الثورات السبتمبرية بين الإخضاع والصمود .. وفرصة قد لا تتكرر – قراءة تاريخية لثورتي 26 و 21 سبتمبر في اليمن
الثورات السبتمبرية بين الإخضاع والصمود .. وفرصة قد لا تتكرر – قراءة تاريخية لثورتي 26 و 21 سبتمبر في اليمن
لأن الثورة دائماً ما تأتي ببناء الجديد وتغيير للخرائط والجغرافيا، كان التعامل معنا بحسب الجغرافيا اليمنية الهامة، من قوى الاستكبار حاداً لدرجة تحريك الأساطيل والطائرات والمال والإعلام في حرب مفتوحة، فطرف ثورة 26 سبتمبر معروف بانحيازه لحركات التحرر العربية وجمال عبدالناصر والقدس بوصلة والسعودية عصا الإستعمار هي من حاربت الثورة ليس حباً في الطرف الآخر والذي رفض دخول الشركات الغربية والتي ومن وجهة نظره أنها سبباً لإفقار الشعوب، لكن ليتم حجز بطاقة استخراج الكنوز من باطن الأرض والظفر بعقود طويلة الأمد مع من يضمنون لها ذلك .
المشهد اليمني الأول| قراءة – جميل أنعم
والقاتل الإقتصادي الأمريكي “جون بيركنز” في كتابه “اعترافات قاتل إقتصادي” يصف فيه وظيفته كقاتل إقتصادي، والتي تُلخّص الأسلوب الجديد للولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على دول العالم الثالث، حيث يتم إيقاع الدول بفخ القروض الذكية ولا يسمح لهم ببناء منشئات إنتاجية والنتيجة عجز عن السداد، فيتم تجريع الشعب مرارة السداد مع عقود طويلة الأمد للشركات اليهودية، فكانت حرب طاحنة بين الجمهوريين والملكيين لاستنزاف الفريقين ليدخل الفريق الثالث ويضع حداً للحرب مع تثبيط المد التحرري الثوري وجائزة كبرى لصالح قوى الهيمنة هي إدخال اليمن بالوصاية، والتحكم باقتصاده ومواقفه السياسية .
جرت عادة السعودي ومن خلفه الأمريكي الصهيوني قمع أي حركات ثورية استقلالية وطنية وإخراجها من مضامينها التحررية وإلى الوصاية سِر، وهو ما حدث في كل المحطات اليمنية، وفي كل المراحل كانت السعودية ومن ورائها بريطانيا وأمريكا وفي الداخل كان العملاء الذين استغلوا واحدية المنطقة أو واحدية المصالح مع النافذين، ليصبحوا قادة الوصاية في اليمن ضد قوى التحرر والاستقلال، بالقيادة المباشرة أو بالقيادة الخلفية للسلطة، ولأن الثورة الوطنية تعني التحرر من الإستعمار سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ومعاداة أمريكا والصهيونية والرجعية السعودية، شكلت ثورتي 26 سبتمبر و 21 سبتمبر محطتين مفصليتين في مسار التحرر والاستقلال الحقيقي.. وكان لا بد من مواجهتها .
فكانت أولاً.. المواجهة مع ثورة 26 سبتمبر حتى إفراغها من مضامينها كالتالي :
بعد تحول النظام الملكي في اليمن إلى النظام الجمهوري الثوري بثورة 26 سبتمبر 1962م ميلادية جن جنون بني سعود، وادركوا بأن نظامهم إلى زوال بفعل الثورات الوطنية في الوطن العربي المتلاحقة، وتآمروا وبآنٍ واحد على ثورتي مصر واليمن معاً، وبعد ثورة 26 سبتمبر أحضرت السعودية الأمير “حسن بن حميد الدين” اليمن وامدته بالمال والسلاح والإعلام ومقاتلين مرتزقة من قدماء الحرب من أوروبا، وامريكا انشئت قاعدة عسكرية جوية في خميس مشيط لتكون قاعدة للعدوان العسكري على اليمن وبطيارين وطائرات من الأردن، وخلال ثلاث سنوات من الحرب الأهلية اليمنية الممولة سعودياً وامريكاً أدرك النظام المصري بانه يستنزف في اليمن، وادرك النظام السعودي استحالة تحقيق نصر عسكري ميداني، فلجئت السعودية واسيادها الصهاينة الأمريكان إلى الأسلوب السياسي، علناً مفاوضات وهدنة واتفاق، وسراً غدر وخيانة واغتيالات وتحضير لعدوان عسكري مزدوج يستهدف مصر الثورة وثورة اليمن وضد الجميع النظام الجمهوري الثوري في اليمن ومصر وحتى الملكيين اليمنيين، ثلاثة عصافير بحجر واحد، وبالطبع التخطيط امريكي إستعماري صهيوني فكان إتفاق جدة 24 أغسطس 1965م، بين مصر والسعودية بشأن اليمن علناً، وظاهرياً هدنة ومفاوضات ومؤتمر حرض، ووقف العمليات العسكرية مقابل إنسحاب القوات المصرية من اليمن ونظام الحكم متروك للشعب اليمني، وبمرحلة انتقالية .. فكان مؤتمر حرض نوفمبر 1969م بين الجمهوريين والملكيين مجرد تمثيلية كرتونية، بينما صقور العمالة والخيانة في اليمن ومصر كانوا ينفذون البنود السرية لاتفاق جدة أغسطس 1965م .. فتم أولاً تجميد المشير عبدالله السلال رئيس الجمهورية بالقاهرة، وعدم السماح له بالعودة إلى اليمن وفقاً للاتفاق السري بين مصر والسعودية … “كتاب مؤتمر حرض ومحاولات السلام باليمن لمحمد الشعيبي” .. وثانياً تكليف الفريق حسن العمري قائم بأعمال رئيس الجمهورية ..
“وفي 14-15-16 فبراير 1966م عَقد المجلس الجمهوري ومجلس الوزراء في صنعاء وبالاشتراك مع ضباط واركان حرب القوات المسلحة عدة اجتماعات أسفرت في عدم اتخاذ أي موقف معارض لسياسة القاهرة في الداخل، حتى لو أستدعى الامر تحمل أي شروط قاسية تطرحها القاهرة، مثل التخلص من بعض العناصر الحزبية وذلك في سبيل استمرارها ومساندتها وعدم الالتزام باتفاقية جدة” .. “نفس المصدر السابق” ..
أما في 5 نوفمبر 1967م، قام إنقلاب في صنعاء أطاح بالجمهورية، والذي وصفه البردوني في كتابه “الثقافة والثورة في اليمن” قائلاً: ((هذا المظهر الحزبي تلاشى في ساعات إذ لاحت إلى جانبه قوة مشيخية أحتلت القصر الجمهوري، وتبدى خليط مشائخي … واظهر نظام الفترة أعنف مقاومة فكرية ضد الحزبية بكل أشكالها وذلك بعد إنقلاب نوفمبر بثلاث سنوات))
وخالد بن محمد القاسمي في كتابه “الوحدة اليمنية” يكتب عن الإنقلاب قائلاً ((فتم في الأيام الأولى تسريح الجيش النظامي المدرب على أيدي المصريين واعتقال بعض أفراده البارزين خاصة ذوي الإتجاهات اليسارية منهم وتم بالفعل سحق هذه الإتجاهات التي كانت تموج بين صغار الضباط في بداية 1969م)) .. وهذا أيضاً ما قامت به المبادرة الخليجية ضد الجيش اليمني بجملة اغتيالات معنوية تحت مسمى الهيكلة .
واسترضاء للسعودية يوافق اليمنيين على واجهة إسلامية للحكم ورئيس مجلس الشورى هو الشيخ الإخواني عبدالله بن حسين الأحمر، والمادة (37) من دستور إنقلاب 67 تنص على أن الحزبية بجميع أشكالها محظورة، وتم اغتيال بطل حرب السبعين يوماً الشهيد عبد الرقيب عبدالوهاب في ابريل 1969م .. وقُتل من قُتل وهَربَ من هَرب وجنَّ من جنَّ وتم ضرب الملكيين والجمهوريين لصالح “الطرف الثالث” الاعتدال السعودي بفيلق العمالة والوصاية السعودية ولتدخل اليمن في الوصاية، حتى جاءت الحركة التصحيحية بقيادة المقدم الشهيد إبراهيم الحمدي 1974م وحينها قدم أربعة مشائخ استقالتهم بينهم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، ليجتمعوا في عمران لاحقاً ويقرروا إغتيال الشهيد بالدعم والتأييد السعودي، تماماً كما قدم هادي وأزلامه استقالاتهم الجماعية وليفروا إلى الرياض ولتشن محاولة إغتيال لثورة 21 سبتمبر بالقوة العسكرية القاهرة .
وبذلك تحول النظام الجمهوري الثوري إلى نظام جمهوري معتدل، وأعلن المجلس الجمهوري سياسة الانفتاح، واعترفت السعودية وامريكا في 1970م بالنظام “الجمهوري المعتدل” الذي دخل في جلباب الوصاية السعودية … وتخلت بعدها السعودية عن الملكيين والإمام الشرعي لليمن الإمام “الحسن بن حميد الدين”، وكل ما ناله الملكيين كان إضافة السيد “أحمد محمد الشامي” إلى عضوية المجلس الجمهوري الحاكم في صنعاء، فأصبح العضو الخامس “بعد المصالحة بين الجمهوريين والملكيين، ولم تتجاوز عضويته عاماً واحداً ثم صار سفيراً متجولاً إلى عام 1975م” .. “كتاب الثقافة والثورة في اليمن للبردوني” .
وبموجب البنود السرية لاتفاق جدة تم التخلي عن النظام الجمهوري والنظام الملكي معاً ولمصلحة الدولة الإسلامية .. فصرّح رئيس الوفد الجمهوري القاضي الإرياني في مؤتمر المصالحة في حرض 25 نوفمبر 1965م قائلاً : “واجَهَتنا الحقيقية الرهيبة وهي إلغاء النظام الجمهوري” .. “كتاب مؤتمر حرض ومحاولات السلام باليمن لمحمد الشعيبي”
أما رشاد فرعون ممثل الملك فيصل في مؤتمر حرض، فَسَّرَ إتفاق جدة من وجهة النظر السعودية “أن يصهر النظامان القائمان حالياً في اليمن في شكل طريقة الحكم في فترة الانتقال لا تحمل أسم الجمهورية ولا الملكية” .. المصدر السابق لمحمد الشعيبي”
وهكذا كل الإتفاقيات مع السعودية وأمريكا واسرائيل لها ثلاثة اوجه علني للشعوب وسري للخونة والعملاء وسري للغاية للصهيونية وامريكا .. والمثال اليمن ومصر، إتفاق جدة، ومؤتمر حرض، ثم تصفية الثوار والملكيين لمصلحة العملاء والخونة، ولا حقاً وكما سنرى أحداث ثورة مصر عبدالناصر أنتهت في الكنيست الإسرائيلي في تل أبيب وكامب ديفيد، والرئيس المُؤمن ونوبل للسلام.
أما تنفيذ البنود سري للغاية لتصفية النظام الثوري الجمهوري في مصر يمكن اختزاله في خمس نقاط :-
1- إستنزاف الجيش المصري في اليمن بعد ثورة اليمن .
2- استدعاء العدوان الإسرائيلي الصهيوني العسكري على مصر في يونيو 1967م وبطلب سعودي من الملك فيصل لوقف المد الثوري القومي في سوريا ومصر واليمن، فكانت هزيمة مصر عسكرياً في يونيو 1967م واحتلال سيناء والجولان والضفة وغزة واغوار الأردن … “من رسالة الملك فيصل للرئيس الأمريكي جونسون بتاريخ 27 ديسمبر 1966م يدعوه لدعم إسرائيل لاحتلال مصر وسوريا لوقف المد الثوري .. “من كتاب تاريخ آل سعود لناصر السعيد .. ونشرتها صحيفة الدستور البيروتية – ونشرها ويكيليكس مؤخراً .
3- في 14 سبتمبر 1967م تم إغتيال المشير عبدالحكيم عامر بالسم “سُم الأكونتين” وفي حوار مع شقيق المشير عامر قال ” لقد أرادوا التخلص من المشير عبدالحكيم عامر لأنه في أواخر حياته وقبيل هزيمة يونيو 1967م كان قد اكتشف إعداد لقلب نظام حكم عبدالناصر” .. “كتاب تاريخ آل سعود للشهيد ناصر السعيد” .
4- في 1969م توجه الملك فيصل إلى القاهرة وخاطب الرئيس جمال عبدالناصر قائلاً : “وأقول لك بصراحة : أننا لكي نعترف بجمهورية اليمن لابد أن يكون السادات نائبك الأول، فهو صديقنا القديم، وأنت تعرف هذا ووجوده ضمانه لنا” … “كتاب تاريخ آل سعود للشهيد ناصر السعيد”
5- بعد تناوله عصير الجوافة في الساعة الرابعة إلا ربع من بعد ظهر يوم 28 سبتمبر 1970م .. وفي الساعة السادسة تقريباً استشهد الزعيم الخالد جمال عبدالناصر.. وفي 14 اغسطس 1975م مجلة الصياد اللبنانية بعددها 1612 وبعنوان عريض وبارز (عبدالناصر قُتل بسُم الأكنوتين) مع تحقيق طبي وحقوقي وقضائي مطول يثبت ذلك… وبعد إزاحة عامر وناصر تربع الرئيس المؤمن حسب الإيمان الإسرائيلي والإسلام السعودي الرئيس السادات على عرش مصر، وصفى بقية ثوار مصر بتهم مراكز القوى وليحصل على نوبل للسلام، وليعلن سياسة الانفتاح تماماً مثل المجلس الجمهوري باليمن، واعتدل النظام المصري الجمهوري اعتدالاً تساوى مع اعتدال بني سعود والخليج، لدرجة أن رئيس وزراء العدو الصهيوني نتنياهو صرح في منتدى دافوس الإقتصادي 27 يناير 2016م علاقة إسرائيل بمصر والخليج أفضل من علاقة إسرائيل بالاتحاد الأوروبي .
وللأمانة ومن باب الإنصاف التاريخي لمصر عبدالناصر، والنظام الوطني الملكي الامامي في صنعاء … فمصر عبدالناصر أدركت انها تستنزف عسكرياً في اليمن، وجزء من الشعب اليمني يعتبر الوجود المصري احتلال، وانقسام الصف الجمهوري وامام خطر تحويل مجرى نهر الأردن من إسرائيل ورعاية الملك فيصل شخصياً لمؤتمر الطائف 10 أغسطس 1965م والذي ضم قوى جمهورية منشقة عن صنعاء مثل الشيخ سنان أبو لحوم، والأستاذ أحمد محمد نعمان، والشيخ على محمد المطري، عوامل واسباب دفعت الزعيم جمال عبدالناصر إلى توقيع اتفاقية جدة والتصالح مع السعودية وبشعار العمل العربي المشترك ضد الصهيونية، وبعد ذلك بفترة وخاصة مع إصرار الملك فيصل بسحب القوات المصرية والمماطلة في تنفيذ إتفاق جدة، أتضح لعبد الناصر بان السعودية مخادعة ومستمرة في التدخل في الشؤون الداخلية لليمن .. وبمناسبة عيد العمال 1 مايو 1966م وجه عبدالناصر إنذاراً حاسماً للسعودية وقال : “بأنه سوف يضرب قواعد العدوان ويحتلها إذا وقع عدوان أو تسلل من السعودية لليمن .. وأضاف قائلاً أننا نستطيع أن نعزل السعودية كلياً عن اليمن ونأخذ جيزان ونجران واصلها منطقة يمنية أغتصبها السعوديون من اليمن اغتصاباً بالغزو” .
والشهيد ناصر السعيد يقول في كتابه “تاريخ آل سعود: عن جمال عبدالناصر: ((وكان الزعيم ناصر يدرك أنه لن تسقط إسرائيل قبل أن تسقط الرجعية السعودية وتوابعها ولن ترحل أمريكا من المنطقة قبل أن ترحل السعودية، وكان يحذر من تَمسكن السعودية وكان يقول كلما تمسكنت السعودية كانت تُعد لي مؤامرة))
وكل الأنظمة الملكية في الوطن العربي أوجدها الإستعمار الإنجليزي، كيانات وحكام فأصبحوا دمى تنفذ سياسة الإستعمار، بإستثناء النظام الملكي الامامي الوطني في اليمن فالإمام يحيى حميد الدين هو رمز الإستقلال الوطني الأول من الإحتلال التركي العثماني في 1915م والإمام أحمد حميد الدين قاهر بني سعود في 1934م وحرر الساحل الغربي للبحر الأحمر من ميدي حتى بيت الفقية من الإحتلال السعودي … تلك حقائق تاريخية دامغة للخارج قبل الداخل … والإمام يحيى برر انغلاق اليمن عن الخارج كحماية له من الإستعمار وأن الشركات الاستثمارية الغربية تجلب الفقر للشعوب مستشهداً بالاحتلال الإنجليزي بالهند والشركات البريطانية في الهند التي أفقرت الشعب الهندي .. وعندما تنازع الإمام أحمد حميد الدين وهو في سدة الحكم مع بيت المضوني في تهامة على الأراضي، احتكم إلى القضاء الذي أنصف بيت المضوني ولم يحكم للإمام أحمد .. وانغلاق الحكم الملكي الامامي عن الخارج واختراعات العصر هو السبب الرئيسي لسقوط النظام الملكي في اليمن تماماً كما سقط الإتحاد السوفييتي بسبب انغلاقه عن الخارج واختراعاته المتجددة .
والشهيد ناصر السعيد يشير في كتابه “تاريخ آل سعود” قائلاً ((ما من أحد من العملاء في اليمن كان في عهد الأئمة يتجرأ علانية وبكل قلة الحياء على الاتصال بالسعودية، كما هي الحال الآن في عهد الانحلال الذي بدأ الاتصال بالسعودية يأخذ شكل المفاخرة بين العملاء، بدءا من إمام المسجد والمؤذن والقاضي والجاسوس والشرطي .. الخ، ومن يخالف رأيها تقتله السعودية مثلما فعلت بإبراهيم الحمدي وشقيقه)) .
ثانياً.. المواجهة مع ثورة 21 سبتمبر 2015م .. والصمود حتى تاريخه :-
بعد أن تخلصت السعودية والغرب الإمبريالي من خطر حركات التحرر العربية والقضاء عليها، وبعد أن تمكن العملاء من استقطاب أقوى شخصيات مراكز النفوذ والسيطرة في اليمن من مشيخات وساسة وعسكريين، اطمئنوا على مستقبلهم السياسي كما اطمنئت قوى الهيمنة بتنفيذ مشروعها بدون مقاومة، والمسألة مسألة وقت لاكتمال السيطرة على اليمن اقتصاديا وسياسيا، تحت الوصاية السعودية القطرية الأمريكية الصهيونية، وبظهور التعددية الحزبية في اليمن برز للوجود تنظيم “الشباب المؤمن” الذي أسسه الشهيد القائد “حسين بدر الدين الحوثي” والذي بدأ يستنهض الأمة لمقاومة الظلم والظالمين بفكر الإمام علي بن أبي طالب، والحسين بن علي، وزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم اجمعين .
ما أزعج وأقلق وهز عرش بني سعود والكيان الصهيوني وامريكا الإستعمارية، فشنَّت ستة حروب على معقل “الشباب المؤمن” في صعدة واستشهد السيد القائد “حسين بدر الدين الحوثي” ومع ذلك ازدادت صلابة وشعبية هؤلاء الفتية، فدخلت السعودية بالحرب السادسة وانتهت بانكسار القوم، وقامت ثورة الشباب فبراير 2011م، والتي سرقها إخوان طروادة وصقور العمالة وبها سيطروا على السلطة السياسية في اليمن، ووضع اليمن في غرفة عمليات التعديل لتصبح خاضعة للسيطرة والوصاية، فتعرضت جميع مؤسسات الدولة الايرادية والإنتاجية والخدماتية للتخريب الممنهج بالفساد والتعطيل والتخريب كالكهرباء مثلاً، وتعرضت القوات المسلحة الجيش والأمن للاغتيال المعنوي ثم الهيكلة بوضع رموز العمالة والارتزاق على قيادتها، بانتظار لحظة الصفر لتمزيق اليمن إلى ستة كيانات متناحرة مناطقياً وطائفياً .
بالتزامن مع ذلك كان “الشباب المؤمن” ولاحقاً حركة “أنصار الله” اللجان الشعبية تتعامل مع الذراع العسكري النظامي للعملاء الفرقة الأولى مدرع في صعدة وعمران وتمكنت منه، بل انها تمكنت ولأول مرة من تحرير القبائل اليمنية من هيمنة وسطوة المشائخ والضباط المرتبطين بالوصاية الخارجية بأنواعها المختلفة أمريكا واسرائيل قطر تركيا السعودية، وظهرت القبائل اليمنية بمظهر وطني كامل، وأسقط الثوار حكومة التخريب الإقتصادي والمالي .
حينها صَرَّح جمال بن عمر أن الدولة عاجزة عن دفع المرتبات للموظفين في الدولة بداية من العام 2015م لتمرير الجرعة القاتلة، وصفة القاتل الإقتصادي التي تَحدثَ عنها “جون بيركنز” في كتابه “القاتل الإقتصادي للأمم” وصْفة أسقطها الثوار سريعاً وتشكلت “حكومة الشراكة” وغدر إخوان طروادة وهادي بمبدأ التوافق في إقرار الدستور، وكان دستور الأقاليم دستور فنادق دبي والأردن والذي أسقطه ثوار 21 سبتمبر أيضاً وبلمح البصر، وقدم الرئيس الخائن وحكومة العملاء الاستقالة الجماعية، تماماً كما قدم الشيوخ الأربعة المسيطرين على الحكم بعد حركة 13 يونيو 1974م بقيادة المقدم الشهيد “إبراهيم الحمدي” استقالاتهم الجماعية !… وهرب الخائن هادي إلى عدن ثم السعودية، التي أدركت تماماً ان اليمن بثورة 21 سبتمبر 2014م، خرج من جلباب الوصاية السعودية، والخونة إلى مزبلة التاريخ .
فحضر العدوان الأمريكي السعودي الصهيوني على اليمن لفرض الوصاية السعودية وإعادته إلى بيت الطاعة من جديد، ولتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، فكانت المفاجئة، إرادة يمنية سياسية وتحالف إستراتيجي داخلي، حركة أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام وقوى وطنية وقائد شاب محنك، قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وشعب صامد وجيش ولجان شعبية يُسطرون أروع الملاحم البطولية، وبهم إن شاء الله تعالى سنطوي ورقة ذراع الخيانة في اليمن ونسحق أحصنة إخوان طروادة، والتي ظهرت بوجوه ملونة مزيفة وبأسماء براقة وشعارات كاذبة، انخدع بها بعض من الشخصيات الوطنية المدنية والعسكرية قادة أحزاب وشيوخ قبائل، خاصة مع رفعها شعار الإسلام في خطر إفكاً إفكاً إفكاً، وكما قال نبراس وفنار الوطنية الفقيد عبدالله البردوني بواحدية المنطقة (المناطقية) أو بواحدية المصلحة (المال) حيث وهذه أسلحة العملاء واسيادهم، وللأمانة والإنصاف التاريخي وبدون ذكر الأسماء فالبعض ممن انخدع بحركة الإخوان تدارك الأمر وعاد إلى صفوف الشعب والوطنية اليمنية، ومازال صامداً ومقاوماً، والبعض توارى عن الانظار ومنهم من تم اغتياله، والبعض كابر وعاند واستمر ولايزال مستمراً، والله لا يهدي القوم الظالمين .
والخلاصة ..
السعودية في الماضي حاربت الجمهورية بكل الوسائل القذرة وعندما تم إقصاء النهج الجمهوري الثوري من المشهد السياسي اعترفت السعودية بالنظام الجمهوري في عام 1970م وأوجدت لها فيلق عملاء تابع لها وللخارج حتى ثورة 21 سبتمبر 2014م، والتي تعاني اليوم من نفس المصير، وتسعى السعودية الآن لإيجاد “طرف ثالث” وهو ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” ووظيفة الطرف الثالث نفس وظيفة الطرف الثالث وهي أن يكبح جماح ثورة 21 سبتمبر، والتي أثبتت أنها لن ترضى بأي شكل من أشكال الوصاية الخارجية .
أخيراً.. ثورة قد لا تتكرر يا شعب اليمن ..
تقول لنا كتب التاريخ والجغرافيا والوطنية إن الأساطيل وحاملات الطائرات والأقمار الاصطناعية الحربية لا تتحرك من أجل نشر الحرية والديمقراطية والحفاظ على الشرعية والسلم والإنسان وإنما فقط وفقط وفقط وفقط من أجل مصالح الشركات الكبرى وأمن إسرائيل .. مشاريع تقسيم وفوضى لصالح أمن إسرائيل وتدفق النفط للغرب الإستعماري وبأبخس الأثمان، هكذا يعرفها كل أحرار العالم بغض النظر عن ألوانهم وأشكالهم ولغاتهم واديانهم.. ليست ثورة من تباركها أقبح دولة كهنوتية وقفت بوجه حركات التحرر الوطنية لصف بريطانيا واسرائيل .. ليست ثورة من باركها البيت الأبيض ودنستها أساطيل الأمريكان وقواعدها العسكرية … ليست ثورة من سلّمت ثرواتها للقاتل الإقتصادي وأقبح شركات صهيونية برأس مال يهودي .. ليست ثورة إن لم تقلق وتتصبب منها عرقاً إسرائيل وأمريكا وبريطانيا ومحميات الخليج الأمريكية … ليست ثورة إن لم تُحشد لها الحشود وتُجمع لها الجموع المتخصصة بالضم العسكري الناتوي والبسط الإقتصادي اليهودي … ليست ثورة إن لم تقف بمفردها في وجه عالم النفاق والصهيونية مواجهةً كل أموال الأرض لحماية ثروة أبنائها وصون كرامة وعزّة شعبها .
واليوم لم يعد أمام الشعب اليمني سوى خيارين إما نخضع بالطرف الثالث والمكر السعودي والنتيجة لا اقتصاد وطني ولا جيش وطني ولا كرامة وحرية وبوصاية صهيونية، وإما ننتصر، وهي فرصة قد لا تتكرر ربما بعد مائة عام قادمة، فالظروف مواتية للاستقلال الكامل والعوامل الداخلية والخارجية مواتية لذلك، مهما بلغت قدرات العدو .. بل أقول أن ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر حتى اليوم تجاوزت ثورة 26 سبتمبر في الصمود والمواجهة وتخطت وبعلامة عالية حواجز الإخضاع والركوع، ومازالت تقارع قوى الهيمنة بكل ثبات، طالما هناك المتحركين المستشعرين بالمسؤولية التاريخية في مسار استقلال وحرية الوطن ، كما قالها قائد الثورة، وما النصر إلا صبر ساعة، فالساعات التي تسبق طلوع الفجر هي الأشد ظلمةً، وإن غداً لناظره قريب، وبالله نستعين .