الرئيسية أخبار وتقارير مقال سعودي أغضب الرياض: “السعودية: تبقى أو لا تبقى؟”

مقال سعودي أغضب الرياض: “السعودية: تبقى أو لا تبقى؟”

فيما يلي يعيد المشهد اليمني الأول نشر مقال الكاتب السعودي “طراد العمري” الذي دفع وزارة الإعلام السعودية إلى حجب موقع صحيفة “بوابة مصر” المصرية بعد نشره، حيث نبه فيه أن المملكة في خطر وجودي لأسباب عديدة، من أهمها عدم رضى الشعب ونقص الثقة بين الحكومة والمجتمع.

المشهد اليمني الأول| طراد بن سعيد العمري

آن الأوان لكي يدرك الملك سلمان وولاة الأمر والعقلاء والحكماء من آل سعود بأن الدولة السعودية في خطر وجودي لأسباب عديدة، من أهمها عدم رضى الشعب ونقص الثقة بين الحكومة والمجتمع. عدم الرضى يقود إلى السخرية ثم السخط، أما نقص الثقة فيؤدي إلى الفوضى وتقويض الدولة.
من الممكن أن تقوم الحكومة ببعض إجراءات لإرضاء المجتمع، لكنها ستكون حتماً وقتية، فإرضاء الناس غاية لا تدرك. تبقى المهمة العسيرة والمستعصية هي في إعادة الثقة وتقويتها لكي تقوى الدولة. ماكشفه د. حمزة السالم، مؤخراً، هو أمر خطير جداً يضاف إلى العديد من الآراء السابقة التي كانت تتداول في السر، مما أدخل السعودية في أزمة ثقة حقيقية بين الشعب والدولة يجب إدارتها والتعامل معها بعدد من الخطوات العاجلة والمتزامنة مع بعضها: (1) ظهور الوزير محمد آل الشيخ في حلقة مناظرة مع د. حمزة السالم لتوضيح الأمر وتبث مباشرة على التلفزيون؛ (2) تشكيل لجنة مستقلة للاستماع وتقصٍ للحقائق تصدر تقريرها خلال ثلاثة أشهر؛ (3) تغيير الطاقم الوزاري في الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ (طوارىء) لا تزيد عن عشرة أعضاء؛ (4) تعيين مجلس حوكمة مستقل كمجلس رديف للحكومة؛ (5) حل مجلس الشورى أو تجميده لمدة سنتين حتى يتم استبداله بمجلس منتخب؛ (6) الإعلان الفوري عن بدء الإجراءات في صياغة دستور للبلاد خلال ستة أشهر والاستفتاء عليه خلال (12) شهراً، وإجراء انتخابات خلال سنتين؛ (7) تجميد العمل برؤية 2030 وما نتج عنها من سياسات وإجراءات وتعيينات وقرارات تقشفية. رب قائل يقول: إن الإجراءات المقترحة آنفاً تُظهر وكأننا في حالة طوارىء، ونقول نعم هي كذلك.
نُشر الجزء الأول من مقال د. حمزة السالم بعنوان “الحقيقة في تناقص الاحتياطيات الأجنبية 1-2” بتاريخ 1 نوڤمبر 2016؛ ونشر الجزء الثاني بعنوان: “ماهي حقيقة اختفاء تريليون ريال من خزينة الدولة 2-2” بتاريخ 5 نوڤمبر 2016، بإسهاب وتفصيل علمي أحدث هزة كبيرة مزلزلة. فما بين حقيقة التناقص في المقال الأول، وحقيقة الاختفاء في المقال الثاني، يقع المواطن والشعب والحكومة والدولة في حيرة وارتباك ويتعاظم الشك وتتناقص الثقة. يمكن لنا أن نعتبر الكاتب السالم مجنوناً، لكننا أمام أمرين: (1) أن الضرر الذي أحدثه ماجاء في مقالات د. السالم مفصلاً بالأرقام قد وقع وأحدث أثراً سلبياً على الثقة؛ (2) دقة الكاتب في الصياغة باختيار مصطلح “اختفاء” بدلاً من توجيه أي اتهام، وقصر المقال على ما ذكره وزير الدولة محمد آل الشيخ مما يعني أن الكاتب يعي مايقول، وينفي عنه صفة الجنون. شكّل المقال، بكل تأكيد، طعنة في جسد الثقة لدى المواطن والشعب تضاف لأزمة الثقة التي سببتها حلقة “الصدمة” وماسبقها من سياسات وإجراءات وشائعات حول نيّة أو قدرة وزارة الاقتصاد والتخطيط أو “ماكينزي”. المثير، أن مقالات د. السالم فرضت استرجاع الكثير من الماضي ومنها مقابلة تلفزيونية أجريت معه، كما أكدت عدة حوارات ومقالات لاقتصاديين آخرين من أشهرهم د. عبدالعزيز الدخيل، وكيل وزارة المالية للشئون المالية والحسابات الأسبق.
تخطت مقالات د. السالم الخطأ في الأرقام، بل شملت التشكيك في عدد من القضايا: (1) مجمل حديث د. محمد آل الشيخ وأرقامه وتبريراته، وأنها مخالفة للواقع وأرقامه غير منطقية؛ (2) سوء قياس أداء وزارة الاقتصاد والتخطيط وعروضها الملونة وأرقامها الملفقة؛ (3) دحض فكرة الصندوق السيادي وبيع أرامكو وأن الصندوق السيادي الصغير فقد (37%) من قيمته في عام واحد مؤخراً فكيف بالصندوق السيادي الكبير؛ (4) التشكيك في تكاليف حرب اليمن وأنها لا تتجاوز (15) مليار ريال على أسوأ تقدير؛ (5) التشكيك في كفاءة أرقام “الخواجات” التي لم تأت إلا بالكسل والغش وأنها لصق ونسخ؛ (6) التشكيك في بيانات وجداول الحكومة في المصروفات والعجز والفائض وأن في جدول المالية مكامن يسهل قلب الحقيقة فيها أو إخفائها، حيث يتم تجميع عشرات البنود في بند واحد فتضيع ملامحها وتخفى تفاصيلها. وطرح د. السالم في مقالته المطولة “معادلة بن سالم Bin Salem Equation” التي من خلالها، حسب رأيه، يمكن كشف المستور. ويظل عنوان ومحور المقال الذي خطف الأنظار هو اختفاء مبلغ كبير الحجم والسؤال: أين التريليون ومائة مليار؟
تساءل د. السالم في مقالاته عن اختفاء التريليون، لكن مايهمنا هنا أهم من التريليون والمال والثروة. بقاء الدولة السعودية هو أهم من كنوز الأرض، فبوجود الدولة فقط تأتي الثروة، وبقاء الدولة لن يكون من دون ثقة بين الشعب والدولة. لا أحد، وأكرر لا أحد، من الشعب السعودي البالغ عددهم اليوم (20,064,970) يرغب أو يتمنى أن تحكم هذه البلاد بغير آل سعود. لكن الجميع، تقريباً، يتمنى أن تتطور السعودية مع بقية الأمم بأسلوب إدارة حديث يحقق الاستدامة في الحكم والحكومة والحوكمة. ولذا بات ضرورياً على ولاة الأمر أخذ زمام المبادرة واتخاذ الإجراءات الضرورية العاجلة للإبقاء على الدولة.
الشعب السعودي الذي يشكل الشباب الغالبية العظمى، يختلف تماماً عن الشعب السعودي في الحقب الماضية، عندما كانت الثقة والعلاقة مع الحاكم تعتمد بشكل كبير على الوازع الديني وبعض القضايا المجردة. الشعب السعودي وأجياله الشابة يريد أن يبني ثقته على أمور محسوسة ومشخصة يلمسها في معيشته، وسكنه، وعمله، والحي الذي يسكن فيه، والمدرسة التي يتعلم فيها أولاده، والمستشفى الذي يتعالج هو وأسرته فيه، إن ألم بهم مرض لا سمح الله. الشعب السعودي عاش حقبة من الزمن بأقل من درجة الكفاف وهاجر بحثاً عن لقمة العيش، ولا يستنكف أي من الشعب أن يعيش بتقشف عندما يثق بأن الأمور تدار بعقل وعدل وتوازن وشفافية. الشعب السعودي اليوم، باختصار، هو ذكي وواعي ووفي ويستحق أن يعتمد عليه. وبالرغم من أن المطالبات بإصلاحات سياسية ليست وليدة اليوم، إلا أن تدخل الملك وولاة الأمر أصبح ضرورياً اليوم بعد كل ما ظهر على السطح من تشكيك في سياسات كثيرة في الداخل والخارج.
الثقة بين الشعب والدولة في السعودية تقتصر في حقيقتها على الثقة بين الشعب والملك. لكن تلازم العلاقة بين الملك وولاة الأمر والحكومة أدخل وسيطاً وفرعاً حديداً في الثقة. مما يعني ان تناقص الثقة في الحكومة يؤثر سلباً بالضرورة على القيادة (ولاة الأمر). يأتي تناقص الثقة في الحكومة مع أي تراخٍ للحكومة أو خطأ يرتكبه أي من وزرائها ولا يتم التعامل معه بالسرعة المطلوبة. من ناحية ثانية، انعدام وجود مؤسسات أخرى تساعد في رفع جزء من الحمل والملامة عن الحكومة مثل مجلس منتخب من الشعب، ومؤسسات المجتمع المدني، كنقابات العمال وغيرها يُعقّد ويصعّب من إشكالية الثقة. من ناحية ثالثة، اختيار الوزراء والمسئولين من الملك وولاة الأمر مباشرة من دون معايير واضحة ومعلنة وتعتمد على الكفاءة يعقد الصورة، أيضاً، ويلقي بمزيد من الأحمال على كاهل الملك وولاة الأمر خصوصاً في حالة سوء أداء الشخص المعيّن. وبالتالي، فإن تردي كفاءة بعض الوزراء وسوء أدائهم ينعكس سلباً على الثقة بالحكومة وينهش في حبل الثقة مع القيادة والدولة. الحكومات في كل أنحاء العالم بطيئة الحركة مقارنة بالمجتمع، إذ يقول المثل الغربي: لم تصمم الحكومات لتجري بل لتحبو Governments are not designed to run but to crawl، لكن تلك الحكومات في العالم المتقدم معها مؤسسات رديفة تضطلع بالحمل مع الحكومة وتوزع المسئولية. ولعل حدس الأمير الوليد بن طلال حول تباطؤ الحكومة وتناقص الثقة هو ما حدا به لإطلاق تغريدة تقول: “في مملكتنا الحبيبة الحكم أسرع من الحكومة.. إخفاق بعض أعضاء الحكومة (الوزراء).. لن يفقدنا الثقة بتطلعات الحكم (القيادة) وتحقيق رؤية المملكة 2030”.
الثقة هي رمز وقيمة أخلاقية وشعور نفسي وذات دلالات ومعانٍ كثيرة منها: “اعتقاد طرف واستعداده للتصرف على أساس كلام وأفعال وقرارات طرف آخر”. ويرى العلماء أن للثقة ثلاثة أبعاد: (1) القدرة Ability، وتعني امتلاك المعرفة والمهارة والكفاءة؛ (2) النزاهة Integrity، وتعني الالتزام بالمبادىء المقبولة عرفاً في مصداقية التواصل، والالتزام بمقاييس العدل، والانسجام بين الكلام والأفعال؛ (3) خيّر Benevolence، ويعني أن الموثوق به مهتم بما يكفي بالرفاه في التقدم والمصالح، أو على الأقل عدم إعاقتها. الثقة هي أساس كل علاقة تقريبا. فالعلاقة بين العبد وربه ورسوله الكريم (ص) تقوم على الثقة؛ وكذلك بين الدولة والشعب؛ وبين الوالدين والأولاد؛ وبين المنشأة والعامل؛ وبين الطالب والكلية والمعهد والمدرسة؛ وبين البنك والعميل. كل العلاقات تقوم على الثقة فإن اهتزت تردت العلاقة وإن تدمرت انتهت تلك العلاقة. كما أن مراجعة قوة ومتانة الثقة بين الحين والآخر أمر مطلوب، وصيانتها وإصلاحها كلما اعتراها صدأ أو ضعف أمر في غاية الأهمية. ولذا فإن تعزيز الثقة بين المواطن والدولة يشكل الأساس الذي تنبني عليه فروع الثقة الأخرى في الحكومة والقوانين والمؤسسات. كما أن التساهل أو إهمال صيانة وتقوية وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة له انعكاسات خطيرة.
أخيراً، السعودية بلادنا ونحبها، وآل سعود ولاة أمرنا الذين لن نرضى عنهم بديلاً، وسندفعهم إلى مافيه خير البلاد والعباد، رغماً عنهم بالحجة والاستمرار في عرض الرأي وتقديم النصيحة لمصلحة الجميع. فنحن جميعاً في مركب واحد سنتعاون سوياً لكي لا يغرق هذا المركب أو يتيه مع تلاطم الأمواج في بحر مضطرب. لو حدث مكروه لهذه البلاد، لا سمح الله، فلن يكترث ماكينزي ومن معه وسيجدون دولة أخرى يمارسون فيها الأعمال ويقبضون المال، كما أن نخبة قليلة من أصحاب المال والأعمال تملك الوسائل لكي تعيش في الخارج، لكن غالبية الشعب لن يتركوا هذه البلاد فريسة أطماع الداخل أو الخارج. ولذا، وجب على ولاة الأمر، نكرر وجب، أن يسارعوا ويحزموا أمرهم في إنقاذ البلاد والعباد من الضياع، وأن يصلحوا شأن الدولة بما يعزز الثقة بين الشعب والدولة، فالقضايا كثيرة ومعقدة، والوقت قليل ومتسارع.
ختاماً، نحن ننبه ونحذر، فإن وفقنا فهذا المراد والحمدلله، وإن بالغنا أو أخطأنا، فنستغفرالله ونحمده. لكننا سنستمر في ترديد: بكتب إسمك يابلادي، عالشمس اللي ما بتغيب، لا مالي ولا أولادي على حبك مافي حبيب. حفظ الله الوطن.
ـ بوابة مصر ـ 07.11.2016
*كاتب سعودي

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version