كانت شركة “هواوي” متفوقة على العالم في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس، ما مهّد لها الطريق للهيمنة على سوق الهواتف الذكية العالمي. وهذا ما عدّته الحكومة الأميركية، في عهد دونالد ترامب، خطرًا كبيرًا عليها. لذلك بدأت، في العام 2019، خطتها لتدمير عملاق التنكولوجيا الصيني. في البداية دلّت المؤشرات كافة على أنّ الشركة ستنهار نتيجة شدة العقوبات الأميركية التي ضربتها في نقاط ضعفها الحساسة جدًا، لكن الشركة عملت على مجاراة العاصفة، إلى أن بدأت في العام 2023 بهجومها العكسي الذي أخاف الأميركيين وزرع تساؤلات وشكوكًا حول جدوى عقوباتهم.
في آب 2023، فاجأت “هواوي” العالم بشكل عام، والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص، عندما كشفت عن هاتفها الجديد Mate 60 pro الذي يحتوي على معالج 7 نانومتر من تصنيع شركة أشباه الموصلات الصينية SMAC. وهذا المعالج عدّ مفاجأة كبيرة؛ لأنه رسميًّا أعلى جيل استطاعت شركة SMAC تصنيعه هو معالجات الـ 14 نانومتر، والتي هي أقدم بكثير من الـ 7 نانومتر.
لقد استطاعت “هواوي” بيع 1.6 مليون نسخه من Mate 60 Pro ما ساعدها في العودة بقوة إلى منافسة شركة “آبل” في السوق الصينية، والذي يعدّ أكبر سوق للهواتف الذكية في العالم. كما أنّها في طريقها إلى الانفراد في صدارة الحصة من السوق، وذلك يعود بشكل أساسي للإصدارات المتتالية من الهواتف الذكية الفارهة التي تصدرها Pura، والتي تنافس فيها الأيفون.
في نيسان 2024؛ أكملت “هواوي” مفاجآتها حين كشفت عن سلسلة الهواتف الذكية Pura 7 التي تضم أربع فئات؛ وهي: Pura 7 و7 Pro و70 Pro Plus و70 Ultra، والتي مجرد ما طرحت في السوق بدأت شركات تحليل وفحص الهواتف بوضع يدها على نسخ مختلفة منه للتعرّف إلى مكوناتها.
نتيجة الفحص أظهرت أن أغلب أشباه الموصلات الموجودة، في سلسلة Pura 7، من تصنيع صيني محلي، وأبرز ما لفت النظر كان معالجها. فهي تعمل بمعالج 7 نانومتر من طراز Kirin 9010 من تصميم هاي سيليكون التابعة لـ”هواوي”، ومن SMAC الصينية. وهو نسخة أحدث من معالج Kirin 9000 الموجود في الـ”هواوي” Mate 60 Pro ما طرح سؤالًا: كيف نجح الصينيون في صنع معالج 7 نانومتر بمعدات قديمة لا تستطيع تصنيع معالجات أعلى من الـ 14 نانومتر؟ كيف تمّ ذلك والشركة الوحيدة في العالم التي تبيع الآلات التي تستطيع صنع المعالجات بتقنية 7 نانومتر هي ASML الهولندية الممنوعة من بيع آلاتها للصين؟
لقد تبيّن أنّ الصينيين قاموا بتعديل الآلات القديمة الموجودة لديهم لتصبح قادرة على صنع معالجات 7 نانومتر، لكن هذه الطريقة تحوي عيبًا كبيرًا؛ سبق وشرحناه في مقال سابق.
كما تبين أيضًا، خلال الفحص، أنّ الـ Memory الخاصة بالهاتف من تصنيع شركه YMTC الصينية المعاقبة أميركيًا. لذلك؛ إجمالًا: سلسلة الـ Pura أهميتها تكمن في نسبة المكوّن المحلي في الهاتف، والذي يشير بوضوح إلى أنّ الصينيين في طريقهم للاكتفاء الذاتي؛ فمثلًا النسخة الـ standard من الـ Pura 70 تظهر أنّ 33 مكوّنًا من مكوناتها الـ 69 من تصنيع شركات صينية وخمسة فقط من تصنيع أجنبي وباقي المكونات هي قيد الفحص. أما نسخة الـ Pura 70 Pro Plus فقد اتضح أنّ فيها 22 مكونًا من تصنيع صيني، وثلاثة فقط من تصنيع أجنبي، وبقي 52 مكوّنًا قيد الفحص.
لعلّ أشهر مكوّن أجنبي احتوت عليه هذه السلسلة من الهواتف هي شرائح الـ DDR 5. وهذا النوع من الشرائح من تصنيع شركات كورية، ومن الوارد جدًّا أن نجد الصينيين يقومون بتصنيعها. وفي حال حصول ذلك؛ فهذا سيجعلهم أكثر اعتمادًا على أنفسهم وأقل تأثرًا بالعقوبات..
المفاجأة الأخرى لشركة “هواوي” هي استطاعتها في تجاوز عقبة أميركية خطيرة متمثلة بحرمان هواتفها من نظام تشغيل الهواتف الذكية الشهير Android التابع لشركة جوجل الأميركية. فهي قد استطاعت إنشاء نظام تشغيل خاص بها اسمه Harmony OS وعدد مستخدميه تجاوز الـ 800 مليون مستخدم- على أقل تقدير- فحرمت شركة Google منهم نتيجة للعقوبات الأميركية.
إنّ الـ pura 70 متوقع له أن يكون منافسًا رئيسيًا لهواتف “آبل” في السوق الصينية، وبالتحديد الأيفون 15 الموجود في السوق، وبالفعل الأيفون 16 الذي سيطرح في الخريف القادم. كما أنه سينافس سلسلة Galaxy S24 الخاصة بسامسونج. ويتوقع المحللون أن “هواوي” ستبيع أكثر من 10 مليون نسخة منه، وهذا في حال حصوله سيجعل “هواوي” لأول مرة منذ عدة سنين أكبر بائع للهواتف الذكية في السوق الصيني.
في الخلاصة؛ من المتوقع أن تعود “هواوي” إلى التربع على قمة السوق العالمي للهواتف الذكية، كما كانت في العام 2020، وذلك في ظل تحسن نتائجها المالية وتحقيقها لأرباح كبيرة مؤخرًا. كما أنها ستكون أقوى بسبب اعتمادها على نفسها، وستكون أكثر قدرة على تحدي الأميركيين ومنافستهم.