في مشهد يعكس استمرار سياسات القمع والعدوان، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي تصعيدها العسكري ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، بينما تعمل السعودية والإمارات بالتنسيق مع إسرائيل على إجهاض الجهود الرامية لإعادة إعمار غزة. هذه السياسات المتوازية تكشف عن تحالف ضمني يهدف إلى إذلال الشعب الفلسطيني وتجويعه، في ظل صمت دولي مريب.
وشهدت الضفة الغربية خلال الأيام الأخيرة عمليات هدم واسعة لمنازل الفلسطينيين، حيث استهدفت قوات الاحتلال منازل الأسرى والشهداء في خطوة تهدف إلى إذلال عائلاتهم ومعاقبتهم جماعياً. فقد هدمت قوات الاحتلال منزل الأسير هايل ضيف الله في بلدة رافات شمال غربي القدس، وأخطرت بهدم 17 منزلاً إضافياً في مخيم نور شمس شرق طولكرم، في إطار حملة عدوانية متواصلة منذ أسابيع.
كما قامت بنسف منزلي الشهيد محمد مسك والأسير أحمد الهيموني في مدينة الخليل، بعد أن أجبرت السكان على المغادرة وزرعت المتفجرات داخل المنزلين. ولم تتوقف الانتهاكات عند هذا الحد، بل استهدفت قوات الاحتلال الصحفيين الذين حاولوا توثيق هذه الجرائم، مما يعكس سياسة ممنهجة لإخفاء الحقيقة.
في الوقت نفسه، تسعى السعودية والإمارات إلى تعطيل الجهود المصرية لإعادة إعمار غزة، التي دُمِّرت بشكل شبه كامل جراء العدوان الإسرائيلي الأخير. وكشف مستشار رئيس الإمارات، عبد الخالق عبدالله، عن موقف بلاده الرافض لتمويل خطة الإعمار التي تقدر تكلفتها بنحو 53 مليار دولار، متسائلاً بسخرية: “من سيدفع المبلغ؟”. هذا الموقف يأتي في سياق خلافات خليجية-مصرية حول القمة العربية الطارئة بشأن غزة، والتي استضافتها القاهرة مؤخراً.
وكشفت تسريبات استخباراتية سعودية عن اشتراط دول الخليج تبني الخطة المصرية المقترحة للإعمار مقابل تنفيذها، وهو ما رفضته مصر بشدة. وتزامن ذلك مع تقليص السعودية والإمارات تمثيلهما في القمة العربية إلى مستوى وزير الخارجية، في رسالة واضحة تعكس انعدام الثقة بين القاهرة وهذه الدول.
واستبقت الرياض القمة العربية بلقاء طارئ ضم قادة دول الخليج ومصر والأردن، لكن البيان الختامي لهذا اللقاء أبرز الخلافات العميقة حول الخطة المصرية، مما يشير إلى دور سعودي-إماراتي في تعطيل أي جهود جادة لإعادة الحياة إلى غزة.
يكشف هذا التوافق بين السعودية والإمارات وإسرائيل عن استراتيجية مشتركة تستهدف الشعب الفلسطيني، سواء عبر استمرار العدوان العسكري المباشر أو من خلال حرمانه من فرصة إعادة الإعمار والحياة الكريمة. ويبدو أن هذه الدول تضع شروطاً تعجيزية، مثل نزع سلاح المقاومة وتهجير الفلسطينيين، كأداة ضغط لمنع تنفيذ أي خطط إنسانية أو تنمية حقيقية في المناطق الفلسطينية.
في ظل هذه السياسات، يتعرض الشعب الفلسطيني لحصار مزدوج: حصار عسكري مباشر من الاحتلال الإسرائيلي، وحصار سياسي واقتصادي من قبل دول الخليج التي تتنصل من مسؤولياتها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية.
وبينما تتزايد معاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، يظهر بوضوح أن هذا المحور الثلاثي يعمل على تكريس الواقع المرير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، في تحدٍ صارخ لكل القيم الإنسانية والأخلاقية.