تظهر المخاوف الإسرائيلية بشأن احتمال تفجّر الأوضاع في الضفة الغربية، ونشوب انتفاضة جديدة، جلية في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين وتقارير إعلام الكيان الصهيوني.
يُجمع المسؤولون الإسرائيليون، على أنّ الضفة الغربية تشكل خطراً وتحدياً كبيراً أمام الاحتلال، في ظل تزايد العمليات الفلسطينية، والإرادة الشعبية لمناهضة الاحتلال، والدعوات المستمرة إليها.
هذه المخاوف تأتي في ظل ارتفاع منسوب العمليات الفلسطينية في الضفة في الآونة الأخيرة، وخصوصاً بعد عملية “سيف القدس” وخلالها، والحالة المستجدة في الضفة الغربية، ولا سيما في المحافظات الشمالية التي باتت تخيف قوات الاحتلال.
ولم تعد صور مئات الفلسطينيين يهاجمون بحجارة وذخيرة حية قوات الاحتلال الإسرائيلي ترِد من جنين أو نابلس فقط، بل باتت هذه الصور تأتي، في الأسابيع الأخيرة، من “كل مدينة ومن كل قرية، وحتى من المنطقة التابعة لبلدية القدس”، وفق الإعلام الإسرائيلي.
وحسب الإعلام الإسرائيلي، فإنّ غالبية هجمات إطلاق النار ورشق زجاجات حارقة، التي تقع حالياً في كل ليلة تقريباً، موجّهة ضد أهدافٍ عسكرية، وخصوصاً أبراج حراسة، ومواقع وحواجز الجيش الإسرائيلي على طرقات الضفة.
وتلاحظ المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية “حافزية عالية جداً لدى الفلسطينيين لتنفيذ هجمات”، وفي إثر ذلك، قامت قوات الاحتلال بسلسلة من الإجراءات لإحكام القبضة على الضفة، من حملات اعتقال، ومداهمات، تحول أغلبها إلى معارك مسلحة عنيفة.
ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، فإنّ “كل دخولٍ ليلي للجيش الإسرائيلي لتنفيذ اعتقال في أي منطقة فلسطينية أيًا كانت، يصطدم اليوم بعنفٍ قاسٍ وواسع”.
وذكر تقرير معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي لعام 2022 أنّ أحد أبرز التهديدات التي تواجه الاحتلال هي الجبهة الداخلية في فلسطين المحتلة. وجاء في التقرير أنّ “الساحة الفلسطينية تشكل تحدياً خطراً أمام إسرائيل”، وأنّ “الوضع الأمني في الضفة الغربية يغلي، لكن إسرائيل تحاول السيطرة عليه عبر أنشطة مكثّفة لقواتها، بالتنسيق مع أجهزة السلطة الفلسطينية”.
ولكن لجأ الكيان مؤخراً إلى قطر في محاولة أخرى لكبح جماح العمليات التي تُنفذها المقاومة، علمًا أنّ التوجّه لقطر، جاء بعد الرسالة التي بعثتها القيادة الإسرائيليّة إلى رئيس السلطة الفلسطينيّة في رام الله، محمود عبّاس، لوضع حدٍّ لما أسمته المصادر بتل أبيب الفلتان الأمنيّ، وجاءت هذه التطورّات على وقع التحذير المصريّ لحكومة يائير لبيد بأنّ الضفّة الغربيّة غدت قاب قوسيْن أوْ أدنى من الاشتعال.
وفي هذا السياق، رأى المُستشرِق إيال زيسر، أنّ “الانطباع الذي يحصل عليه المرء من متابعة الإعلام العبريّ هو أننا لسنا في خضم تصعيد كبير لموجات الهجمات (عمليات المقاومة) من اليسار واليمين، لكن هذا الشعور المخادع يمكن أنْ يكون مجرد الهدوء ما قبل العاصفة، وفي الحقيقة العاصفة قد وصلت بالفعل، فلا يمُرّ يوم دون أحداث عنيفة بين الجيش الإسرائيليّ وحشود فلسطينية أوْ دون أنْ تتحول بعض الغارات على قرية فلسطينية إلى ساحة معركة حيث اشتبك مئات السكان مع القوات التي ردت بالنيران”، على حدّ تعبيره.
البروفيسور زيسر، وهو من كبار المحللين والباحثين في مركز (ديّان) ونائب رئيس جامعة تل أبيب، أضاف إنّه “لا يمر يوم دون وقوع هجوم (عملية) طعن أوْ حادثة دهس، كما كان هناك ارتفاع في عدد الضحايا الفلسطينيين، حيث أدت كل حالة وفاة إلى تأجيج التوترات بشكل أكبر”، وفق أقواله.
وشدّدّ المُستشرق على أن “جنين قد تكون عاصمة الإرهاب، النقطة الساخنة الرئيسية، لكن غور الأردن أصبح مؤخرًا بؤرة ساخنة، كما حدث في منطقة بنيامين، وشهدت نابلس والخليل ومنطقة القدس (بما في ذلك أحيائها العربية) حوادث عنف يومية. بعبارة أخرى، منطقة يهودا والسامرة (الاسم التناخيّ التوراتيّ للضفّة الغربيّة) مشتعلة”، كما قال.
وأشار المستشرق أيضًا إلى أنّ “البعض حاولوا تفسير هذا التطور على أنّه نتيجة الزوال النهائي للسلطة الفلسطينية، أو على الأقل أن الرئيس محمود عباس البالغ من العمر 87 عامًا، والسلطة ضعيفان ويفتقران إلى الإرادة لفرض النظام في المناطق التي يسيطران عليها، لكن المستقبل سيكون أسوأ لأن أولئك الذين سيحلون محل عباس لن يتمتعوا بنفس الشرعية التي يتمتع بها الشخص الذي كان الذراع اليمنى لياسر عرفات، ولذا يمكن أنْ يُعزى ارتفاع العنف أيضًا إلى الرياح الخلفية التي تلقاها الفلسطينيون من أولئك الذين يُفترض أنهم حلفاء لإسرائيل وعادة ما يدعمون حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، طبقًا لتحليله.
ونبّه البروفيسور زيسر إلى أنّه “يجب أنْ نتذكر أنّه لم يتوقع أحد الانتفاضات الماضية التي اندلعت بشكلٍ عفويٍّ وبالتدريج دون أنْ ينسقها أحد من أعلى إلى أسفل، وكانت الجماهير هي التي قادت أعمال العنف (أعمال المقاومة) مجرى الأحداث، وفاجأت إسرائيل التي لم تكن مستعدةَ، لذلك تأخر الرد وفُقدت السيطرة لفترةٍ”، كما قال.
كما أكّد البروفيسور زيسر أنّ “نتيجة الانتفاضة الأولى هي اتفاقات أوسلو، والانتفاضة الثانية جاءت بفك الارتباط عن غزة حيث انسحب الجيش الإسرائيليّ من غزّة وشمال السامرة عام 2005. يجب أنْ نتذكر أن القصة الصهيونية بأكملها والقتال على هذه الأرض هي قصة موجات عنف تظهر وتتلاشى لتعاود الظهور”، على حدّ زعمه.
من جهته، ينقل الباحث في معهد دراسات الأمن القومي التابع للجامعة العبرية عوفير شيلح عن مسؤولي الأمن في الجيش وجهاز الأمن العام “الشاباك” قولهم إن الوضع في الضفة الغربية “قد يتدهور في أي لحظة”. وتابع: “حتى مع المعلومات الاستخباراتية التي قدمها الشاباك، والغارات المستمرة على الضفة الغربية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، ستبقي المشكلة داخل الجيوب الفلسطينية، ولن تحل أي شيء”.
بدوره أكد عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حسام بدران، أن هناك تراكماً في أعمال المقاومة بالضفة الغربية، وأن الجيل الجديد يقول للعالم “سنضع بصمتنا كما الذين من قبلنا”.
وقال بدران في تصريحات صحفية نُشرت على موقع كتائب عز الدين القسام الإلكتروني: “نقول لأهلنا في الضفة أنتم في الميدان، والقادرون على تغيير المعادلة مع الاحتلال الذي بات يخشى من تفاقم المقاومة واتساعها وتطورها في كل أنحاء الضفة”.
وأوضح أن العمليات التي كانت على أرض غزة والضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 48 والتي كانت لفصائل المقاومة وفي مقدمتها كتائب القسام الأثر الأكبر على قرار العدو بالاندحار عن قطاع غزة.
وأضاف:” إن الضفة المحتلة أريد لها أن تترك المقاومة، ومورست على أجيالها الشابة ضغوط، ودُفعت أموال لأجل حرف البوصلة وممارسة كيّ الوعي لإبعاد الشباب عن المقاومة”.
ولفت إلى أن “شارون” الذي كان يقول إن “نتساريم مثل تل أبيب” كما يقول قادته الآن إن مدن الضفة مثل “تل أبيب”، سيكون لهم الاندحار عنها كما اندحروا عن غزة بفضل المقاومة، وهو مقدمة الاندحار التام من كل فلسطين من البحر حتى النهر.