في تطور لافت يعكس عمق العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، وصلت شحنة من القنابل الأميركية الثقيلة إلى “تل أبيب” خلال الليلة الماضية، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى الدولة العبرية.
وتأتي هذه الزيارة في سياق دعم واشنطن المستمر لتل أبيب، تحمل دلالات سياسية وأمنية هامة في ظل التصعيد المستمر في المنطقة.
ووفق بيان رسمي صادر عن وزارة الدفاع الإسرائيلية، تم تسلم وتفريغ شحنة من القنابل الجوية الثقيلة “إم كيه (مارك) 84″، وهي جزء من صفقة أسلحة أميركية ضخمة تمت الموافقة عليها في فبراير الماضي بقيمة 7.4 مليار دولار.
هذه الصفقة، التي تشمل قنابل وصواريخ ومعدات متقدمة، تعكس استمرار الدعم الأميركي غير المشروط للاحتلال الإسرائيلي، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة مع الفلسطينيين وقوى المقاومة في المنطقة.
قنابل “إم كيه (مارك) 84″، التي تعد الأكبر والأثقل في سلسلة قنابل “Mk-80” التابعة للجيش الأميركي، تتميز بقدرتها الفائقة على تدمير البنية التحتية المحصنة، بما في ذلك المخابئ والمنشآت العسكرية. وزن القنبلة يصل إلى 907 كيلوجرامات، وتحمل نحو 429 كيلوجراماً من المواد التفجيرية، مما يجعلها واحدة من أكثر الأسلحة تدميراً في العالم. وتقدر الأمم المتحدة أن الضغط الناتج عن انفجارها يمكن أن يؤدي إلى إصابات خطيرة وحتى الوفاة على بعد مئات الأمتار من موقع الانفجار.
استخدام القنابل: انتهاكات حقوقية وإنسانية
على الأرض، تشير الوقائع إلى استخدام الاحتلال الإسرائيلي لهذه القنابل في عملياته العسكرية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وكذلك ضد حزب الله في لبنان. فقد استخدمت هذه القنابل في قصف خيام النازحين في مخيم خان يونس بتاريخ 13 يوليو 2024، ما أسفر عن مجزرة راح ضحيتها العشرات من المدنيين الفلسطينيين. كما كشفت دراسة نشرت في مجلة “بي إل أو إس غلوبال بابليك هيلث” أن الجيش الإسرائيلي ألقى قنابل تزن ألفي رطل بالقرب من جميع مستشفيات غزة خلال الأسابيع الأولى من الحرب الأخيرة على القطاع.
وفي سياق آخر، أعلن مسؤولون أميركيون أن الاحتلال الإسرائيلي استخدم هذه القنابل في حربه ضد حزب الله في لبنان، حيث تم استهداف الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في 27 سبتمبر 2024. هذا الاستخدام يعكس استراتيجية ممنهجة تستهدف زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتؤكد على دور واشنطن في تسهيل هذه العمليات من خلال توفير الأسلحة المتقدمة.
التداعيات السياسية والإنسانية
الدعم العسكري الأميركي المستمر للاحتلال الإسرائيلي لا يُظهر فقط تواطؤ الإدارة الأميركية مع جرائم الحرب المرتكبة ضد الشعوب، بل يعزز أيضاً من حالة الاحتقان والتوتر في الشرق الأوسط. هذا الدعم يثير تساؤلات حول مدى التزام الولايات المتحدة بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان.
من جهة أخرى، فإن تصاعد الهجمات باستخدام هذه الأسلحة المدمرة يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني واللبناني، ويؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية في المنطقة. فضلاً عن ذلك، فإن هذه السياسات تغذي مشاعر الغضب والاستياء لدى شعوب المنطقة، مما قد يؤدي إلى تصعيد جديد في دائرة العنف والصراع.
رسائل مستقبلية
زيارة ماركو روبيو إلى “تل أبيب” ووصول شحنة القنابل الأميركية الثقيلة تُعتبر رسائل واضحة موجهة إلى كافة الأطراف في المنطقة. الرسالة الأولى هي تأكيد واشنطن على استمرار دعمها الكامل للاحتلال الإسرائيلي، سواء على المستوى السياسي أو العسكري. أما الرسالة الثانية فهي تهديد ضمني لكل من يعارض السياسات الإسرائيلية، بأن الولايات المتحدة ستظل الدرع الواقي لدولة الاحتلال في وجه أي تحركات دولية لإدانة جرائمها.
في ظل هذه التطورات، يتضح أن السياسات الأميركية تجاه الشرق الأوسط لا تزال تفتقر إلى أي رؤية شاملة لتحقيق السلام والاستقرار. وبدلاً من ذلك، يتم التركيز على تعزيز التحالفات العسكرية وتسليح الأطراف المتحاربة، مما يساهم في استمرار دائرة العنف والمعاناة الإنسانية. وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في مواجهة هذه السياسات، ودفع الأطراف المعنية نحو حلول سياسية شاملة تضع حداً للمآسي المستمرة في المنطقة.