الرئيسية أخبار وتقارير المشهد الصحافي أشهر الأنفاق.. كابوس أنفاق غزة ينتظر الجيش الإسرائيلي

أشهر الأنفاق.. كابوس أنفاق غزة ينتظر الجيش الإسرائيلي

مع تمركز القوات والمعدات العسكرية الثقيلة للجيش الصهيوني حول حدود غزة، تتزايد احتمالات بدء العمليات العسكرية التي وعد بها قادة تل أبيب خلال الساعات المقبلة. في الوقت نفسه، وبالتوازي مع الإعلان النهائي عن هذا الهجوم من قبل “أفيخاي أدرعي”، المتحدث باسم جيش الکيان الصهيوني، استهدفت مقاتلات هذا الکيان مرةً أخرى قطاع غزة بغاراتها الجوية.

في هذه الأثناء، حسب مواقف القيادات العسكرية والسياسية لحركة حماس، التي تزعم استعدادها للمواجهة بكل الطرق، يرى المحللون أن غزة ستتحول إلى عملية عسكرية دموية ومرهقة وطويلة للغاية للجيش الصهيوني، بسبب تحصيناتها الدفاعية، وشبكة معقدة للغاية من الأنفاق تحت الأرض، وأساليب حرب العصابات وحرب المدن مع ميليشيات مدربة من مختلف مجموعات المقاومة، وليس من السهل على الکيان الإسرائيلي الدخول في مثل هذا المستنقع الكبير.

وعلى الرغم من أن مساحة قطاع غزة تبلغ 363 كيلومترًا مربعًا، إلا أنه يعدّ ساحة معركة حضرية معقدة بشكل لا يصدق، بما في ذلك مدينة غزة نفسها التي تبلغ مساحتها 52 كيلومترًا مربعًا، والتي تحتوي على حوالي ستين مبنى من ستة طوابق أو أكثر.

لقد أمضت حماس خمسة عشر عامًا في إعداد شبکة “دفاع متعمق” واسعة النطاق، والتي، إضافة إلى التحصينات الأرضية وتحت الأرضية والجوية، تشمل مجموعةً واسعةً من أنفاق الاتصالات ومنصات المدفعية وحقول الألغام والفخاخ المتفجرة والصواريخ المضادة للدروع والمباني المتفجرة وما إلى ذلك، لتتمكن من التغلب على الهجوم البري المضاد وإلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية بالصهاينة.

وفي هذا الصدد، قال خبيران عسكريان إقليميان لرويترز إن كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، تحشد القوات لمواجهة الغزو، وتنشر الألغام المضادة للدبابات وتنصب الكمائن.

لكن في هذه الأثناء، فإن أهم أداة دفاعية وورقة تفوق حماس أمام الغزو البري للجيش الصهيوني، والتي تشکل أيضاً الهاجس الرئيسي للقادة العسكريين والسياسيين في الکيان الإسرائيلي، هي شبكة أنفاق المقاومة تحت الأرض، التي تنتشر في جميع أنحاء غزة وحتى خارجها، وإضافة إلى القوات العسكرية، تخفي حماس مدافع وذخائر وصواريخ ومعدات حربية أخرى في هذه الأنفاق.

أهمية هذه الأنفاق كبيرة جدًا، لدرجة أن ديفيد اغناطيوس، كاتب العمود الأسبوعي في صحيفة واشنطن بوست يقول إن المحللين الذين يعملون على رسم خريطة المعركة “الدموية” بين “إسرائيل” والمقاومة الفلسطينية، يتحدث أحياناً عن “غزتين”، إحداهما مرئية لأنها فوق الأرض والأخرى مدينة أنفاق تحت الأرض.

وحسب المقال، تستخدم حماس هذه الأنفاق – المحفورة في التربة الرملية على شكل قرص العسل، والتي يطلق عليها سكان غزة “المترو” – كنهج متعدد الطبقات للدفاع العميق.

تعتبر أنفاق قطاع غزة أحد العناصر الأساسية لصمود وتمكين الفلسطينيين في مواجهة الحصار والاحتلال، وقد توسعت هذه الشبكة السرية خلال السنوات العديدة لحكم حماس على غزة، وتعتبر وسيلةً حيويةً للتعامل مع الحصار الشامل وغير الإنساني على المنطقة، من خلال نقل البضائع وتوفير الأسلحة وتنفيذ العمليات العسكرية والمقاومة ضد القوات الإسرائيلية.

وفي هذا الصدد، أشار شاؤول شاي، الرئيس السابق لقسم التاريخ في الجيش الإسرائيلي، إلى “مشكلة الأنفاق” في غزة، في كتابه الذي يحمل عنوان “حرب تحت الأرض وتحديات مهمة لقواتنا”، ويشبه ذلك بالتجربة التاريخية في حرب فيتنام وفشل القوات الأمريكية في مواجهة تحدي أنفاق الجنود الفيتناميين في جنوب هذا البلد، المعروف باسم “فيت كونغ”.

ومع ذلك، في عام 2016، کشف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في العام الذي بدأ فيه الکيان الإسرائيلي التدمير الشامل لأنفاق غزة، في مراسم تشييع عدد من “الشهداء اللوجستيين” الذين عملوا في حفر الأنفاق، کشف للصهاينة خبراً أكثر رعباً من تجربة حرب فيتنام، وأعلن أن المقاومة في غزة “قامت ببناء أنفاق أكبر من الأنفاق الفيتنامية التي تدرس في الجامعات العسكرية”.

وحسب تصريح القيادي في حماس، إذا تمكن الفيتناميون من حفر أنفاق بطول حوالي 270 كيلومتراً، فهل يعني ذلك أن أنفاق حماس في غزة تجاوزت 500 كيلومتر؟

تاريخ الأنفاق في قطاع غزة

يعود تاريخ الأنفاق في قطاع غزة إلى تسعينيات القرن الماضي، عندما بدأت بعض العائلات التي تعيش على حدود رفح مع مصر، بحفر أنفاق صغيرة لتهريب الأسلحة الصغيرة والبضائع. ومع انطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000، بدأت الجماعات الفلسطينية في استغلال هذه الأنفاق لتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، وتعزيز قوتها العسكرية.

تم إنشاء طرق عديدة من خلال الأنفاق، والتي كانت تستخدم للحصول على الأسلحة من مصر والسودان واليمن وغيرها، وفي 26 أيلول 2001، استهدفت كتائب القسام قاعدة ترميد العسكرية الإسرائيلية في رفح، عبر نفق يبلغ طوله 150 متراً، وفي هذا الهجوم تم زرع متفجرات تحت القاعدة، ما أدى إلى مقتل 5 جنود إسرائيليين وإصابة عدد آخر، وتعتبر هذه العملية بداية العمليات التي أطلق عليها فيما بعد اسم “سلاح الأنفاق”.

كما استخدمت المقاومة الأنفاق كوسيلة للتغلب على العزلة البيئية وانخفاض العمق الاستراتيجي لغزة، من أجل الاختباء وتنفيذ هجمات مباغتة، وأصبحت هذه الأنفاق أداةً حيويةً لتزويد الأسلحة وتعزيز قوة المقاومة في قطاع غزة، واستخدمت في العديد من العمليات الناجحة ضد القوات الإسرائيلية.

منذ انتفاضة الأقصى عام 2000، اعتمدت كتائب القسام على الأنفاق كسلاح أساسي لها في عملياتها المضادة للاحتلال داخل قطاع غزة وخارجه، ومن هذه العمليات تفجير موقع حردون عام 2003، والسهم الثاقب ومعبر رفح عام 2004، وأسفرت هذه العمليات عن مقتل 23 جندياً إسرائيلياً، وساعدت في تسريع انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005.

تشير التقديرات الحالية إلى استخدام حماس لثلاثة أنواع من الأنفاق في قطاع غزة:

الأنفاق الهجومية: تستخدم هذه الأنفاق لاختراق الحدود وتنفيذ الهجمات خلف الخطوط الأمامية لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وتتيح للمقاومة شن هجمات مباغتة وتنفيذ عمليات خداع استراتيجية، كما تلعب هذه الأنفاق دورًا في إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون، وحماية وحدات المدفعية من الهجمات الجوية.

الأنفاق الدفاعية: تستخدم هذه الأنفاق داخل الأراضي الفلسطينية لنصب الكمائن ونقل المقاتلين إلى أقصى غزة، بعيدًا عن الرؤية الجوية للطائرات والطائرات دون طيار والهجمات الإسرائيلية. وتعتبر هذه الأنفاق وسيلةً للتمويه وحماية القوات، والاحتفاظ بالأسرى، وزيادة قدرة المقاومين على المناورة في حرب المدن.

الأنفاق اللوجستية: تستخدم هذه الأنفاق كمراكز قيادة وسيطرة وإدارة العمليات وتوجيه القوات، ويتم في هذا النوع من الأنفاق إقامة القادة الميدانيين وتخزين الذخيرة والمعدات العسكرية وتجمع القوات، وتحتوي هذه الأنفاق على غرف اتصال داخلية لتسهيل التواصل بين أفراد المقاومة.

صعوبات الجيش الصهيوني في الحرب تحت الأرض

لكن أمام هذه الشبكة المعقدة من الطبقات الدفاعية الهجومية لحماس، قام الصهاينة بتشكيل كتيبة من القوات المتخصصة تحت اسم وحدة “السامور” والتي تعني ابن عرس بالعبرية، والتي تستخدم معدات وأجهزة خاصة متطورة مثل الرادارات وأنظمة المراقبة وروبوتات البحث عن بعد، لإعداد أنفسهم لمواجهة نظام الحرب تحت الأرض لحماس.

ومع ذلك، حتى المحللون الغربيون والصهاينة يشيرون إلى استحالة العبور الكامل من الشبكة الدفاعية المترابطة والمعقدة للمقاومة في غزة، حيث يؤكد المحلل في صحيفة واشنطن بوست إغناتيوس أن “إسرائيل” لا تستطيع “سحق” حماس، كما وعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ونقل إغناتيوس عن إسكوت سافيتز، أحد كبار مهندسي مؤسسة راند والذي درس حرب الأنفاق لعقود من الزمن، قوله إن العثور على جميع أنفاق حماس في غزة، سيتطلب عمليةً طويلة الأمد.

وحتى لو استخدم الجيش الصهيوني الروبوتات على نطاق واسع لاكتشاف الأنفاق وتحييدها، فإن هذه الروبوتات لن تتمكن من التقدم بسبب العوائق الطبيعية وغير الطبيعية، ووجود القوات البشرية ضروري إلى جانب هذه الروبوتات، ونتيجةً لذلك لا يزال هناك خطر التعرض لخسائر فادحة.

في غضون ذلك، ينبغي أن نرى مدی استعداد قادة تل أبيب لتحمل الخسائر البشرية والتكاليف الاقتصادية والضغوط الدولية، لأن تخبط الجيش الصهيوني في قطاع غزة كل يوم يعني المزيد من الضحايا وفشلاً أكبر، ومن المؤكد أن صوت المعارضة الداخلية والخارجية يتصاعد.

لقد قُتل من الإسرائيليين أقل من 100 شخص في الاشتباكات الثلاث السابقة مع حماس في الأعوام 2008-2009 و2012 و2014، وتضمنت اثنتان منها هجمات برية محدودة على غزة. لكن خلال الـ 17 يومًا الماضية منذ عملية طوفان الأقصى، تكبد الصهاينة 1400 قتيل ومئات الأسرى، ويعترف المسؤولون الإسرائيليون بأنه ليس لديهم فكرة واضحة عن الوضع المستقبلي المحتمل (بعد بدء الحرب(.

منذ حرب الـ 33 يومًا مع حزب الله اللبناني عام 2006، والتي بدأت بسبب أسر الجندي جلعاد شاليط على يد قوات حزب الله عبر الأنفاق، ولعبت هذه الأنفاق دورًا مهمًا في هزيمة الجيش الصهيوني، أمضى القادة الإسرائيليون حوالي 15 عامًا في العثور على شبكة أنفاق حزب الله وحماس وتدميرها، ورغم ذلك فإن الاحتلال لم يتمكن من تحقيق هذا الهدف، واعترف مراراً وتكراراً بالفشل في تدمير الأنفاق وتحييد قدرة المقاومة على استخدامها.

وفي عام 2016، أعلن الکيان الإسرائيلي عن بدء مشروع بناء جدار مكلف يبلغ طوله 65 كيلومترا، وارتفاعه 6 أمتار فوق وتحت الأرض، بهدف التصدي لأنفاق حماس. واستغرق بناء هذا الجدار المجهز بأجهزة استشعار لكشف الأنفاق والرادارات وأجهزة المراقبة والاستشعار عن بعد، وأبراج الحراسة المجهزة برشاشات ثقيلة يتم التحكم فيها عن بعد، 3 سنوات ونصف وبتكلفة 1.1 مليار دولار.

وبعد الانتهاء من بناء الجدار عام 2019، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك بيني غانتس، أن المشروع “مشروع تكنولوجي من الدرجة الأولى”، وحرم حماس من قدراتها المحتملة، ووضع حاجزاً حديدياً بينها وبين سكان الجنوب.

لكن في ساعات الصباح الباكر من يوم السبت 7 أكتوبر، تمكن مقاتلو كتائب عز الدين القسام من عبور هذا السياج، وتدمير أسطورة “الجدار الحديدي” الذي بناه الاحتلال على طول الحدود مع قطاع غزة.

أشهر الأنفاق المكتشفة في قطاع غزة

تم اكتشاف العديد من الأنفاق في قطاع غزة خلال الأعوام الماضية، وفيما يلي بعض الأنفاق الشهيرة التي تم اكتشافها:

نفق رفح الكبير: نفق رفح الكبير هو أحد أكبر الأنفاق المكتشفة في قطاع غزة، تم اكتشافه عام 2013، ويستمر على طول الحدود بين مصر وفلسطين.

شكّل هذا النفق مفاجأةً نوعيةً في تاريخ الأنفاق العسكرية في قطاع غزة، لأنه اجتاز حدود غزة مع الأراضي المحتلة لمسافة 800 متر، وكان بمثابة صدمة كبيرة لجيش الاحتلال وجهاز مخابراته. ووصل عمق النفق إلى 20 متراً، وامتد إلى 2500 متر، تم استخدام 800 طن من الخرسانة المسلحة لتقوية السقف وجوانبه، وتضمن هذا النفق شبكة اتصالات وتمديدات كهربائية.

نفق الشيخ زايد: تم اكتشاف هذا النفق في مدينة غزة عام 2016. يمرّ هذا النفق تحت معسكر تدريب عسكري تابع لحماس، وقد تم استخدام هذا النفق لأغراض عسكرية، ولتنفيذ عمليات ضد القوات الإسرائيلية.

نفق كرم أبو سالم: تم اكتشاف هذا النفق عام 2017 بالقرب من معبر كرم أبو سالم التجاري بين غزة والأراضي المحتلة، وكان هذا النفق يستخدم لتهريب البضائع والوقود.

نفق مدينة خانيونس: تم اكتشاف هذا النفق عام 2018 في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، وكان هذا النفق يستخدم لأغراض عسكرية ولنقل القوات والأسلحة.

نفق جباليا: تم اكتشاف هذا النفق عام 2019 في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، ويمتد هذا النفق باتجاه الحدود الإسرائيلية، وكان يستخدم لأغراض عسكرية ولنقل البضائع والأشخاص.

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version