في ظلّ تصاعد الأزمة في أوكرانيا، وتوجّه الصحافة العالمية إلى تغطية أحداثها، وحظر بعض الأطرف فيها، يبقى الملفان الإعلامي والتكنولوجي، في حرب التحالف السعودي ضد اليمن، مغيَّبَين.
في ظلّ تصاعد الأزمة في أوكرانيا، واستمرار حرب التحالف السعودي ضد اليمن، تبرز ازدواجية المعايير في عمل وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً تلك التي تتبع الأجندة الغربية الأطلسية.
الإعلام سلاح.. حربٌ بلا رصاص
تُعَدّ وسائل الإعلام العالمية وأذرعها في مواقع التواصل الاجتماعي، في وقتنا الراهن، عصبَ الإعلام الحديث، والوسيلة الأقوى في الساحة الإعلامية، بسبب سرعة إيصالها المعلومة، والتفاعل معها، وتأثيرها في الجماهير.
في طور التمهيد للحروب، وفي خضمّها، تعمد أطراف النزاع إلى استغلال خدمات الإنترنت، من أجل ترويج روايتها. وتعمل على حجب المواقع المعارِضة، وفرض رقابة على المحتوى المنشور، وهذا أبسط ما يمكن أن نصفه بسلب الحق في التعبير وقمع الحرية، بالإضافة إلى سلب المواطنين حقَّهم في الحصول على المعلومات. وهذا بدا واضحاً من خلال تعامل الولايات المتحدة الأمريكية، وشبكات التواصل الاجتماعي، التي تتخذ أميركا موطناً لها، مع عدّة حروب وأزمات، بينها: فلسطين المحتلة، سوريا، اليمن وروسيا.
منذ اشتعال فتيل الأزمة في أوكرانيا، اشتدّت الحرب التكنولوجية، وتلك المعتمِدة على منصات التواصل الاجتماعي، ضد روسيا. ومع بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، تصاعدت الضغوط عليها بصورة هستيرية. ولاسيما التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي، بحيث فرضت شركات التكنولوجيا العملاقة حصاراً على المواطنين الروس ووسائل الإعلام الروسية.
يرى الكاتب المتخصص بشؤون التواصل الاجتماعي، بيتر سوتشيو، في مقال نشرته “فوربس”، بعنوان “هل غزو روسيا لأوكرانيا أول حرب سوشيال ميديا؟”، أنه يمكن اعتبار أحداث “الربيع العربي” بروفة لكيفية استخدام السوشيال ميديا في تغطية الأحداث السريعة، من أجل إحداث التغيير، أو إدانة مسألة ما، أو حتى إسقاط حكومات، لكنه يضيف “أن حجم السوشيال ميديا ونطاقها تغيّرا كثيراً مقارنة مع عام 2011”.
حظرُ وسائل الإعلام الروسية، واستخدامُ السوشيال ميديا أداةً في تنفيذ سياسات الدول الغربية، حَدَثا مؤخَّراً في روسيا، كما حدثا سابقاً، وخصوصاً في اليمن. فعمليات الحجب والرقابة بدأت في وقتٍ مبكّر من تاريخ حرب التحالف السعودي على هذا البلد، فنشر أي محتوى لحركة “أنصار الله” أو قياداتها،في موقع فيسبوك، ستنطبق عليه قوانين “ترويج محتوى إرهابي”.
واستمر هذا الأمر حتى بعد حذف اسم الحركة من قائمتها للتنظيمات الإرهابية، وهو ما يؤدي إلى غياب كثير من الاعتداءات والأحداث الخاصة بالحرب في اليمن عن هذه المنصة، التي تحوي أكبر عدد من المشتركين عالمياً بين المنصات الأخرى. وهذه الإجراءات أو مثيلاتها تطبقها منصات أخرى، وإن كانت بحدة أقل.
أمّا وسائل الإعلام التقليدية، وخصوصاً المرئية منها، فنالت حصتها من الحظر فيما يخص اليمن، بحيث إن شركة الأقمار الاصطناعية في مدار القمر المصري، “نايل سات”، والمستضيفة لقناة “المسيرة” اليمنية، حجبت القناة 9 مرات على التوالي حتى عام 2018. وهي كانت القناة الرئيسة، التي تقدّم الرؤية المخالفة لما تحاول السعودية تعميمه بشأن عدوانها على اليمن.
يصف رئيس مجلس إدارة القناة اليمنية هذه الإجراءات بـ”غير القانونية، وبالتعسفية”، وبأنها “تصعيدٌ من قوى العدوان، التي تهدف إلى كم الأفواه، والتعمية على الجرائم السعودية في اليمن”.
وتستمرّ هذه الإجراءات، سواء من الدول أو إدارات مواقع التواصل. فالولايات المتحدة أغلقت، عام 2021، مواقع إلكترونية تابعة لعدد من وسائل الإعلام في اليمن وإيران والعراق، بحيث ظهرت رسالة في الصفحات الرئيسة لهذه المواقع، تشير إلى العقوبات الأميركية مع أختام لمكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة التجارة الأميركية. عندها، نددت قناة “المسيرة” اليمنية بما اعتبرته “قرصنة أميركية ومصادرة لحقوق النشر وحرية التعبير”.
يبيّن تقرير KeepItOn، لعام 2019، أن اليمن حاز أكبر نصيب من حيث عدد عمليات حجب الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط. وفضلاً عن هذا، وردت تقارير من عدّة مصادر موثوقة، مفادها أن العدد الحقيقي لعمليات الحجب في اليمن يتجاوز كثيراً العدد الذي تم توثيقه.
وتبنّت وسائل الإعلام الأجنبية والصحف البريطانية والأمريكية، في مجملها، الرواية السعودية للحرب على اليمن. وتنبّه مديرة معهد “شيللر” الدولي، هيلغا زيب لاروش، إلى الموقف الإعلامي في الغرب من حرب اليمن، فقالت في كلمتها، المقدَّمة إلى مؤتمر برلين الّذي عُقد في الـ25 من شباط/فبراير 2017، تحت شعار “جرائم الحرب المنسية في اليمن”: “لم يفضح النفاق، الذي لا يُحتمل لمن يسمى الغربَ الحرَّ، شيئاً سوى الامتناع عن التغطية الإعلامية لجرائم الحرب التي تُرتكب يومياً ضد الشعب اليمني”.
في خضمّ سيل المعلومات المتدفِّق عبر الإنترنت، وتحوُّل منصات التواصل والمواقع إلى نوافذ دعاية سياسية، فإنّ أي حظر لهذه الوسائل، أو إفراد تغطية مركّزة لموضوع من دون آخر، له في الأغلب أهداف سياسية تخدم الدول التي تموّل وتوجّه. ويقول موقع “NPR” الأميركي إن هناك حروباً، في الحقيقة، تحظى باهتمامٍ أكثر من غيرها. واستحوذ الدخول الروسي لأوكرانيا على اهتمام الرأي العام في الغرب، بطريقة لم تفعله الحروب الأخيرة، مثل حرب اليمن، أو إثيوبيا.
إن ازدواجية المعايير في تعامل وسائل الإعلام مع الأزمات، ولاسيما في الشرق الأوسط، بدا جلياً، فعداون التحالف السعودي، الذي سيدخل بعد أيام عامه الثامن، حاز تغطية منحازة إلى الرواية السعودية، المدعومة أميركياً.
وبشأن هذا الأمر، يوضح عضو وفد صنعاء المفاوض، عبد الملك العجري، في مقابلة مع الميادين، أمس، أنّ “دول العدوان، في سبيل المحافظة على الحماية الأميركية والحماية الغربية، تخلت للأسف عن كل أخلاق الجوار والعروبة والدين والإنسانية”.
وبرزت مؤخراً ازدواجية المعايير الغربية في التمييز بين الشعوب، خلال ما قاله إعلاميون غربيون، بشأن ضرورة فتح الحدود الأوروبية أمام الأوكرانيين، باعتبار أنهم من أصحاب “البشرة البيضاء والعيون الملونة”، وليسوا من السوريين أو العراقيين أو الأفغان، الذين يهربون من الأوضاع الصعبة في اتجاه أوروبا، الأمر الذي يفضح ادعاءات العالم الغربي وصورته المزيفة بشأن حماية الحريات واحترام الإنسان وحقوقه. وهذا ما وثّقته منظمة “هيومن رايس ووتش”.
وهاجم النائب الأيرلندي، ريتشارد بويد، المنتمي إلى حزب “People before profit” الأيرلندي، خلال كلمته أمام البرلمان، الغربَ بسبب ازدواجية المعايير، مؤكداً أن سياسات المجتمع الدولي “متناقضة”، ولاسيما بعد ردة الفعل الغربية التي أعقبت العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا.
وكذلك، ندّد نائب وزير الخارجية في حكومة صنعاء، حسين العزي، بقيام بعض الدول العربية بإعفاء الأوكرانيين من تأشيرة السفر “تعاطفاً معهم”، في حين تستمرّ في منعها عن الشعب اليمني.
الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، التي تطالب اليوم بفتح ممرات إنسانية لخروج المدنيين من أوكرانيا، هي نفسها التي تتجاهل حصار اليمن، الذي وصفته الأمم المتحدة بأنه “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، وتغض النظر عن الحصار الإسرائيلي على قطاع غزّة، ونفسها التي تفرض العقوبات على سوريا.
_______________
رضا زيدان / الميادين نت