصعيدية الثانية للعدو الإسرائيلي على قطاع غزة بدعم وضوء أخضر من إدارة ترامب.

كما أن إدارة ترامب التي حددت -بناء على وهم القوة والردع – هامشاً زمنياً ضيقاً لحملتها العدوانية على اليمن، قد لا يتجاوز “أسابيع”، باتت اليوم بعد مرور أربعين يوماً، مطوّقة أكثر من أي وقت مضى بأسئلة ومساءلات صحفية وقانونية ملحّة ومحرجة عن أسباب العدوان على اليمن، وشرعية وقانونية اتخاذ قرار الحرب على اليمن، وأفقه ونتائجه؟ حتى إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كثير من لقاءاته العلنية وتصريحاته لم يعد يتطرق إلى اليمن، لأنه يملك إجابة مقنعة وصورة نصر يمكن تقديمها للرأي العام الأميركي.

وفيما يستمر العدوان الأميركي على اليمن، تتصاعد الخسائر ونفقات الحرب المرتبطة بتشغيل وتحريك حاملات الطائرات من المحيط الهادئ، وإرسال قاذفات الـ B2 الاستراتيجية من المحيط الهندي، وإطلاق صواريخ الاعتراض التي تتراوح كلفتها بين 1-4 مليون دولار، وخسارة 7 طائرات MQ9  بقيمة 210 ملايين دولار. وبموازاة هذه الخسائر، تتعاظم المخاوف من استنزاف ذخائر البنتاغون الاستراتيجية عالية الكلفة، قليلة المخزون، قد تحتاجها واشنطن في أي حرب مقبلة مع الصين.

ترامب نفسه في تناقض عجيب على المستوى الشخصي، ففيما يدّعي أنه “رجل سلام” ويسعى للحصول على “جائزة نوبل للسلام”، فإنه يدعم ويشجع العدو الإسرائيلي على مواصلة جرائم الإبادة والتجويع في غزة، ويعلن عدواناً غاشماً وغير مبرر على اليمن على خلفية الموقف اليمني الإنساني الأخلاقي المساند لغزة والمطالب بوقف الحصار والتجويع وجرائم الإبادة والتهجير لسكانها. إن سلوك ترامب في دعم الإبادة الصهيونية لسكان غزة، وعدوانه على اليمن يثبت أن “تصريحاته جوفاء”، كما عبّر عن ذلك عدد من أعضاء مجلس الشيوخ في رسالتهم إلى وزير الحرب هيغسث يطالبون بإيضاحات عن عشرات المدنيين أزهقت أرواحهم في العدوان الأميركي على اليمن.

ما لا يمكن إنكاره من الإنجازات الأميركية في الحملة العدوانية على اليمن، أنها ضاعفت رصيدها الإجرامي الحافل، بقتلها عمال ميناء رأس عيسى ومسعفيهم، واستهدافها ميناءً مدنياً يمثل مصالح الشعب اليمني، واستهدفت سوقاً شعبية في العاصمة صنعاء، وأحياء سكنية وأعياناً مدنية، ووسعت بجرائمها دائرة السخط على امتداد الجغرافيا اليمنية. وفي المحصلة،  لن تجني أكثر مما جنته إدارة بايدن التي عيرتها بالفشل، وعلى أميركا بدلاً من الضغط العدواني والعبثي على اليمن، أن تضغط على “إسرائيل” ومفتاح الحل في غزة، بوقف العدوان ورفع الحصار عنها، وإلا فإن العمليات اليمنية في إسناد غزة والتصدي للعدوان الأميركي لن تتوقف، وهذا موقف اليمنيين، قيادة وشعباً وقوات مسلحة، ولا تراجع عنه مهما بلغ العدوان وطال أمده.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

علي ظافر

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version