يعيش الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي -منذ شن الحرب على غزة- ظروفا حياتية وإنسانية صعبة، إذ وظفت إسرائيل “طوفان الأقصى” وأنظمة الطوارئ، للتفرد بالحركة الأسيرة وسلب منجزاتها والتنكيل بالأسرى وعزلهم عن العالم الخارجي، عبر منع الزيارات العائلية، وحظر حتى اللقاء بالمحامين.
وتحت مظلة حالة الطوارئ، تمارَس بحق الأسرى بسجون الاحتلال الإسرائيلي جرائم ضد الإنسانية، وتدأب مصلحة السجون الإسرائيلية على التشديد ونهج سياسات انتقامية وقمعية بحق الأسرى. ويأتي ذلك بالتوازي مع تصعيد سلطات الاحتلال من الاعتقالات في الضفة الغربية والقدس المحتلتين لتطال نحو 5 آلاف فلسطيني، في وقت يُحتجز المئات من الفلسطينيين الذين اُخْتُطِفُوا من قطاع غزة خلال عملية التوغل البري.
في هذا الحوار مع المحامي والحقوقي خالد محاجنة الناشط في الدفاع عن الحركة الأسيرة من الداخل الفلسطيني، نسلط الضوء على الواقع الأليم للأسرى والتحديات التي يواجهونها بسجون الاحتلال، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ما واقع الحركة الأسيرة بالسجون الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول؟
تشن إسرائيل حربا على الحركة الأسيرة، وتعزل الأسرى عن العالم الخارجي، وتمعن في تعذيبهم، والاعتداء عليهم بالضرب المبرح، والتنكيل، وحرمانهم حتى الزيارات العائلية والملابس والمستلزمات الأساسية، وكذلك منعهم من اللقاء بالمحامين، والإبقاء عليهم على مدار 24 ساعة تقريبا في الزنازين وغرف الأقسام المكتظة ومنعهم من الاستراحة والخروج للساحة.
وقد سحبت من الأسرى كافة منجزاتهم التي حققوها عبر نضال لسنوات وإضرابات، فصودرت كافة الأجهزة الكهربائية منها التلفاز والراديو، وكذلك الكتب والقرآن الكريم، بالإضافة لمصادرة كل ملابس الأسرى وإبقائهم منذ بداية الحرب في نفس الملابس مع غيار واحد فقط لكل أسير.
والتقيت عددا من الأسرى في جلسات المحاكم، فكانوا يشكون سوء الأوضاع الحياتية بالسجون في ظل حرمانهم من أبسط الحقوق والمقومات لاستمرار الحياة، ومنذ بداية الحرب يمنع الأسرى على سبيل المثال من حلاقة الرأس والذقن.
وقد تحدث الأسرى -الذين قابلتهم جميعهم- عن وضع الحقد الذي تتعامل به مصلحة السجون معهم، سواء تكبيلهم بالأصداف الحديدية، والشتائم، وسب الذات الإلهية، والتهديد بالقتل والإعدام، والتفتيش اليومي للغرف، وحرمانهم العلاج، والإهمال المتعمد لحالة الأسرى المرضى الذين يعيشون الموت البطيء.
الجيش الإسرائيلي يزعم اعتقال المئات من غزة بزعم الضلوع في معركة “طوفان الأقصى” تصوير المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عممها للاستعمال الحر والنشر في وسائل الإعلام
كيف هي ظروف الأسرى في غياهب السجون بظل الحرب؟
يعاني الأسرى من ظروف حياتية صعبة، ويواجهون ممارسات قمعية واستفزازية صعبة، منها التعذيب، والضرب المستمر، والتجويع، فوجبة الطعام المخصصة لأسير واحد على سبيل المثال تُقَدَّم إلى 7 أو 10 أسرى، ناهيك عن أن نوعية الطعام سيئة والوجبات رديئة.
ويحرم الأسرى من الشراء من دكان السجن “الكانتين” حيث لا تتوفر أبسط الاحتياجات الأساسية وضمنها الملابس، يضاف إلى ذلك الاكتظاظ بالغرف وأقسام السجون المختلفة، والكثير من الأسرى يفترشون الأرض عند النوم.
وتعتمد إدارة السجون استفزاز الأسرى عبر إسماع النشيد الوطني الإسرائيلي “هتيكفا” عبر مكبرات الصوت، بهدف النيل من معنويات الأسرى وكسر إرادتهم، بينما يُرْفَع العلم الإسرائيلي داخل الأقسام، وعلى مداخل الزنازين.
ما أسباب الإجراءات التنكيلية التي تعتمدها إدارة السجون الإسرائيلية ضد الأسرى؟
نتحدث عن سياسة انتقامية أطلقها وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير منذ توليه منصبه، إذ اُسْتُغِلَّت الحرب على غزة للإمعان في هذه الإجراءات التنكيلية والتمادي بالسياسات القمعية تحت ذريعة حالة الطوارئ.
وأتت الحرب على غزة لمنح بن غفير غطاء لمواصلة الحرب التي بدأ بها ضد الحركة الأسيرة بهدف عزلها عن الشعب الفلسطيني، إذ تأتي هذه الإجراءات رغم تحذيرات سابقة لبعض قادة الأجهزة الأمنية الذين عارضوا منح بن غفير الفرصة للتفرد بالأسرى، خشية اندلاع انتفاضة داخل السجون.
لكن، في ظل انشغال العالم بالحرب على غزة، أصبحت لدى بن غفير الفرصة والمساحة لتنفيذ وممارسة سياسته الوحشية والقمعية التي تهدف إلى الاستفراد بالأسرى، وعزلهم، والانتقام والتنكيل بهم، فهم في دائرة الاستهداف المباشر بهذه الحرب، كون الأسرى يشكلون بوصلة النضال الفلسطيني، وهو الأمر الذي تخشاه إسرائيل.
كيف استشهد 6 أسرى بالسجون خلال الحرب؟
بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول وتحت ذريعة حالة الطوارئ، تغير كل شيء، إذ تعتبر إسرائيل نفسها في حرب وجودية مع الشعب الفلسطيني، والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعي مكانة وأهمية الحركة الأسيرة في النضال والانتفاضات الفلسطينية.
بالتالي التنكيل بالأسرى وقمعهم وإذلالهم، هو جزء من المعركة الحربية التي تشنها إسرائيل ضد الكل الفلسطيني. ومع انشغال الجميع في الحرب على غزة، تتمادى إدارة السجون بالتفرد بالأسرى والتصعيد ضدهم في غياهب السجون، من خلال توسيع العمل بسياسة ونهج وخطة بن غفير الهادفة إلى إعدام الأسرى.
وقد أعطى بن غفير الضوء الأخضر لإدارة السجون الإسرائيلية بتنفيذ خطة الإعدام البطيء، وهذه الخطة تنفذ وتطبق على مدار الساعة بلا حسيب وبدون رقيب، وبلا أي رادع. وأصبحت سياسة تصفية الأسرى في متناول اليد لأي سجان، لذلك نرى اغتيال 6 من الأسرى خلال فترة الحرب على غزة، ومن المتوقع أن تستمر هذه السياسة والقيام باغتيالات أخرى بحق الأسرى مستقبلا.
ما دلالات محاولة أجهزة القضاء الإسرائيلي التنصل من صفقة التبادل الأخيرة؟
منذ بدء تنفيذ صفقات التبادل خلال أيام الهدنة الأخيرة، حذرنا من مغبة أن تحاول إسرائيل الالتفاف على اتفاق التبادل والصفقة، سواء من خلال النيابة أو جهاز المحاكم، حيث تُعَاد محاكمة من أُفْرِج عنهم خصوصا من القدس والداخل الفلسطيني، رغم تحررهم برعاية دولية.
وهناك خلل وثغرات قانونية عديدة في آلية تنفيذ عمليات التبادل الأخيرة، حيث أفرجت إسرائيل عن الأسيرات والأشبال دون تسليمهم أي مستند قانوني يتعلق بإبطال الحكم السابق أو إسقاط أو إلغاء لوائح الاتهام بحقهم لضمان عدم ملاحقتهم مستقبلا وإعادة محاكمتهم مجددا.
ومثل هذه الثغرات تتيح لإسرائيل إعادة الاعتقال والالتفاف على صفقة التبادل مستقبلا، على سبيل المثال الأسيرة فدوى حمادة حُكِم عليها عام 2017 بالسجن 10 سنوات، وخلال فترة أسرها قدم بحقها لوائح اتهام جديدة بتهم تتعلق بالاعتداء على سجانات حسب الادعاء، وقد أُفْرِج عنها بموجب صفقة التبادل الأخيرة.
لكن فوجئنا بعد أيام من تحررها، بدعوتها إلى المثول أمام المحكمة الإسرائيلية مجددا لاستمرار محاكمتها على التهم ذاتها. فحسب الأعراف الدولية باللحظة التي يُفْرَج عن أسير، يتم إغلاق كل الملفات التي ما زالت عالقة بالمحاكم.
وعليه ولتجاوز هذه الثغرات ولتفويت أي فرصة على إسرائيل لإعادة اعتقال أي أسير محرر، على الأطراف التي رعت اتفاق التبادل أن تقف عند كل هذه التفاصيل، وتطالب إسرائيل بالوقوف عند التزاماتها.
لماذا تمنع السلطات الإسرائيلية زيارة الأسرى وتبقي على عزلهم عن العالم الخارجي؟
كجزء من الإجراءات القمعية، فرضت إسرائيل واقعا جديدا، وبموجبه عزلت الأسرى جميعا عن العالم الخارجي، عبر منع زيارات الأهالي والمحامين وجمعيات حقوقية التي تقف على ظروف اعتقالهم وما يمارس بحقهم داخل الزنازين وأقسام العزل، وذلك لحجب الظروف المزرية التي يعيشها الأسرى، والتي هي أشبه بالموت البطيء.
و(تفعل السلطات الإسرائيلية) ذلك خشية فضح وكشف ونقل التفاصيل المروعة والانتهاكات بحق الأسرى للرأي العام.
وتستفرد إدارة سجون الاحتلال بالأسرى دون رقابة أو متابعة حقوقية وقانونية، وهي الإجراءات التي تتنافى والمواثيق والأعراف الدولية بكل ما يتعلق بالتعامل مع أسرى الحرب وحقوقهم وظروف أسرهم، لكنها تتجاوز القوانين والقرارات من خلال حالة الطوارئ المعلنة بظل الحرب.
هل تخشى إسرائيل أي تواصل مع الأسرى في ظل الحرب؟
تهدف السلطات الإسرائيلية من عزل الأسرى عن العالم الخارجي، وحرمانهم حتى من التواصل فيما بينهم داخل السجون والمعتقلات، إلى ترويعهم والسعي لتفكيك وحدة الحركة الأسيرة، ومنعهم من تلقي أي معلومات حول ما تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وتخشى إسرائيل من اشتعال جبهة السجون والدخول بمواجهة ومعركة مباشرة مع الأسرى على خلفية الحرب، واندلاع انتفاضة داخل السجون تنظر إليها إسرائيل بعين الخطورة. والمواجهة مع الحركة الأسيرة ليس بالأمر السهل بالنسبة لإسرائيل التي ترى في الأسرى قوة لا يستهان بها، ولها تأثيرها في مجريات ما يحدث على الساحة الفلسطينية، وخاصة عند احتدام الصراع مع إسرائيل.
كيف تفسر موجة الاعتقالات الواسعة بالضفة منذ “طوفان الأقصى”؟
تشن قوات الاحتلال يوميا حملات اعتقالات في الضفة والقدس، وتمديد الاعتقال الإداري للمئات، حيث أُعتقل نحو 5 آلاف فلسطيني خلال فترة الحرب. وتهدف إسرائيل لترويع وترهيب الفلسطينيين وردعهم عن أي محاولة للانتفاض أو المواجهة الشاملة خلال الحرب.
ولا يوجد لكافة هذه الاعتقالات أي سند قانوني أو مبرر عسكري حتى، وتنفذ بلا أي إطار قانوني أو قضائي وبلا أي مسوغات قانونية، في ظل حالة الطوارئ المعلنة، حيث يمكن وضعها في سياق واحد وهو الفرصة لفرض السيطرة والاستفراد بالفلسطينيين بالضفة، وممارسة جرائم الحقد والكراهية والانتقام.
ويوميا يقَدَّم المئات من الفلسطينيين بالضفة للمحاكمات في المحاكم العسكرية الإسرائيلية، وفي أغلب حالات الاعتقال إن لم تكن جميعها تكون فقط للردع والتخويف بحجة الحرب.
ماذا بشأن الأسرى من غزة ومن اُخْتُطِفُوا من القطاع خلال الحرب؟
هناك إخفاء تام حول ما يمارس بحقهم من إجراءات قمعية، حيث عُزِلُوا عن كل الأسرى الآخرين بأقسام خاصة، ولا أحد يعلم أو يعرف التفاصيل الحياتية، ولا معلومات حول ما يتعرضون له، وظروف احتجازهم واستجوابهم وآليات التحقيق معهم. لكن بحسب بعض التسريبات فيما يتعلق مثلا بالطعام، يتم تزويد كل مجموعة أسرى من معتقلي غزة -تقدر بالعشرات- بعلبة لبن واحدة يتقاسمونها جميعا ورغيف خبز واحد على مدار يومين.
وهذا بحد ذاته يعتبر انتهاكا صارخا بحق أسرى قطاع غزة، وهي ممارسات تعكس الإعدام البطيء من خلال الاحتجاز بظروف مزرية ومراكز تجميع تفتقر لمقومات الحياة، إلى جانب ممارسة كافة أشكال التعذيب ضدهم. وبعض النساء اُحْتُجِزْن في سجن الدامون والقسم الآخر من الرجال والنساء في منشآت عسكرية تابعة للجيش الإسرائيلي في النقب، والبعض في معسكر “عناتوت” بالقرب من رام الله.
ولم يسمح للمحامين أو للمنظمات الحقوقية الفلسطينية والعالمية زيارة الفلسطينيين المختطفين من غزة، بغية الاطمئنان عليهم والوقوف عند ظروف اعتقالهم وطبيعة التعامل معهم من قبل المحققين أو مصلحة السجون. وهناك تعتيم كامل وشامل ومخيف -في نفس الوقت- على كل ما يحصل أو يدور بالنسبة لأسرى غزة من نساء وشباب وشيوخ.
ولكن -من خلال شهادات بعض من أُفْرِج عنهم مؤخرا من قطاع غزة- هناك تفاصيل مروعة يمارسها الجيش ومختلف السلطات الإسرائيلية بحقهم، من تعذيب، وقمع، وتنكيل، وإذلال، وممارسات انتقامية لكونهم من غزة.
كيف تتعامل إسرائيل مع المعتقلين ممن تزعم ضلوعهم في “طوفان الأقصى”؟
تحتجز إسرائيل المئات من قطاع غزة دون محاكمات أو متابعة قانونية وتعتقلهم كرهائن، بزعم ضلوعهم في أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ويواجه جهاز القضاء الإسرائيلي، والشرطة، وجهاز المخابرات وأجهزة التحقيق الأخرى التابعة للجيش، إشكاليات ومعضلة قانونية كبيرة في كيفية التعامل قانونيا معهم، وطبيعة التهم التي من المتوقع توجيهها لهؤلاء المعتقلين، وإشكالية التمثيل القانوني والترافع عن المعتقلين، وآلية المحاكمة والعقوبات التي قد تفرض عليهم.
باعتقادي، ومن تجارب الماضي، (هناك) جزء كبير من المعتقلين لن يعترفوا بشرعية وقانونية المحاكم الإسرائيلية لمحاكمتهم، ويطالبون باعتبارهم أسرى حرب، والتعامل معهم وفق ذلك.