إنّه الرّضيع يتلذّذ في صمتٍ حين يهتم بسمعه وينصت حين تكون الحروف باسم ” محمد” ،فكم مرّة سمع أناشيد وأغاني مافيها ذِكر اسم “محمد وما أنصت وما أعارها أيّ اهتمام ؛ لكنّه حبّك ياسيدي يارسول الله هو فطرة الله فينا يخلق مع كلّ واحد فينا ؛ كذلك العصفور لم تكن مصادفة أن يتضاعف صوت غنائه وهزيجه وكأنّه يزغرد حين سماعه اسم محمود السماوات والأرض . نعم فُطرت كائنات الله على الإسلام ، فالطيور تسبح مثلها مثل بقية الكائنات التي بها روح نابضة ونعم تنبض قلوبها بحب محمد؛ فكما هيّأ الله الكون وسخّره في محبتك وأنتَ حبيب الله واسمك منقوش على عرش الرّحمن ؛
فكيف لا يهيّؤ القلب والرّوح لمحبتك فِطرة سوية غير ذي عِوج وكيف تعوجّ روح من يعشق ويتلذّذ بذِكر اسمك (فقط ) فكيف لو رآكَ؟! حبيبي يارسول الله ، ماذا كان سيفعل ومانظرته وهل سيتنبأ كما تنبّأ ورقة بن نوفل بمجرد رؤيتك فعرف أنّكَ الرسول الخاتم ، وقبله بحيرى الرّاهب الذي رأى في وجهك ختام النّبوة.. أم أنّه سيسافر ويجوب الأرض بحثا عن النّور الإلهي ويهون عليه فُراق أهله ووطنه فقط ليتعرف على دين الحق ويتبع رسوله ، ويؤمن بك نبيا ورسولا كمافعل سلمان الفارسي؟!. أم أنّنا لو رأينا الغمامة تظلّلكَ دونا عن النّاس كنّا سنعرفك يا رسول الله ونبيه؟؟ أم أنّنا سنؤمن بك من خلال سؤال مرضعتك التي كانت حياتها جدباء فاخضرّت وأينعت بشياهها حين أرضعتك؟!
قل لي يارسول الله : كيف كنا سنعرفك لو زرتنا اليوم ،هل بشهادة زوجك خديجة بنت خويلد بأنّ الله لن يضيعك فأنت الصادق الأمين غياث الملهوف ومُقري الضيف ،متفقّد الأرحام وغيرها من صفات عرّفتكَ نبيا ورسولا قرّ بك من سمّاك حبيبه وكتب على عرشه اسمك يامحمد؟! هل كنّا سنعرفك لو زرتنا في يمن الايمان والحكمة بحبّك لنا ودعائك لنا بأن يرحم الله الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، أم هل كُنتَ ياسيدي وياحبيبي ويا سيد الكونين كُنتَ ستعرفنا في يمننا هذا وزمننا هذا ، كنتَ ستميزنا نحن_ أهل اليمن _بصبرنا وصمودنا وقيامنا بما أمرت به و انتهائنا عن ما نهيت عنه؟! وأنتَ على الصراط المستقيم ، وأنت النعمة التي كلّل الله بها البشريّة لتكون يامحمد الرسول العربي خاتم الأنبياء وتاجهم فالتاج موضوع في قمة الإنسان (أعلى الرأس) وفي غير تفضيل منّا البشر لكنّه الخالق الذي سبق ووسع كرسيه السماوات والأرض ؛
وكتب عليه ” محمد”… فمن تكون أيها المحمود في السّماوات والأرض سوى النّور الإلهي الربّاني الذي بُعثت عليه ك : ” رحمة للعالمين” وسيدا للكونين والثقلين اللذينِ وجبت محبتك عليهما وجوب وجود الحبّ والعشق لك تقرّبا لله الواحد الأحد ،مَن جعلك حبيبه ، وأنتَ الشّهاب المترصّد لشياطين الإنس والجن بقوة الحق التي خُلِقت بها منذ بدايات تكوينك إلى يوم مولدكَ الذي كان إيذانا بانتهاء وتهاوي امبراطوريات الشّر والظلام والظلم على بني البشر ففي يوم مولدك يهتزّ عرش كِسرى وإيوانه ؛ وتنها أوثانه… وتنتصر الوحدانية لله على يدك بأولئك المستضعفين والمظلومين حين صرخوا في وجه كفّار قريش صرخات بأن : الله أكبر والموت للظالمين ،، فينتصر النور على الظلام في جاهلية ماقبل أربعة عشر قرنا كما تنتصر روح محمد التي لازالت تنبض في أرواح من رحل إليهم رسول الله متمسكا بدينه الإلهي الذي حاربه عليه الوثنيون غير متقبّلين فكرة القرآن منهج حياة ؛ ليعيد التاريخ نفسه وتعود جاهلية في زمننا هذا بعد أربعة عشر قرنا من مولد البشرية وسيدها محمد بن عبدالله .. تعود جاهلية لربما هي أشد وأنكى …
جاهلية متناسقة مع تداعيات العصر من تطور في الآلة والسّلاح الذي يحاول به أحفاد أعدائك يارسول الله من أعراب وبقايا يهود ،يحاولون طمس هويتنا اليمانية والعصف بالحكمة التي أثبتها لنا كأنصار لك ؛ حين تشرّف أجدادنا بنصرك في ساعة العُسرة حينها لم تجد بُدّا من هجر الظالمين في موطنهم لتؤكد أنّ وطنك هو روح اليمانيين والذي كنتَ موطنهم فقد رحلوا إليك بأرواحهم إسلاماً بك(قبل رؤيتك) واستسلاما للسّماء التي أرسلتك رحمة للعالمين ، فآمنت أرواحهم بك غيبيا وسكنت َعقولهم وقلوبهم بسلام ولهذا أطلقتَ عليهم الأنصار ، وأوصيتَ بهم…
لكنّ الظالمين أحفاد القردة وبقايا أعرابهم ينقضون عهدهم ويرمون بوصيتك يا حبيب الله مع طائرات الموت حين اجتمعوا مع مسوخ البشر وقصفوا بلدة طيبة لإزهاق روح الإيمان والحكمة.. نعم ياحبيب الله لم يأبهوا لوصيتك فقد اعتدوا على أحفاد أنصارك ووطنهم ولم يرقبوا في طفل أو شيخ أو امرأة أو بشر أو حجر إلّا ولاذمّة… وهاهو المقارب عامين قد أحرقوا فيها محط وموطن أنصارك وضربوا أفراحنا وأحزاننا ولم يجعلوا للموت حرمة كما لم يقيموا للفرحة مكانا… قتلوا طفولة أبنائنا يارسول الله وهم يحتفلون بأطفالهم في بلدانهم … حاصرونا جوا وبرا وبحرا ؛حاصرونا في عيشنا فكنتَ أنت الحاضر في قلوبنا حين حاصرك كفار قريش في شِعب بني هاشم سنتين كاملتين…
ولأنت أسوتنا ولأنت قدوتنا وكما صبرت سنصبر وكما قاومت سنقاوم وكما هزمتهم سنهزمهم وكما انتصرت عليهم سننتصر عليهم ؛ فزُرنا لتبارك خطوات رجالنا … زُرنا ليس لنشكو ونبكي حقدهم فقد عزّت دموعنا ولن يروها مِنّا فهي تفرحهم ولكن زُرنا ياحبيب الله لتشهد انتصاراتنا..
لترى رجالنا في كرّهم يحررون مسجدك وموطنك الشّريف من بقايا مسوخهم.. زُر أبطالنا (أحفاد أنصارك) وصافحهم بيديك الشريفتين وقبّل جبينهم الطاهر ليقبلوا قدميكَ شرفا ورفعة فقد تساموا وعشقوا الشّهادة لإعلاء كلمة الله في الأرض .. زرنا يارسول الله لتباهي بالأنصار أمّتك فقد مضوا في خطاك لم ينحرفوا مثقال ذرّة..
زرنا ياحبيب الله لنفرح قلبك بأنّك الصادق الذي صدقه الله قوله عنّا _ اليمانيين_ :” أولو قوّة وأولو بأسٍ شديد. زُرنا في ذكرى مولدك فقلوبنا مشتاقة ضمأى لرؤياك .. زرنا فحنيننا إليك همس وبوح فاضت به السّماوات وفاخرت به السبع الأراضين… زرنا واسقنا من نهر حبّك لنكمل بقية مشوار النّصر ونكتب حكايته وقد بعثت فينا طاقة وروحا متجدّدة لاتكلّ ولاتملّ جهادا حتّى تعلو كلم