على الرغم من أن الدول العربية في الخليج الفارسي تحتل المرتبة الأولى من حيث مصادر الطاقة، إلا أن الوضع المائي في هذه البلدان حرج للغاية لدرجة أنها تلجأ إلى أي إجراء من أجل بقائها لتوفير المياه التي يحتاجها مواطنوها، كتبت صحيفة نيويورك تايمز، في تقرير عن السباق الذي بدأته دول الخليج الفارسي لتخصيب السحب في ظل الجفاف، أن الإمارات سرقت الصدارة من أبناء عمومتها الآخرين.
وأكدت هذه الصحيفة أن الجهود المتزايدة للإمارات لتخصيب السحب من المحتمل أن تزيد من موجة الجفاف في دول الخليج الفارسي بسبب قلة هطول الأمطار في الدول العربية في الخليج الفارسي، والتي انخفضت بنسبة 20٪ خلال العقود الثلاثة الماضية، لذا فإن الحكومات العربية في المنطقة في حاجة ماسة إلى زيادة المياه العذبة، ويرى الكثيرون أن الأمطار طريقة سريعة للتعامل مع هذه المشكلة.
وحسب تقرير نيويورك تايمز، تعتبر الإمارات من الدول المتقدمة في المنطقة في هذا المجال ولديها خبرة كبيرة في هذا المجال، لأنها تستخدم أحدث الإمكانات المتاحة وأحدث الأجهزة المتطورة. لذلك أطلقت دولة الإمارات برنامجًا طموحًا لتنفيذ عمليات البذر وخصصت مئات الملايين من الدولارات لهذا الجهد من خلال تلقيح الغيوم بمواد كيماوية لجلب الأمطار.
يساعد التخصيب السحابي على زيادة حصاد مياه الأمطار السنوي، ودعم حالة المياه في البلاد، ودعم تخزين المياه الجوفية الاستراتيجي، لكن جهود التخصيب السحابي تثير مخاوف من أن أحد البلدان قد يستنزف السحب على حساب امطار البلدان الأخرى. يقول علماء تغير المناخ إن عمر السحابة، وخاصة السحب الركامية التي من المحتمل أن تنتج أمطارًا، تقل عن ساعتين. في بعض الأحيان، يمكن أن تستمر الغيوم لفترة أطول، ولكن نادرًا ما تكون طويلة بما يكفي للوصول إلى دولة أخرى، حتى في منطقة الخليج حيث تقترب عدة دول من بعضها البعض.
لطالما كانت الإمارات العربية المتحدة رائدة في تلقيح سحاب الأمطار، وقد أدت الزيادة في عدد سكان الإمارات العربية المتحدة من 100000 في الستينيات لنحو 10 ملايين في عام 2020 إلى زيادة أهمية الأمن المائي، وبالتالي زاد الطلب على المياه، ويتم تلبية هذا الطلب من خلال محطات تحلية مياه البحر، ولكنه مكلف للغاية مقارنة ببرنامج التلقيح الذي توليه الحكومة اهتمامًا كبيرًا، والذي يستفيد من أي طقس واعد للأمطار.
مستقبل مقلق للدول الخليجية
تحاول الدول العربية توفير احتياجاتها المائية من جميع الطرق الممكنة، بينما ينتظرها مستقبل بائس وفقًا لتقرير المنظمات الدولية، حيث ترتفع درجة حرارة غرب آسيا ضعف المتوسط العالمي وستكون أكثر دفئًا بمقدار 4 درجات مئوية بحلول عام 2050. وفقًا لتقرير البنك الدولي، وتواجه الدول الغنية بالنفط في الخليج الفارسي العديد من المشاكل بسبب نقص المرافق الأساسية مثل المياه والكهرباء، والتي يحتاجها الناس بشدة للهروب من الحر والجفاف، كما أن هذه البلدان لديها بنى تحتية متداعية ومشاكل عميقة في مجال الابتكارات في هذا المجال والطاقات المتجددة.
يقول الخبراء إن الإصلاحات التي تشجع المؤسسات والشركات على استخدام الطاقة النظيفة في غرب آسيا وتقليل الكربون ضرورية في هذه البلدان، حيث زادت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في المنطقة بأكثر من ثلاث مرات في العقود الثلاثة الماضية، ما تسبب في قلق الخبراء من أن الزيادة الحادة في درجات الحرارة من ناحية ونقص الخدمات الأساسية من ناحية أخرى سيجعل هذه المنطقة مكان ضعيف.
تواجه الدول العربية في غرب آسيا أزمة جفاف منذ عقود بسبب قلة هطول الأمطار وقضية الغبار الناعم، ويحذر الباحثون دائمًا من تزايد الجفاف في هذه المنطقة، حيث إن سرعة التغيرات البيئية في غرب آسيا أكبر من أي مكان آخر على هذا الكوكب، وحتى المنظمات الدولية حذرت من أن تصبح العديد من مناطق غرب آسيا غير صالحة للسكن.
وهنا تشير نتائج البحث حول تغير المناخ، بما في ذلك ارتفاع درجة حرارة الأرض وانتشار حرائق الغابات التي تدمر آلاف الهكتارات من الأراضي في المنطقة كل عام، إلى أنه بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، ستصبح العديد من المدن المهمة في الشرق الأوسط سوف غير صالحة للسكن.
على الرغم من أن منطقة الخليج الفارسي تمثل معظم موارد النفط والغاز في العالم؛ لكن في مجال الموارد المائية، فهي من بين المناطق الفقيرة، والبلدان المحيطة بها تواجه أيضا نقصًا حادًا في المياه وأزمة جفاف. تمتلك معظم البلدان في هذه المنطقة موارد مياه سطحية وجوفية مشتركة، وقد تسبب استغلالها دائمًا في حدوث صراعات مختلفة بين هذه البلدان. ونتيجة لذلك، فإن الدول العربية مثل الكويت وقطر والبحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هي من بين الدول العشر الأولى في العالم التي لديها أقل موارد مائية للفرد.
كتبت صحيفة القدس العربي مؤخرا في تقرير عن نقص الموارد المائية في الدول العربية أن دول الشرق الأوسط والمنظمات الدولية دقت ناقوس الخطر بشأن نقص الموارد المائية. ربطت المنظمات الدولية سبب نقص المياه في هذه البلدان بالقضايا الجغرافية والتغيرات المناخية في الشرق الأوسط. كما تظهر تقارير الأمم المتحدة أن 17 دولة عربية تقع على خط الفقر الأزرق.
المبادرة العربية للتعامل مع الجفاف
يعتقد القادة العرب أنه من أجل منع حدوث كارثة بيئية، من الضروري الحد من الاستهلاك المفرط للمياه والطاقة ووضع قوانين جديدة لتوفير استهلاك المياه في جميع المباني. وهم يعتقدون أن الإمداد بالمياه والطاقة بالمجان لن يكون ممكناً بعد الآن ومن الضروري إجراء تغييرات في هذا المجال؛ لذلك، مع الوعي والتعليم المناسب، اتخذوا تدابير مفيدة للحفاظ على المياه وتخزينها، وإن أهم حل لمعظم الدول العربية للتعامل مع أزمة نقص المياه هو استخدام أجهزة تنقية المياه بتقنيات غربية.
كما أن دولة الإمارات العربية المتحدة، التي توفر بعض احتياجاتها المائية من خلال هطول الأمطار الاصطناعية من خلال التخصيب السحابي في السنوات الأخيرة، قد وضعت طرقًا أخرى على جدول الأعمال. لهذا الغرض، تتطلع هيئة البيئة في أبو ظبي إلى تنفيذ مشروع بقيمة 20 مليار دولار للاستثمار في الطاقة المتجددة.
كما أن مدارس هذه المدينة في منافسة صحية لمنع إهدار المياه وتعليمها بشكل صحيح. كما تم تجهيز أكثر من ألفي مسجد في الإمارات بأجهزة ترشيد استهلاك المياه وتوفر ملايين الجالونات من المياه أثناء الوضوء كل عام، وإضافة إلى ذلك، بدأت أبو ظبي ودبي في بناء أكبر خزان للمياه الجوفية في العالم بسعة 26 مليون متر مربع من المياه العذبة، والذي سيخزن ما يكفي من المياه لمدة 90 يومًا.
وحسب الإحصائيات التي أعلنت عنها المنظمات البيئية، من حيث إنتاج المياه العذبة من البحر، احتلت دول أمريكا والسعودية والإمارات المرتبة الأولى إلى الثالثة عالميا على التوالي. حاليًا، تتركز 60٪ من طاقة تحلية المياه وتحلية المياه في العالم في الخليج الفارسي. تعادل قدرة تحلية المياه في المملكة العربية السعودية وحدها 30٪ من قدرة العالم، لكن على الرغم من ذلك، لا تزال هذه الدولة تواجه نقصًا في الموارد المائية.
ففي المملكة العربية السعودية، 27 محطة لتحلية المياه تنتج 7.5 ملايين جالون من المياه يوميًا، أي حوالي 70٪ من مياه الشرب الوطنية، ومعظمها مخصص للمناطق الحضرية. المملكة العربية السعودية، التي خفضت إنتاجها المحلي من القمح بنسبة 12.5٪ في عام 2008 لتوفير الموارد المائية، تحاول حاليًا دفع إعانات للتجار لشراء أراضٍ في أفريقيا بهدف مضاعفة احتياطياتها من القمح، ورفعها إلى 1.4 مليون طن.
الكويت دولة أخرى في الخليج الفارسي، والتي حسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) ستكون الدولة الأقل ثراءً بالمياه في العالم في العقود القادمة، وشدة تبخر المياه عالية جدًا، ولا توجد فيها أنهار أو بحيرات مستقرة. لذلك، تعد وحدات تحلية المياه المصدر الرئيسي للمياه العذبة للشرب والاستخدام المنزلي في الكويت، حيث يتم توفير 92٪ من المياه اللازمة للاستخدام المنزلي والصناعي و60٪ من إجمالي المياه المطلوبة في الكويت عن طريق وحدات تحلية المياه.
مع إنشاء سبع من هذه الوحدات، زادت قدرة تحلية المياه في هذا البلد من صفر متر مكعب في اليوم في عام 1953 إلى 3 ملايين متر مكعب يوميًا في عام 2013. وفقًا لإحصاءات البنك الدولي لعام 2013، كان نصيب الفرد من موارد المياه المتجددة المحلية في الكويت صغيرًا جدًا. ومع ذلك، فقد تمكنت هذه الدولة من توفير المياه اللازمة لتنميتها الاقتصادية والسكانية من خلال استيراد المياه وتحلية مياه البحر.
على الرغم من الحلول الحديثة للعرب لتزويدهم باحتياجاتهم المائية؛ يعتقد خبراء البيئة أن المياه المحلاة التي تستخدمها الدول العربية في الخليج الفارسي هي واحدة من أخطر مصادر تلوث المياه في الخليج الفارسي، وفي السنوات الأخيرة، فقدت العديد من الحيوانات المائية في الخليج الفارسي بسبب هذه العوامل البيئية، و يشير البحث الجديد الذي أجراه خبراء البيئة إلى أن الظروف البيئية الحرجة في الدول العربية في الخليج الفارسي تتطلب تدابير فورية، وقد تم حتى الآن تكبد هذه البلدان خسائر مالية وصحية كبيرة.
أصبحت أزمة الجفاف والتصحر خطيرة ومقلقة لدرجة أن العديد من الخبراء حذروا في العقد الماضي من أن الحروب المستقبلية في المناطق الحارة والجافة لن تكون بسبب امتلاك النفط الثروات الباطنية، بل على المياه، وبالتالي الدول التي تتوفر فيها موارد مياه جوفية أكثر، سوف تغزوها الدول التي تفتقر إليها