لا يمكن وصف الإقتحام الإسرائيلي اليوم الأربعاء، بأقل من جريمة حرب وبجريمة ضد الإنسانية، يضيفها الكيان المؤقت كلّه – بمستوطنيه وعسكرييه وسياسييه- الى سجل جرائمه الحافل منذ ما قبل النكبة الفلسطينية عام 1948، وتُضاف أيضاً إلى سجل جرائم الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإنسانية منذ نشوئها.
لأن البيت الأبيض بالأمس، أعطى الضوء الأخضر للاقتحام، عندما زعم المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي خلال مؤتمره الصحفي، بأن أجهزة بلاده الاستخباراتية تحققت بشكل مستقلٍ، حول المزاعم الإسرائيلية بوجود مقرات قيادة وسيطرة للمقاومة الفلسطينية بالإضافة الى مراكز لاحتجاز الأسرى الإسرائيليين تحت مجمع الشفاء الطبي. حيث أعلن كيربي بأن أجهزة الاستخبارات الأمريكية وصلت لمعلومات تفيد بأن “حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني يستخدمان بعض المستشفيات في قطاع غزة، بما في ذلك مستشفى الشفاء، والأنفاق تحتها لإخفاء ودعم عملياتهما العسكرية واحتجاز الرهائن”. مضيفاً بأن من وصفهم بـ “أعضاء حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني يشغلون مركز قيادة وسيطرة من مستشفى الشفاء في مدينة غزة. لقد خزنوا أسلحة هناك وهم مستعدون للرد على عملية عسكرية إسرائيلية ضد المنشأة”.
وهذا ما لم يحصل إطلاقاً، لأن هذا المجمع لم يكن أبداً مركزاً عسكرياً للمقاومة، بل كان بالإضافة الى وظيفته الطبية والاستشفائية طوال أيام الحرب، مركزاً لإيواء آلاف النازحين الذين لجئوا إليه هرباً من الهمجية الإسرائيلية، وبالرغم من ذلك لم يسلموا منها، بحيث لاحقتهم قذائف مدفعيتها وصواريخ طائراتها الى باحات المجمع، وغدرت وقطّعت العديد منهم.
لذلك، كانت الفضيحة الكبرى للاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية، عندما لم يستطيعوا إظهار أي مشهد يثبت صحة مزاعمهم، وهذا ما أشار المراسل القناة 13 العسكري “أور هيلر” حينما قال بأنه على الرغم من وجود معلومات استخبارية “لكن للأسف الجيش الإسرائيلي لم يعثر على أسرى في مستشفى الشفاء”.
بعض تفاصيل الجريمة الإسرائيلية الأمريكية
_ قبل بدء العملية الإسرائيلية، حاول الطاقم الطبي للمجمع بكل الوسائل، نفي المزاعم الإسرائيلية والأمريكية والتحذير من حصول عملية الاقتحام، لأن المجمع كان لا يزال ممتلئاً بآلاف المدنيين والأطباء والمرضى والجرحى، بما في ذلك الأطفال. كما كان الوضع في المجمع سيئاً للغاية، بعد الحصار الذي نفذته القوات الإسرائيلية، بحيث توقفت آلات إنقاذ الحياة في وحدة العناية المركزة عن العمل بعد نفاد الوقود، ولم يتبق مصادر طاقة للمجمع سوى بعض الطاقة الشمسية، كما كان الغذاء والماء ينفدان.
_ بعد بدء العملية، تدهور الوضع وبات فوضوياً، مع إطلاق جيش الاحتلال للنار والقنابل حول المجمع، ومعاناة مئات المرضى في الداخل مع القليل من الإمدادات الطبية.
_ دخلت الدبابات الإسرائيلية الى باحة المستشفى، واقتحم جنود الاحتلال المباني وسط نيران كثيفة في المستشفى وبمحيطه. ثم قاموا بإجراء تفتيش داخل المجمع، وأجروا تحقيقا مع الشبان الموجودين فيه (بعد أن قاموا بتجريد الشبان من ملابسهم)، ثم اعتقلوا عدداً من النازحين وذوي الشهداء والجرحى، بالرغم من أنهم لم يجدوا أي دليل يثبت مزاعمهم. وهو ما أكّدته هيئة البث الإسرائيلية عندما قالت بأنه لا معلومات عن وجود “رهائن” بمستشفى الشفاء وعملية التمشيط متواصلة.
_ بعدما فشلوا في إثبات أن المجمع يشكّل مركزاً مهماً للمقاومة الفلسطينية، قام الاحتلال بإعداد فيديو مثير للسخرية، يبين فيه جنوداً يقومون بتزويد المجمع الاستشفائي المدمّر والفارغ، بحافظة للأولاد وبعض الصناديق المكتوب عليها باللغة الإنكليزية وغيرها.
اقتحام مجمع الشفاء مقدمّة لتهجير الفلسطينيين
هذه العملية وغيرها من العمليات، تهدف بشكل رئيسي الى ترويع أهل قطاع غزة، بأن آلة القتل الإسرائيلية ليس لها حدود، وخلق شعور بأنهم لن يعودوا إلى ديارهم أبدًا، وبالتالي عليهم الرضوخ للأمر الواقع والقبول بأي مشروع تهجيري في الفترة المقبلة.
وقد مهّدت قيادة الكيان لهذا المشروع، بتفويض ومساعدة أمريكية، من خلال إسقاط أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات شديدة الانفجار على القطاع (أي ما يساوي تقريباً قنبلتي هيروشيما وناغازكي النوويتين)، منذ اندلاع العدوان في الـ 7 من تشرين الثاني / أكتوبر الماضي. وتحت ذريعة استهداف قيادة حماس، كانت سلاح الجو الإسرائيلي يعمد الى قصف أهدافه بقذائف ثقيلة الوزن، كي يسوي كل الأبنية بالأرض (استراتيجية الأرض المحروقة). وهو ما أشار إليه محرر صحيفة هآرتس، ألوف بن، الذي قال: “إن طرد السكان الفلسطينيين، وتحويل منازلهم إلى أكوام من أنقاض البناء، وتقييد دخول الإمدادات والوقود إلى غزة هي “الخطوة الفاصلة” التي تستخدمها إسرائيل في الصراع الحالي، على عكس جميع جولات القتال السابقة في القطاع”.
فحتى لو تم الإعلان قريباً عن هدنة أو وقف لإطلاق النار، فإن إسرائيل لن تكون في عجلة من أمرها للانسحاب والسماح للسكان بالعودة إلى شمال القطاع. وإذا عاد السكان، ستكون مناطقهم خالية تماماً من أي مظهر من مظاهر الحياة، بلا منازل أو شوارع أو بنية تحتية، وعندها سيكون خيار التهجير أمامهم هو الوحيد.