على الرغم من أن البرد والفيضانات قد غطت باكستان هذه الأيام، إلا أن التطورات السياسية في هذا البلد تتم متابعتها بشکل ساخن، على عكس الطقس.
عاد عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني السابق الذي أطيح به في آذار/مارس بعد انقلاب سياسي، إلى الأضواء الباكستانية الآن مع تنظيم مسيرات كبيرة في الأسابيع الأخيرة، لدعم عودته إلى السلطة.
وبما أن الشعبية المتزايدة لعمران خان تعتبر تهديدًا للحكومة الجديدة في باكستان، فإن حكام إسلام أباد يفكرون في إيجاد طرق للسيطرة على تحركاته.
قال عمران خان مرارًا وتكرارًا إنه أطيح به من السلطة بانقلاب عسكري أملاه الأمريكيون، ولهذا السبب لا يعتبر البرلمان الباكستاني الحالي شرعيًا ويدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة؛ وهي انتخابات، حسب قوله، سيحدد نتائجها من يستحق لقب رئيس الوزراء.
السعي لإزالة عمران خان من السياسة
خطابات عمران خان النارية ضد حكام باكستان الحاليين لم تعجب حكومة شهباز شريف، وقد صمموا سيناريوهات جديدة لإزالة هذه العقبة الكبيرة من طريقهم.
وفي هذا الصدد، اتهمت الشرطة الباكستانية عمران خان بانتهاك قوانين مكافحة الإرهاب وتهديد المسؤولين الحكوميين الشهر الماضي، وبعد ذلك داهمت قوات الأمن منزله وطوقته. وقد أثارت هذه القضية غضب أنصار خان، وتجمع الآلاف أمام منزله وطالبوا بالإفراج عنه.
كما اتهمته الشرطة بتنظيم تجمعات غير قانونية من شأنها الإخلال بالنظام والأمن العام. هذا فيما قال عمران خان ومسؤولون في “حركة الإنصاف”، إن تجمعات أنصاره نُظمت دون عنف وكل هذه اتهامات كاذبة.
من ناحية أخرى، ومن أجل زيادة التهم الموجهة إلى عمران خان، أصدرت محكمة إسلام آباد العليا قراراً يدينه بحجة إهانة قاض، وذلك تمهيدًا لسجنه.
وعلى الرغم من أن المحكمة العليا قالت إن على عمران خان التعبير عن ندمه على تصريحاته حتى يمكن تخفيف التهم الموجهة إليه، قال خان في مقابلة مع الصحفيين خارج مبنى المحكمة إنه طلب التحدث مع القضاة، لكن لم يُسمح له بذلك.
وبعد أن هدد عمران خان ضابطي شرطة إسلام أباد وقاضٍ في برنامج تلفزيوني مباشر، حُرم من الحق في التحدث على الهواء مباشرةً. كما حظرت الشرطة وصول خان إلى موقع يوتيوب حتى لا يتمكن من التعبير عن معارضته للعالم، من خلال الحديث على الشبكات الاجتماعية.
يمتلك خان أكثر من 17 مليون متابع على تويتر، وهي نسبة أعلی من العديد من أفضل البرامج الإخبارية الليلية في باكستان، ومن خلال هذه الشبكات الاجتماعية يمكنه تسليط الضوء على السلطة الحاكمة في باكستان.
لذلك، حرمت إسلام أباد عمران خان من أي منصة، لأنها تعلم أنه يمكن أن يحرض الناس مرةً أخرى بتصريحاته في محادثة عامة عبر وسائل الإعلام، لأن السلطات الباكستانية نفسها تعلم أنه لم يرتكب جريمةً، وكل هذه الاتهامات موجهة إليه لإبعاده عن الساحة السياسية.
يزعم رئيس الوزراء ومسؤولو الجيش أن خطابات عمران خان تستهدف أعمال الشغب في الشوارع وتعطيل الأمن الداخلي، وهو ما يجب التعامل معه. لكن خان يقول إن ما يفعله عمليًا هو مجرد تجمع لمعجبيه، وهو ما لا يمثل تهديدًا للأمن القومي، إلا أن إسلام آباد لا تقبل هذه المسألة، وشهباز شريف رئيس الوزراء يعتبر هذه المسألة تهديداً لرئاسته.
إن سياسات الحكومة والجيش ضد عمران خان، كما صرح هو نفسه مرات عديدة، تم إملاؤها من قبل مسؤولي البيت الأبيض، حيث تكون هناك حكومة مطيعة وتابعة في إسلام أباد.
لأن السبب الرئيسي لإقالة خان من رئاسة الوزراء كان زيارته إلى روسيا بعد اندلاع حرب أوكرانيا، وعدم معارضته للهجمات الروسية، وقد توصل الأمريكيون إلى نتيجة مفادها بأن وجوده في هرم السلطة في باكستان خطر على مصالح واشنطن، وتجب إقالته من السلطة في أسرع وقت ممكن.
قال عمران خان مؤخرًا خلال حديثه في اجتماع أنصاره، إن قادة حزب الشعب والرابطة الإسلامية يحاولون تعيين قائدهم المفضل قائدًا للجيش، حتى تمهد قيادة الجيش الطريق لخصوم عمران خان لإجراء الانتخابات ومواصلة حكمهم.
تشير هذه التصريحات إلى أنه سيكون هناك تزوير في الانتخابات المقبلة، وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء نفى هذه المزاعم، إلا أنه ثبت للجميع أنه في باكستان فإن الجيش ووكالة المخابرات “آي إس آي” هم أصحاب السلطة الرئيسية، ويمكن للمسؤولين الحكوميين البقاء في السلطة طالما أنهم يتماشون مع سياسات الجيش، وإذا انحرفوا عن مواقف الجيش قليلاً، فإن الوضع سيتغير.
بمعنى آخر، مجيء الحكومات وذهابها ومدة وجودها في هرم السلطة يعتمد أيضًا على رأي مسؤولي الجيش، الذين يقررون ما يجب القيام به فيما يتعلق بالظروف السائدة في المجتمع. منذ إقالته من السلطة، دعا عمران خان إلى انتخابات مبكرة، ووعد بإسقاط حكومة شهباز شريف من خلال الضغط الشعبي.
وعلى الرغم من عزل خان من السلطة عبر التصويت وحجب الثقة، إلا أنه لا يزال يراهن على دعم العديد من الناخبين الباكستانيين للعودة إلى السلطة، ولهذا الغرض طلب من الحكومة إجراء انتخابات مبكرة، لكن إسلام أباد التي تعتبر فوز عمران خان في الانتخابات المقبلة محتملًا، لم توافق على هذا الطلب حتى الآن.
تحاول الحكومة تضييق المجال أمام الأنشطة الاجتماعية والسياسية لعمران خان، لإجباره على التراجع والحصول على ضمان منه بأنه لن يكون مهتمًا بعد الآن برئاسة الوزراء، وأنه سينسحب أيضًا من أي نشاط سياسي، حتى تتم تبرئته من التهم.
الحرب الأهلية تتربص بالباكستانيين
بالنظر إلى أن التوترات السياسية في باكستان تتزايد يومًا بعد يوم، يمكن أن تؤدي هذه القضية أيضًا إلى تفاقم التوترات الاجتماعية.
وبما أن الشرطة والمحكمة العليا في باكستان تخططان لإرسال عمران خان إلى السجن إذا لزم الأمر، من أجل إبعاده عن الناس والحد من أنشطته السياسية، لكن تحذير الناس وحركة الإنصاف من عواقب سجن خان، يمكن أن يجلب تحديات جديدة لإسلام أباد.
وفي هذا الصدد، يقول مايكل كوجلمان، نائب مدير برنامج آسيا في مركز ويلسون بواشنطن: “إذا تم اعتقال خان بالفعل، فسوف يتغير كل شيء وستشهد باكستان خطرًا متزايدًا من العنف السياسي في المدن الكبرى. لأن خان لديه قاعدة شعبية غاضبة لن تقف مكتوفة الأيدي”.
كما حذرت حركة الإنصاف الباكستانية من أنه إذا تم اعتقال خان، فسوف تنظم مسيرات على مستوى البلاد، ويتحدث أنصار خان عن السيطرة على إسلام أباد إذا تم اعتقال زعيمهم. ومع ذلك، يبدو أن الأحزاب الباكستانية القديمة، التي كانت دائمًا في السلطة، بدأت مشروعًا لإزالة خان.
وبما أن عمران خان لا يرغب في التراجع عن مواقفه رغم التهديدات والاتهامات الموجهة إليه وهو يحاول كسب رأي مؤيديه بخطبه وتصريحاته، ومن ناحية أخرى لم تستطع الحكومة والجيش وضعه تحت سيطرتهم، لذلك يشعر بعض المحللين بالقلق من أن هذا الصراع على السلطة سيتحول في النهاية إلى العنف.
وحسب مجلة تايم، فإن حالة عدم الاستقرار السائدة في باكستان، بما في ذلك شائعات عن انقسامات بين الفصائل المؤيدة والمناهضة لخان في الجيش؛ ستضعف هذا الجهاز الأمني أيضًا.
كما زعمت حركة طالبان الباكستانية مؤخرًا أنها استعادت السيطرة على جزء من منطقة سوات في شمال هذا البلد، وبالتالي، فإن الوقت الآن خطير جداً لکي تحدث انقسامات في صفوف الجيش الباكستاني.