قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن التضخم في المملكة المتحدة سيكون واحداً من أعلى المعدلات في أي اقتصاد متقدم. وأكدت المنظمة أن المملكة المتحدة سوف تتجنب الركود بصعوبة ومثل صندوق النقد الدولي، رفعت المنظمة توقعاتها للنمو الاقتصادي في المملكة المتحدة، رغم تحذيرها من أنّ أسعار الفائدة المرتفعة من المرجح أن تثبط احتمالات النمو خلال الأشهر المقبلة.
وأوضحت المنظمة أنّ معدل التضخم في المملكة المتحدة سيبلغ في المتوسط 6.9% هذا العام، وهو أعلى من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتقريباً كل دولة أخرى في العالم المتقدم.
وقالت كلير لومبارديلي، كبيرة الاقتصاديين الجديدة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إنّ “الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة تحول، لكنه يواجه طريقاً طويلاً لتحقيق نمو قوي ومستدام”. وأضافت إنّه “يتعين على صانعي السياسة النقدية أن يسلكوا طريقاً صعباً”. وبالرغم من أنّ “التضخم العام آخذ في الانخفاض بفضل انخفاض أسعار الطاقة، إلاّ أنّ التضخم الأساسي لا يزال مرتفعاً بعناد، أكثر ممّا كان متوقعاً في السابق”، حسب لومبارديلي.
وكان صندوق النقد الدولي، قد حذّر في نيسان/أبريل الماضي، من أنّ الاقتصاد البريطاني قد ينكمش هذا العام وسيكون في نهاية ترتيب دول مجموعة السبع في وقتٍ يُهدّد فيه اندلاع جديد للاضطرابات المالية التعافي العالمي المتباطئ. وحذّرت الهيئة الدولية من المخاطر المتزايدة للهبوط الحاد للدول المتقدمة، مؤكدةً أنّ “المملكة المتحدة ومنطقة اليورو ستتأثران بشكلٍ خاص بارتفاع تكاليف الطاقة وارتفاع التضخم”.
والعام الماضي، حذّر صندوق النقد الدولي من أنّ المملكة المتحدة تستعد لأبطأ نمو لأغنى اقتصادات مجموعة السبع، في العام 2023.وبعدما كانت المملكة المتحدة أسرع الاقتصادات نمواً في العام 2022، وتعتبر حالياً إلى جانب ألمانيا واحدةً من دولتين فقط من دول مجموعة السبع من المتوقّع أن تشهدا انكماشاً في 2023.
وقال المستشار الاقتصادي في صندوق النقد الدولي بيير أوليفييه غورينشاس إنّه “لن تكون هناك فترة راحة مُبكرة من أزمة تكلفة المعيشة في المملكة المتحدة، وقال: “تقييمنا للعام هو أنّه سيكون عاماً مليئاً بالتحديات بالنسبة للمملكة المتحدة ولكن النمو سيرتفع في العام 2024.
وتوقّعت صحيفة “تلغراف” البريطانية أن تُفلس 28500 شركة هذا العام و31000 في العام 2024 في المملكة المتحدة، وذلك وفقاً لبحث أجرته شركة Allianz Trade.
واقع الركود البريطاني
حسب بنك إنجلترا، فإن الاقتصاد البريطاني سيدخل في ركود يستمر لعامين إذا ارتفعت أسعار الفائدة بالقدر الذي يتوقعه المستثمرون، وهي أطول فترة ركود متتالية منذ بدء الاحتفاظ بالسجلات الاقتصادية الموثوقة في عشرينيات القرن الماضي. وأشار البنك إلى أنه – حتى من دون المزيد من رفع الفائدة – فإن الاقتصاد سينكمش في خمسة من ستة أرباع حتى نهاية عام 2023.
وذكر مكتب الإحصاءات الوطنية، أنه في سبتمبر وحده، عندما أغلقت الكثير من الشركات أبوابها بعد إعلان عطلة عامة ليوم واحد في جنازة الملكة إليزابيث، انكمش الاقتصاد 0.6 في المئة. ويزيد هذا على توقعات في استطلاع أجرته «رويترز» بانكماش 0.4 في المئة، كما أنه الأكبر منذ يناير (كانون الثاني) 2021 عندما كان هناك إغلاق بسبب كوفيد – 19
لكن جرى تعديل بيانات الناتج المحلي الإجمالي في أغسطس (آب) لتظهر انكماشاً طفيفاً عند 0.1 في المئة، مقارنة مع انكماش بنسبة 0.3 في المئة في القراءة الأساسية. كما جرى تعديل بيانات يوليو (تموز) لتظهر نمواً في الناتج المحلي بواقع 0.3 في المئة، مقابل 0.1 في المئة في تقدير سابق.
وفي سياق منفصل، قال وزير الخزانة البريطاني السابق كواسي كوارتينغ، إنه حذر رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس من أنها في حاجة إلى «إبطاء وتيرة» خططها الاقتصادية، وإنها «مخبولة» لإقالتها إياه، حسب وكالة بلومبرغ. فيما جاءت استقالة تراس بعد أقل من أربعة أسابيع على بيانهما المالي الكارثي في 23 سبتمبر، الأمر الذي أثار اضطراب السوق المالية وترك المواطنين يعانون من ارتفاع تكاليف قروضهم.
المعطيات التي قادت بريطانيا إلى حافة الركود الاقتصادي
توقع روب وودي خبير الاقتصاد البريطاني في “بنك أوف أميركا” ، حسب مذكرة أرسلها للعملاء، أن ينكمش الاقتصاد البريطاني في عام 2023 بأكمله بنسبة 0.4 بالمئة، وهو ما يمثل انخفاضا عن توقعاته السابقة بنمو 0.20 بالمئة. كما أنه أسوأ من توقعات بنك إنجلترا في شهر مايو بانكماش بنسبة 0.25 بالمئة.
السبب الرئيسي لتغير النظرة المستقبلية للاقتصاد البريطاني، حسب ما يراه الخبير في “بنك أوف أميركا”، هو الارتفاع الأخير في تكاليف الطاقة بما يضيف أعباء جديدة على كاهل الأسر البريطانية.
حيث كان ارتفاع الأسعار بأسرع من معدلاتها منذ 40 عاما و عدم مواكبة الأجور لهذا الارتفاع من أهم الأسباب التي أدت إلى استنزاف مدخرات الناس. ويرى خبراء اقتصاديون أن الفترة المقبلة قد تشهد مزيدا من ارتفاع الأسعار في بريطانيا، ما يتطلب زيادة إضافية في معدلات الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، وسيؤدي ذلك إلى زيادة بنك إنجلترا معدلات الفائدة إلى 1.75 بالمئة من 1.25 بالمئة حاليا.
فيما يفترض “روب وودي” أن الاقتراض الحكومي سيرتفع بمقدار 35 مليار جنيه إسترليني خلال العامين المقبلين، ما سيدفع التضخم لأعلى. ويتوقع الخبير الاقتصادي أن التضخم في بريطانيا سيبلغ ذروته عند 12.6 بالمئة، وهو معدل أعلى من توقعاته السابقة عند 11.3 بالمئة. ومن أجل التغلب على هذا التضخم المرتفع سيتعين على بنك إنجلترا بشكل أسرع والحفاظ على معدلات فائدة عالية.
وفي تحليل لمؤسسة “روزليوشن فاونديشن” نشرته الصحف البريطانية، فإن أكثر من نصف مليون أسرة بريطانية في العاصمة لندن وما حولها سيواجهون ارتفاعاً في مدفوعات القسط الشهري لقروض الرهن العقاري بنحو 190 دولاراً (156 جنيهاً استرلينياً)، مع انتهاء فترة القرض بالفائدة الثابتة التي تعاقدوا عليها.
إن ارتفاع أسعار الطاقة، واضطرابات سلاسل التوريد العالمية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمرض طويل الأمد الذي يحد من قوة العمل في المملكة المتحدة، كل ذلك بمثابة ضريبة على اقتصاد المملكة المتحدة، ما يؤدي إلى خفض الدخل والإنفاق.
بشكل عام يمكن القول إنه عندما تجتمع الأسعار المرتفعة وأزمة التضخم بعدم الاستقرار السياسي الناتج عن رحيل رئيس الوزراء بوريس جونسون، والاضطرابات التجارية بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتبعات جائحة كورونا حيث أصبح حجم الاقتصاد البريطاني أقل بصورة أكبر مما كان عليه قبل الجائحة، كما أنه الاقتصاد الوحيد ضمن مجموعة السبع الذي لم يتعاف تماماً من الركود الذي تسببت فيه، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة التي لا يمكن التنبؤ بها بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، كلها تجعل الاقتصاد البريطاني يبدو كأنه اقتصاد من العالم النامي، بدلاً من سادس أكبر اقتصاد في العالم.
التضخم البريطاني و غلاء المعيشة
تشير بيانات التجزئة إلى أن الأسر البريطانية كانت خلال الشهرين الماضيين أسوأ حالاً مما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي. فبعد دفع الفواتير الأساسية والضرائب، لا يتبقى لدى الأسرة النموذجية سوى 200 جنيه إسترليني في الأسبوع. بعض المتاجر بدأت منذ الشهر الفائت بتوزيع طعام مجاني للأطفال تحت سن 16 عاماً، عندما تنفق العائلة 5 جنيهات إسترلينية كحد أدنى من المشتريات.
وتقول سامنثا، العاملة في متجر “تيسكو”، إن المنتجات التي كانت تحمل في السابق علامة صفراء تشير إلى نهاية صلاحيتها في اليوم نفسه (الفواكه والخضار) وبالتالي تُباع بسعر أرخص من غيرها، لم تكن لها شعبية كبيرة في متجرهم. إلا أن المتسوّقين يقبلون أكثر فأكثر على هذه المنتجات، وبعضهم يأخذ منها أكثر من حاجته اليومية لتخزينها لليوم التالي، برغم انتهاء صلاحيتها. كما تشير سامنثا إلى أن الشريحة الأضعف هي التي كانت تستفيد في السابق من هذه العلامة الصفراء، بينما يرغبها اليوم معظم المتسوّقين، الفقراء منهم ومتوسّطو الدخل.
ويُظهر “مكتب الإحصائيات الوطنية” أن حوالي 24 مليون شخص في بريطانيا حدّدوا استخدامهم للطاقة في منازلهم بين مارس/آذار ويونيو/حزيران من العام الجاري. إلا أن تقليل حجم استهلاك الطاقة خلال الأشهر هذه تحديداً يعدّ أمراً معقولاً، نظراً لأن الشمس لا تغيب حتى الساعة السابعة في نهاية مارس والعاشرة في نهاية يونيو، إضافة إلى عدم الحاجة لتدفئة المنازل بانتظام معظم شهري مارس وإبريل. بينما خفّض حوالي 16 مليون شخص، حسب المكتب ذاته، إنفاقهم على الغذاء والضروريات.
فيما رفعت الهيئة البريطانية المنظمة للطاقة سقف الأسعار بنسبة 80 في المئة اعتبارا تشرين الأول/أكتوبر، كما قد يؤدي إلى زيادة فواتير الغاز والكهرباء أيضا “بشكل كبير” العام المقبل، وسط أزمة غلاء المعيشة في البلاد. ونظراً للوضع الحالي، حذر “مكتب أسواق الغاز والكهرباء” من أنّ “الأسعار يمكن أن تسوء بشكل كبير طوال العام 2023″، داعياً الحكومة إلى تقديم مساعدات “عاجلة” في أوج أزمة غلاء معيشة.
وقال “مكتب أسواق الغاز والكهرباء” (أوفغيم)، إنّ “سقف (الأسعار) سينتقل من 1971 جنيهاً استرلينياً سنوياً لكل أسرة متوسطة إلى 3549 جنيهاً استرلينياً “.وبما أن هذه العتبة احتُسبت على أساس متوسط أسعار الجملة للغاز خلال الأشهر السابقة، يتوقع الخبراء أن ترتفع إلى أكثر من أربعة آلاف جنيه استرليني في كانون الثاني/يناير وحتى ستة آلاف جنيه في الربيع حسب التقديرات الأكثر تشاؤماً، ما سيؤدي إلى زيادة التضخم ليتجاوز العشرة في المئة على أساس سنوي في بريطانيا.
وقال جوناثان برييرلي الرئيس التنفيذي ل”أوفغيم” إن الهيئة “تدرك التأثير الهائل الذي سيحدثه رفع سقف الأسعار هذا على الأسر في جميع أنحاء بريطانيا والقرارات الصعبة التي سيتعين على المستهلكين اتخاذها”. ويدعو أرباب العمل والمورّدون والجمعيات إلى اتخاذ إجراء حكومي فوري لتجنّب صدمة “كبيرة” للأسر ذات الدخل المنخفض، التي تواجه أساسا تضخّماً يزيد على عشرة في المئة وهو أعلى معدّل في دول مجموعة السبع.
وأشارت جامعة نيويورك إلى أن 58 في المئة من الأسر البريطانية مهدّدة بالفقر في مجال الطاقة ابتداءً من السنة المقبلة. وذكرت مجلة “ويتش” أن بعض الأسر اضطرت إلى خفض إنفاقها على حاجات ضرورية مثل الطعام والملابس، لتتمكن من دفع فواتير الاتصالات التي لا يمكن الاستغناء عنها.
صورة معتمة عن المستقبل
تسير توقعات بنك انكلترا أن يواصل الناتج المحلي الإجمالي البريطاني الانكماش على مدى سنة وربع السنة، وأن تهوي مستويات المعيشة بنسبة خمسة في المئة، كما توقع نمو الاقتصاد البريطاني بالسالب (انكماش) بنسبة -1.25 في المئة العام المقبل 2023، وبنسبة -0.25 في المئة العام الذي يليه 2024، وستكون تلك أول مرة ينكمش فيها الاقتصاد البريطاني لعامين متتالين منذ سبعينيات القرن الماضي.
وتوقعت لجنة السياسات النقدية في البنك أن ترتفع الأجور في بريطانيا بنسبة ستة في المئة هذا العام، مع تنافس الشركات والأعمال على استقطاب الأيدي العاملة الشحيحة، لكن البنك توقع ألا يستمر سوق العمل جيداً، وأن تبدأ نسبة البطالة في بريطانيا بالارتفاع من نسبتها الحالية عند 3.8 في المئة إلى 5.5 في المئة العام المقبل.
الخروج من الاتحاد الأوروبي كسر ظهر بريطانيا
ذكر مركز الإصلاح الأوروبي (CEF) إنه بحلول نهاية العام الماضي، تقلص الاقتصاد البريطاني بنسبة 5.2% أي 31 مليار جنيه إسترليني (حوالي 38 مليار دولار)، مقارنة بما كان سيكون عليه لولا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتأثرها بوباء كوفيد-19. وقال جون سبرينغفورد، مؤلف الدراسة “لا يمكننا أن نلقي باللوم في كل النقص البالغ 5.2% في الناتج المحلي الإجمالي، على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن من الواضح أن البريكست هو المسؤول إلى حد كبير”.
واعتمد سبرينغفورد في قياسه لأداء المملكة المتحدة على نموذج “الشبيه” ببريطانيا -لو بقيت هذه الدولة داخل السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي- باستخدام بيانات من الاقتصادات المتقدمة الأخرى المشابهة للمملكة المتحدة. وقال سبرينغفورد إن “فك التشابك” في الآثار الاقتصادية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وكوفيد-19 في السنوات الأخيرة كان “صعبا”، لكنه قال إن من الواضح أن التأثير السلبي الأكبر جاء من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ويجادل الخبير الاقتصادي بأن ثمة فجوة كبيرة بين المملكة المتحدة الحالية واقتصاد بلد شبيه قد انفتح قبل تفشي الوباء في ربيع عام 2020. ولفت إلى أن الأداء الاقتصادي البطيء بعد انتهاء عمليات الإغلاق في عام 2021 أظهر أيضا أن النقص الكبير كان في الغالب بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وليس كوفيد-19.