أفرزت ثورة الـ21 من سبتمبر المجيدة، تحولات حقيقية في مسار النهوض بالقطاع الزراعي في البلاد، لتحقيق الاكتفاء الذاتي واستقلال القرار الاقتصادي.
جاءت هذه الثورة لتصنع تحولاً في حياة الشعب اليمني بعد عقود من التبعية والارتهان لقوى الهيمنة والفساد، التي بددت ثروات البلد ودمرت قطاعاته الاقتصادية وتجسد ذلك التحول في الانطلاقة التي شهدها القطاع الزراعي منذ السنوات الأولى للثورة.
وحرصت القيادة الثورية على تبني موجهات أساسية اعتمدتها الحكومة وترجمتها في خطط واستراتيجيات هادفة لمضاعفة الإنتاج وإحداث نهضة زراعية شاملة تكفل توفير احتياجات الشعب اليمني من الغذاء.
ونتيجة لتلك التوجهات الحكيمة فقد تحوّل الاكتفاء الذاتي إلى هدف استراتيجي تصدّر البرامج الوطنية للإنعاش والتعافي الاقتصادي، التي أطلقها المجلس السياسي الأعلى للتغلب على الآثار الاقتصادية التي خلفها العدوان والحصار وبما من شأنه الحد من استيراد الحبوب والمنتجات الزراعية من الخارج.
استهدافٌ شامل:
عانى القطاع الزراعي على مدى عقود من الزمن من الاستهداف الممنهج ما جعله مشلولاً وعاجزاً عن تلبية احتياجات المواطنين من المنتجات الغذائية، وكانت ثقافة الاستهلاك والترويج للمنتجات الخارجية هي السائدة.
وظل الاستهداف لهذا القطاع سائداً حتى جاءت ثورة الـ 21 من سبتمبر التي توجت بخطى حثيثة رسمت مسار التحول في السياسة الزراعية ووضعت مداميك البنية التحتية للنهوض بهذا القطاع كأحد أهم القطاعات الاقتصادية لتحقيق الأمن الغذائي للشعب اليمني.
قيادة حكيمة ورؤية صائبة:
التحرر من التبعية الاقتصادية والارتهان للخارج لا يمكن تحقيقه إلَّا بالنهوض بالقطاع الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي، وهو ما تؤكد عليه القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى باعتبار ذلك من أهم أهداف ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر.
ولتحقيق هذا الهدف تضافرت الجهود الرسمية والشعبية للتوعية بأهمية التوجه نحو الزراعة والاستفادة من مياه الأمطار وزيادة الإنتاج من مختلف المحاصيل الزراعية وخاصة الحبوب وغيرها من المحاصيل المرتبطة بالأمن الغذائي، بما يحقق للوطن امتلاك قراره السيادي بعيدا عن الإملاءات الخارجية.
هدف استراتيجي:
تعرض القطاع الزراعي خلال العقود الماضية للتهميش والتدمير الممنهج، وتحول اليمن من بلد مكتفٍ ذاتياً إلى بلد يستورد أكثر من 95 بالمائة من احتياجاته الغذائية، لكن هذا الحال لم يستمر بعد ثورة 21 سبتمبر حيث أعادت للقطاع الزراعي مكانته وأصبح الاكتفاء الذاتي أحد أهدافها الاستراتيجية.
وفي هذا السياق أوضح وزير الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية الدكتور رضوان الرباعي، أن 21 سبتمبر ثورة شعبية تحررية انبثقت من معاناة الشعب اليمني، وهو من رسم مسارها، وحدد أهدافها، وتميزت عن غيرها من الثورات بأنها يمنية خالصة لم تتدخل فيها أي أجندة خارجية، وانطلقت من الهوية الإيمانية للشعب اليمني لتحقيق الحرية والاستقلال والتخلص من الوصاية والهيمنة للقوى الخارجية.
وأشار إلى أن تحقيق الاكتفاء الذاتي أحد أهداف الثورة الفتية، الذي تجسد من خلال التوجه الجاد للنهوض بالقطاع الزراعي الذي حظي باهتمام ومتابعة من القيادة الثورية وجاء في سلّم أولوياتها.
ونوه الدكتور الرباعي بدور كافة منسوبي القطاع الزراعي وصمودهم في أداء واجباتهم ومهامهم، رغم الحصار والعدوان الذي سعى إلى تدمير القطاع الزراعي وتسبب في تدمير بنيته التحتية وإلحاق أضرار وخسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة تجاوزت مبلغ 142 مليار دولار.
وأشار إلى أنه تحققت إنجازات كبيرة بفضل موجهات قائد الثورة وصمود أبناء الشعب اليمني، الذين شمروا عن سواعدهم واتجهوا نحو تنفيذ المبادرات وفق منهجية المشاركة المجتمعية والمساندة الحكومية والاستفادة من الموارد المتاحة.
مبادرات مجتمعية:
وأكد الوزير الرباعي أنه وتنفيذا للموجهات الحكيمة للقيادة وبالتنسيق مع شركاء التنمية الريفية وفي مقدمتهم مؤسسة بنيان التنموية والاتحاد التعاوني الزراعي والجمعيات والسلطات المحلية تم تأهيل ما يزيد عن 20 ألف مبادرة مجتمعية والتي تعد إحدى ثمار ثورة 21 سبتمبر، كما تم تنفيذ العديد من المبادرات من قبل المتطوعين على مستوى القرى إلى جانب فئات المجتمع ومكوناته في مختلف المجالات ومنها الجانب الزراعي.
وأفاد بأن المبادرات المجتمعية كثيرة ومتنوعة ولم تقتصر على الجانب الزراعي فقط وإنما هناك مبادرات تنموية أخرى شملت مجالات الطرق والمدارس والمراكز الصحية والري، حيث تجاوزت قيمة ما تم تنفيذه من المبادرات والمشاريع الزراعية منذ انطلاقة الثورة وحتى العام 2023م، أكثر من ستين مليار ريال.
زراعة الحبوب والقمح:
شهد الوطن خلال العقود الماضية استهدافاً ممنهجاً لخارطة المحاصيل، وتحول من زراعة المحاصيل الأساسية إلى زراعة محاصيل أقل أهمية.
وبحسب تقرير صادر عن وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية فإن إجمالي ما يتم استيراده من القمح الخارجي يصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين طن.
وتمكن الوطن منذ انطلاق ثورة 21 سبتمبر من تحقيق الاكتفاء الذاتي في محاصيل الذرة الرفيعة، والدخن التي تم إيقاف استيرادها، وهناك توجه للتركيز على زراعة القمح كأولوية تنفيذاً لموجهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، التي تحث على الاهتمام بالمحاصيل المرتبطة بالأمن الغذائي والقومي للبلد.
وتتواصل الجهود لاستغلال المقومات الزراعية التي تمتلكها البلاد، للتوسع في زراعة القمح في المرتفعات الوسطى والشمالية وفي المناطق الشرقية لزيادة الإنتاجية من هذا المحصول المهم.
وأوضح الدكتور الرباعي أنه سيتم التركيز على تشجيع زراعة القمح كزراعة مطرية، وهذا التوجه إحدى ثمار ثورة 21 سبتمبر، التي حطمت القيود التي كان يفرضها البنك الدولي والمنظمات الخارجية ضمن مؤامرة خارجية استهدفت القطاع الزراعي ومصادر الأمن الغذائي في محاولة بائسة لجعل البلد مستعمر غذائيا.
وبين أن الثورة كشفت مؤامرات البنك الدولي والمنظمات الخارجية التي كانت تنشر تقارير ودراسات وتروج لها بأن اليمن معرض للجفاف ولا يمكن زراعة القمح فيه، وأنها غير مجدية وليست لها جدوى اقتصادية.
وقال وزير الزراعة، “بحمد الله أصبح لدينا توجه لزراعة القمح حتى تحقيق الاكتفاء الذاتي، ولدينا تجارب كثيرة في زراعة القمح في المواسم الشتوية في تهامة وهناك نتائج مبشرة، ونطمح خلال الموسم القادم إلى إيجاد مزارع نموذجية لزراعة القمح في تهامة”..
وأفاد بأن هناك خطط لزراعة القمح والبقوليات في المرتفعات الوسطى والشمالية والمناطق الشرقية، وزراعة الذرة الشامية والبقوليات في تهامة، لسد الفجوة الغذائية من هذه المحاصيل.
الزراعة التعاقدية:
تعتبر الزراعة التعاقدية أحد أهم المشاريع الزراعية التي تم اطلاقها في أغسطس 2020م تنفيذا لتوجيهات قائد الثورة، وحققت وزارة الزراعة نجاحات في هذا الجانب نتيجة وجود وعي مجتمعي بأهمية الزراعة التعاقدية كأحد أنظمة التسويق الحديثة.
ووفقا للمتخصصين في التسويق الزراعي فقد تم تأسيس ثماني شركات للزراعة التعاقدية، كل شركة متخصصة في مجال من المنتجات الزراعية، سواء الحبوب أو البقوليات والمكسرات وبعضها في الدواجن، والأعلاف، وأخرى في المستلزمات الزراعية، وشركة للثروة الحيوانية، وتم حتى العام 2023م إنجاز أكثر من 60 عقداً مع الجمعيات والمنتجين الزراعيين في محصول الذرة الشامية وتم التعاقد على أربعة آلاف و 200 طن.
وفي محصول الثوم تم التعاقد وشراء خمسة آلاف طن، والبقوليات تم التعاقد على ألف و200 طن، والتمور تم الاتفاق مع الوكلاء على شراء ألفين و 500 طن،والزبيب تم شراء 125 طناً، وكذلك في الرمان والتفاح والمانجو.
وبحسب المختصين فإن الزراعة التعاقدية أسهمت في تخفيض فاتورة الاستيراد في بعض المنتجات الزراعية بنسب متفاوتة بعضها زادت عما كان مخطط له مثل الثوم الذي انخفضت فاتورة الاستيراد منه إلى ما نسبته 100%، الزبيب 70 بالمائة، الدواجن 20 بالمائة، التمور 15 بالمائة، وتحويل فاتورة الاستيراد لصالح المزارع اليمني.
الاهتمام بالموارد المائية:
تعد المياه من أهم مقومات الزراعة، ومن هذا المنطلق حرصت الوزارة على الاستفادة من مياه الأمطار وإنشاء العديد من الحواجز بمختلف أنواعها سواءً على المستوى الفردي أو الجماعي أو التعاوني أو المجتمعي.
ووفقا لتقرير صادر عن وزارة الزراعة فإن المنجزات التي تحققت منذ انطلاق ثورة الـ 21 من سبتمبر، توزعت على مسارين: الأول للبناء والثاني طارئ، حيث تم استكمال تقييم المنشآت المائية في سبعين مديرية من حيث الجدوى الاقتصادية منها، وحاجتها لأعمال الصيانة، إلى جانب اقتراح منشآت وحواجز مائية جديدة.
خارطة مائية:
وأكد الدكتور رضوان الرباعي أن هناك خارطة مائية رقمية تتضمن إعداد أدلة ارشادية للريّ للمنشأة المائية في مختلف المديريات، بحيث تساعد هذه الخارطة على تحديد المواقع والمناطق ذات الاحتياج للمشاريع والمنشآت المائية بهدف التركيز على دعمها، باعتبار توفير المياه من أهم العوامل المساهمة في التوسع الزراعي.
وأشار إلى أنه تم إنشاء 91 منشأة مائية ما بين سد وحاجز وكرفان وقناة بمبادرات مجتمعية، بالإضافة إلى 105 منشآت ري تمت المساهمة في تمويلها من وحدة تمويل المشاريع والمبادرات الزراعية بالأمانة والمحافظات، كما تم تأهيل وصيانة وترميم 130منشأة مائية، بمبادرات مجتمعية.
وذكر الرباعي أنه وفي إطار المسار الطارئ تم تنفيذ برنامجي الريّ الطارئ في تهامة والجوف، ووصلت المساحات المروية إلى 126 ألف معاد في تهامة، كما وصلت المياه إلى مناطق حرمت لعقود من الزمن، وهذا المشروع يستهدف ري أكثر من 127 ألفاً و216 هكتارا.
مشروع زراعة الصحراء:
كما تم تنفيذ مشروع زراعة الصحراء في الجوف الذي يعتبر إحدى ثمار برنامج الريّ الطارئ والمتمثل في الدخول في زراعة الأراضي الصالبة والصحراوية للاستفادة من مياه الأمطار والتوسع في زراعة أكبر مساحة ممكنة من الأراضي بالمحاصيل والحبوب المختلفة.
الاهتمام بالثروة الحيوانية:
تعتبر الثروة الحيوانية أحد مصادر الأمن الغذائي في البلاد، وتمثل 23 بالمائة من الناتج العام للقطاع الزراعي، حيث تعتبر مصدر دخل لنسبة كبيرة من الأسر اليمنية، وتكتسب أهميتها نظراً لما تمتاز به من تنوع في منتجاتها.
ويحظى هذا القطاع باهتمام واسع، وهناك توجه للحفاظ على هذه الثروة وتنميتها نظرا لأهميتها الاقتصادية، وذلك من خلال الاهتمام بصحة الثروة الحيوانية عن طريق الإدارة العامة للصحة الحيوانية والحجر البيطري، وتفعيل المختبر المركزي للفحص البيطري، وكذا منع ذبح صغار وإناث الثروة الحيوانية بالتعاون مع المؤسسة العامة للمسالخ وأسواق اللحوم، وتنفيذ حملات التحصين البيطرية للمواشي، إلى جانب العديد من التدخلات لدعم وتنمية هذا القطاع.