يخوض المتحمّسون من مناوئي المقاومة معركتهم في مقاربة الحرب الروسية الأمريكية على أوكرانيا تحت شعار التساؤل، عن كيفيّة تأييد احتلال دولة لأخرى، ولماذا لا يتمّ تأييد المقاومة في أوكرانيا إذا كانت المقاومة منهجاً صالحاً وصحيحاً؟ ويرد عليهم مناصرو المقاومة بأسئلة مشابهة، كيف تقفون مع المقاومة في أوكرانيا وترفضونها في لبنان؟ وكيف تقفون ضد دخول جيش دولة إلى دولة أخرى في حالة روسيا وأوكرانيا وتقبلونها في حالة السعودية والإمارات مع اليمن؟ وكيف تقترحون الحياد والفدرالية حلا للبنان وهو ليس بديلاً لحرب داهمة، بينما تؤيدون مع مَن يرفضه في أوكرانيا حيث يجنب حرباً حتمية، ها هي تقع وتستمر؟
اللافت في هذا النقاش أنه لم يكن بحاجة لوقت تتبين فيه الناس المواقف وتقيم الحسابات، لينطلق، فكاد ان يكون جاهزاً مع الطلقة الأولى للحرب، ولذلك لم نشهد خلطاً للأوراق في المشهد، على أساس القضايا والمواقف، فخرج بين مؤيدي الحياد في لبنان من يؤيد الحياد في أوكرانيا، أو من يؤيد المقاومة في لبنان ليؤيد المقاومة في أوكرانيا.
وهذا دليل كافٍ على أن الاصطفاف كان تلقائياً بين معسكرين، هما المعسكران القديمان الجديدان، وهو اطفاف على أساس أن الحرب روسية أميركية وليست روسية أوكرانية، فلو كانت روسية أوكرانية لما تحمّس لها الواقفون ضد أمريكا، وقد لا يجمعهم بروسيا الكثير باستثناء هذا العداء، ولو كانت روسية أوكرانية لما عارضها الواقفون مع امريكا فأوكرانيا لا تعنيهم الا بصفتها رأس حربة أميركية بوجه روسيا.
ينتقل النقاش إلى تقييم مآلات الحرب وسياقها، فيسلم مناصرو أميركا بأن أوراق قوتها لم تكن كافية لمواجهة روسيا، ويسلمون بأن توقعاتهم خابت بدرجة القدرة الأميركية مع خشيتها من ضم أوكرانيا الى حلف الناتو وتردد الاتحاد الأوروبي في قبولها عضواً كامل المواصفات في صفوفه.
لكنهم يستطردون لطرح محور سجال عنوانه، أن أميركا وأوروبا تفعلان مع أوكرانيا ما فعلته إيران وسورية مع المقاومة في لبنان، فلم تخوضا الحرب معها أو بالنيابة عنها، لكنهما قامتا بتوفير المال والسلاح اللازمين لتنجح المقاومة في هزيمة الاحتلال، ويبنون على ذلك نقاشاً سجالياً حول فرضية مقارنة المقاومة في أوكرانيا بالمقاومة في لبنان، فهل تستقيم المقارنة؟
الفارق الأول
هو بين روسيا وكيان الاحتلال، كفارق بين دولة عميقة الجذور وأمة عريقة الحضور، في جغرافيتها وتاريخها، وبين كيان عابر للتاريخ وعابر في الجغرافيا. وهذا يفسر هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية قياساً بتماسك جبهة المقاومة الشعبية وبيئتها الحاضنة، والتوازن على هذا الصعيد كان أبرز عناصر الاختلال الذي أنتج هزيمة الاحتلال.
وهو أمر مختلف في الحالتين الروسية والأوكرانية حيث الحال أشبه بالتداخل والتشابك السوري اللبناني، الذي استدعى تعريضه للاهتزاز استغلالاً للحظة اختلال دوليّ أنتجت القرار 1559، وفرض الانسحاب السوريّ على خلفية حدث دراماتيكي كبير بحجم اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
الفارق الثاني
هو أن المناطق الملاصقة جغرافياً للحدود مع الاحتلال في لبنان هي للفئات الشعبية الأشد جذرية في العداء للاحتلال، بينما هي في حال أوكرانيا مع روسيا، للفئات الأكثر تدخلاً وترابطاً مع روسيا، والفارق الثالث هو أن تأمين الدعم عبر الحدود شكل عاملاً حاسماً في حالة المقاومة في لبنان، لكن جيش الاحتلال عجز عن التقدم في حربه عبر البقاع الغربي لقطع طريق الإمداد، قبل أن يتوقف توسع الاحتلال، وهذا ما قال عنه إيهودا باراك أنه كان تسليماً مسبقاً بالهزيمة.
بينما لا تبدو روسيا ستسمح ببقاء الحدود مع بولندا وسواها من دول الناتو مفتوحة لتوفير إمداد كافٍ لنشوء مقاومة قادرة على الاستمرار بقوة والتحول إلى معادلة فاعلة، وقد هدّدت بالأمس كل دولة تحوّل أراضيها الى قاعدة لمواجهة الجيش الروسي باعتبارها طرفاً في الحرب. والفارق الأهم هو ان المقاومة في لبنان صبرت ثمانية عشر عاماً.
_______
ناصر قنديل