الرئيسية أخبار وتقارير المشهد الصحافي صفقة تلوّح بنهاية الحرب على غزة: ملاحظات أولية حول الحالة الاسرائيلية

صفقة تلوّح بنهاية الحرب على غزة: ملاحظات أولية حول الحالة الاسرائيلية

• يعود الى الاجواء المصطلح الدارج في الاخفاقات السياسية الاسرائيلية والذي يطلق عليه “شحذ السكاكين”، في اشارة الى الاستعداد للصراع داخل المعسكر السياسي الواحد. وإن كان المجتمع الاسرائيلي منذ بداية الحكومة الحالية 12/2022 وحصريا منذ السابع من اكتوبر 2023 قد شهد تصدعا عنيفا هدد لحمته الداخلية ودفع لتفتيتها على شكل انشطار لكتلتين سياسيتين مؤيدة ومعارضة لنتنياهو وائتلافه الحالكم، فإن الصفقة الحالية تشكل تصدعا عنيفا داخل كتلة اليمين الحاكم مما يهدد استمرار حكمها. كما ويزيده عمقا هو الصراع داخل الاحزاب التي تمثله خاصةً حزبي الصهيونية الدينية التي بدأت ملامح انقسامات فيها.

• مقابل الرضى الواسع في الرأي العام الاسرائيلي من ابرام الصفقة، فإن اليمين في صدمة كبرى وفي حالة عدم استيعاب الفجوة بين الخطاب السياسي على مدار خمسة عسر شهرا ترددت فيها شعارات الانتصار الساحق والقضاء على حماس والانتصار على بعد خطوة والتجويع والتعطيش وحتى القاء قنبلة ذرية على غزة، وبين الصفقة.

• لقد عاش اقصى اليمين حلم الاستيطان في شمال غزة لتصحيح صدمته من العام 2005 حين تم الانسحاب من القطاع وحاليا أعدّ المخططات لذلك بعد تصفيته من اخر فلسطيني كما وأعد العدة للاستيطان في جنوب لبنان، لينكسر حلمه ويصطدم بالواقع الذي اتسعت فيه مساحات الاحتلال الاسرائيلي لكنها خسرت الحرب استراتيجياً ليسود اليمين جوّ من الهزيمة بدلا من “النصر على بعد خطوة”؛ الهزيمة بمجرد الصفقة والهزيمة لمشروعه الكبير وعلى الاقل مرحليا. وهو ما لا بد من ان يلقي بظلاله على حلم ضم الضفة الغربية وتهجير اهلها وفقا لخطة الحسم. وهو ما يشير الى ان فائض الرهان على ترامب، وفائض الشعور بالنشوة، يحل مكانه القلق الكبير على الحلم اليميني الاسرائيلي الاستيطاني التوسعي.

• لا يجوز الركون فلسطينياً الى مجرد انكسار حلم اليمين وتعثر مشاريعه او أنه سيسلّم بالامر الواقع، فهو القوة السياسية الأعنف والاكثر دموية في المجتمع الاسرائيلي ، وللتذكير حين شعر بانكسار حلمه بأرض اسرائيل الكبرى بعد اتفاقات اوسلو قام احد ناشطيه الطبيب العسكري باروخغولدشتاين بارتكاب مجزة الحرم الابراهيمي في شباط/فبراير 1994، ومن ثم قام يغئال عمير وعلى وقع التحريض الممنهج باغتيال رئيس الحكومة رابين. وقد سعى الاثنان الى وقف المسار. بناء عليه يتطلب الحال الحذر الشديد والترقب من قيام اقصى اليمين بعمليات ارهابية كبرى تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس والداخل.

• الصفقة بصيغتها النهائية وبالخطابات الامريكية والمصرية والقطرية والموقف الدولي تشير مجتمعة الى انها بمنزلة انهاء الحرب على غزة والانسحاب الاسرائيلي منها في نهاية المطاف، وإخفاق المشروع في فك مصير الضفة وقطاع غزة، والذي يسعى من ورائه نتنياهو وحكومته الى منع قيام دولة فلسطينية، بينما باتت قضية فلسطين والدولة في وضعية عربية وعالمية متصدرة لا ترتهن الى توازن القوى الاسرائيلي الفلسطيني غير القائم بتاتا بل الى القرار الدولي والسعي الى حلها دوليا كما الصفقة الحالية جاء حلها عربيا ودوليا كإطار في نهاية المطاف.

• بانجاز مراحل الصفقة سيكون من الصعوبة بمكان توقع ان اسرائيل ستعود الى الحرب الابادية المكثفة. بإضافة الى الضمانات الدولية وحصريا الامريكية، فإن الواقع الاسرائيلي ليس محفزا لتجديدها وهو ما تعكسه أثمان الحرب البشرية والاقتصادية والمعنوية، وكذلك حالة الاستنزاف للمجتمع وللجيش، ثم ان اسرائيل كما يبدو تدخل في مرحلة المحاسبة الكبرى على الحرب وباتجاه تعيين لجنة تحقيق ستعمق الاضطراب الداخلي والتشكيك في اهداف الحرب التي تبدو لاوساط واسعة بأنها حرب من اجل الحرب، وبأن الصفقة الحالية كان ممكن ابرامها قبل نصف عام بينما الاصرار على استمرارها وتكثيفها جعلها اكثر فتكا بالفلسطينيين لكن مقابل ثمن اسرائيلي استراتيجي باهظ ميدانيا ومعنويا محليا ودوليا.

• يبدو ان ادارة ترامب ستواصل التزامها شبه المطلق لاسرائيل كما كل ادارة، الا انها ليس بالضرورة ان تكون عونا وسندا لنتنياهو بل ترى انه لا يستطيع من دون ائتلافه الحالي بينما هذا الائتلاف يعوّق على الاستراتيجيات الامريكية في المنطقة وعالميا، ومن المرجح ان تساند نفتالي بينيت في العودة للحكم وهو المعني باستراتيجية “تقليص الصراع” مقابل نتنياهو المعني بحسمه وشطب قضية فلسطين، كما ان القوى التمويلية لصالح ترامب اقصى اليمين اليهودي الامريكي معنية بنفتالي بنيت وباسقاط نتنياهو، وحصريا صاحبة صحيفة يسرائيل هايوم المليارديرية مريم ادلسون.

• من المحتمل ان تحتد الصراعات داخل حزبي الصهيونية الدينية ضد سموتريتش وبن غفير، وكذلك ان تتسع حلقة التوتر داخل الليكود الحاكم استعدادا لمرحلة ما بعد نتنياهو الذي يبث رسالة ضعف وعدم القدرة على مواصلة القيادة. وهذا التوجه قد يحظى بدوره من اسناد من ادارة ترامب.

• تبدو الساحة السياسية الاسرائيلية مقبلة على تحولات عميقة وكبرى، وستقف امام الخيار اما استمرار الحروب مقابل الخسارة الاستراتيجية المتراكمة اقليميا ودوليا، او امام خيار الدولة الفلسطينية لانقاذ نفسها من شفا الهاوية التي باتت فيها كما يصفها الباحث يحزقيل درور.

ــــــــــــــــــــــــــ
أمير مخول

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version