تصاعدت وتيرة المخاوف من انزلاق جنوب اليمن نحو حرب أهلية، الأربعاء، مع تسعير الهجمات على الانتقالي وتهديد السعودية بتصفيرها.
وحذر عبدالرحمن الوالي، رئيس ما كان يعرف ببرلمان الجنوب، من ما وصفه بعملية تفكيك اجتماعي واصطفاف قبلي ومناطقي يتم دفع الجنوب إليها من قبل اطراف إقليمية. وتأتي تحذيرات الوالي في وقت استعرت فيه الهجمات ضد الانتقالي في ابين وشبوة، وهما المحافظتين اللتان عرفتا تاريخيا بمناهضتهما لـ”الطغمة” التي تتراس قيادتها حاليا الانتقالي.
وسقط عددا من القتلى والجرحى باستهداف رتل عسكري للانتقالي شرق مودية بعبوات ناسفة. ويعد الهجوم الثاني في أقل من 24 ساعة، حيث سبق وأن سقط 10 قتلى وجرحى بهجمات مماثلة مساء الثلاثاء في مديرية المحفد المجاورة.
في السياق، أعلن تنظيم القاعدة استهداف اثنين من كبار قادة الانتقالي في أبين أبرزهم المرفدي قائد قوات الطوارئ في المناطق الوسطى. هذه الهجمات تتزامن أيضا مع بدء قبائل في شبوة بمهاجمة قوات العمالقة الجنوبية، حيث أفادت مصادر محلية في مديرية عياذ النفطية سقوط قتيلان بمواجهات بين قبائل القراميش والعمالقة على خلفية ضرائب القات.
والتطورات الأخيرة تأتي بالتزامن مع تصعيد السعودية ضد الانتقالي ردا على محاولته اقتحام الهضبة النفطية لحضرموت، وتوعد خبراء سعوديين أبرزهم تركي القبلان من نقل المعركة إلى جنوب اليمن، معقل الانتقالي، مذكرا بسيناريو الحرب التي اندلعت بين الجبهة القومية وجبهة تحرير الجنوب في ستينات القرن الماضي.
تلويح بالخطة “ب” لإسقاط عدن
لوّحت السعودية، الأربعاء، بإسقاط عدن، المعقل الرئيسي للانتقالي، الموالي للإمارات، عسكريا. يتزامن ذلك مع تصاعد مخاوفها من إسقاط هضبة حضرموت النفطية. وقال الخبير السعودي، علي عريشي، إن بلاده نجحت من طرد فصائل الانتقالي من قاعدة العند العسكرية وإحلال فصائل “درع الوطن” التابع لها هناك. والعند تعد الحامية الشمالية لعدن.
كما أن الاستعراض السعودي بها في هذا التوقيت يحمل رسالة للانتقالي من أن السعودية تخطط لإسقاط عدن في حال سقطت سيئون ضمن خطط “ب”. ويأتي التهديد السعودي في وقت كشف فيه خبراء مخاوف الرياض من سقوط حضرموت. ووصف الخبير السعودي تركي القبلان الوضع في حضرموت بالخطير.
وتشهد المحافظة النفطية التي تسعى السعودية لإبقائها تحت وصايتها تحشيدات عسكرية من قبل القوى الموالية للإمارات في إطار ترتيبات لتصعيد عسكري محتمل.
اعتقالات ومداهمات واسعة بمأرب
شنت قوات أمنية تابعة لحزب الإصلاح، ظهر اليوم الأربعاء، حملة اعتقالات ومداهمات واسعة طالت الأحياء الغربية لمنطقة المجمع الحكومي في محافظة مأرب.
ونفذت ما تُعرف بـ”قوات الأمن الخَاصَّة” الخاضعة لسيطرة الإصلاح حملة اعتقالات ومداهمات واسعة في الأحياء الغربية للمجمع وأقدمت على اعتقال عددٍ من سكان تلك الأحياء بشكل مفاجئ.
ووفقاً لمصادر أمنية في المحافظة فإن هذه الحملة تأتي في سياق التخوف من “انقلاب مرتقب” على سلطة الإصلاح في المحافظة. كما أشارت المصادر إلى أن معظم المعتقلين من أبناء محافظتي عدن وأبين وبعظهم عمل مجنداً في معسكرات تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي خلال السنوات الماضية
الانتقالي يهدد بمعركة وجودية في حضرموت
هذا وواصل المجلس الانتقالي، المنادي بانفصال جنوب اليمن، الأربعاء تصعيده في ملف الهضبة النفطية لحضرموت وسط محاولة لعقد مقايضة مع السعودية. وعاود انصار المجلس احتجاجاتهم الليلية في المدن الرئيسية لوادي حضرموت.
وتداول ناشطون صور المئات من “شباب الغضب” الجناح المحلي للانتقالي، وهم يجوبون على متن دراجات نارية شوارع مديريات القطن وتريم، رافعين اعلام الانتقالي ويرددون هتافات تطالب بخروج العسكرية الأولى. وتأتي التظاهرات الجديدة بالتوازي مع تحشيدات عسكرية للفصائل المدعومة اماراتيا صوب المحافظة تمهيدا لتصعيد عسكري.
في السياق، جدد المجلس الانتقالي تمسكه بمطالب خروج القوات المتمركزة في هضبة حضرموت النفطية. ونقلت قناة المجلس الرسمية المعروفة بـ”عدن المستقلة” عن مصادر تحذيرها من فرض معركة وجودية في وادي حضرموت، مشيرة إلى أن القوى الجنوبية في حالة تأهب لأي تطور.
والمحت المصادر إلى نية الانتقالي عقد صفقة مع السعودية تتمثل بعدم التوغل باتجاه المناطق الصحراوية المحاذية للسعودية مقابل تسليمه الوادي. ولا يزال الوضع متوتر في المحافظة مع رفض السعودية أي موطئ قدم للانتقالي واصرارها على إجلاء قواته.
هل يتكرر سيناريو معركة الوديعة؟
أعاد التصعيد المتبادل بين السعودية والقوى الجنوبية الموالية للإمارات في اليمن، معركة الوديعة إلى المشهد، فما إمكانية تفجر المواجهة وما هي قدرات كل طرف في حسم المعركة لصالحه؟ ففي السابع والعشرين من نوفمبر من العام 1969 ، شنت القوات في دولة ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية هجوما على مواقع القوات السعودية في الوديعة بعد أن كانت تلك القوات ابتلعت الكثير من أراضي صحراء الربع الخالي التابع لمحافظة حضرموت حاليا.
كان الهجوم بمثابة بداية حرب بين الطرفين استمرت لـ10 أيام وقادها الملك سلمان حاليا لتنتهي في السادس من ديسمبر من العام ذاته بهزيمة مرة للقوات الجنوبية وابتلاع القوات السعودية المزيد من الأراضي اليمنية. رغم قدم هذه المعركة إلا أن التوتر الحاصل بين المجلس الانتقالي والسعودية في حضرموت دفع ناشطين لاستدعائها، فهل يتكرر السيناريو ذاته أم مجرد تلميح بالثأر؟
خلافا للمعركة السابقة والتي تمت تحت قيادة دولة منظمة ومدعومة من الاتحاد السوفيتي حينها، تختلف الحالة الجديدة، مع مسارعة الانتقالي لتجاهل الحديث عن صحراء حضرموت التي تطمح السعودية للسيطرة عليها ضمن مخطط يهدف لفصل المحافظة الثرية، وهي خطوة تكشف مساعي الانتقالي الابتعاد عن التصادم مع السعودية وربما مغازلتها لعدم اعتراض طريقه للسيطرة على وادي حضرموت الذي يضم القليل من حقول النفط وابرزها بترو مسيلة.
وهذا الهدف باتت تدركه السعودية وفق ما يراه خبيرها علي العريشي ، لكن ما لم يدركه الانتقالي بان الدفاع السعودي عن حضرموت ومحاولة رسم مستقبل لها خارج دائرة اليمن لا يتعلق بالصحراء التي أصبحت أصلا تحت الوصاية السعودية بل بأبعاد جيوسياسية تتعلق بموقعها الجغرافي وحقولها النفطية وثرواتها الأخرى من الذهب والمعادن.
كانت معركة الوديعة السابقة تتعلق بمقدرات وطن بجغرافيته وثرواته، لكن ما يدور حاليا ليس اكثر من محاولة للسيطرة على حقول النفط خدمة لأجندة إماراتية لم تعد خفية، وهذا بات كما يبدو مدرك من قبل السعودية التي تحاول توجيه ضربات إعلامية لأبوظبي من تحت الحزام، لكن الأخطر في الأمر أن القوات السعودية التي كانت في الستينات تتمركز على حدودها أصبحت قواعدها اليوم منتشرة داخل عدن، معقل الانتقالي.
ومحيطها وتمتلك فصائل لا متناهية بدء من الإصلاح وصولا إلى درع الوطن واليمن السعيد إلى جانب القاعدة و”داعش” ناهيك عن التحالفات مع القبائل وجميعها تتمركز في مناطق الانتقالي وتنتظر صافرة البداية لإسقاط المدن الجنوبية تباعا والأهم أن الرياض تتحكم بمصير وضعه المعيشي وقوت يوم قياداته.
قد تشهد حضرموت خلال الايام المقبلة تصعيد اكبر بين السعودية التي ظلت تتخفى في معاركها خلف الفصائل الموالية لها وتحديدا الإصلاح والانتقالي الذي تدفعه الامارات ويدير معركته ضباطها، لكن يبقى إمكانية وصول الانتقالي إلى حدود السعودية أو حتى اطراف حضرموت مستحيلا ليس فقط لأنه في مهمة لاجندة إقليمية بل أنه لا يملك قرار نفسه أيضا.