اليدومي أول قائد حزب يجهل تاريخ حزبه .. مكاشفة مع البردوني
من المخجل أن يطل قائد حزب لا يعرف تاريخ حزبه بإدعاءات ذر الرماد في العيون، محاولاً مسح تاريخ حزب بمنشور على الفيسبوك.. ربما لم يحسن التعبير أو خانته كلماته، أو ربما غره البهرج الخداع من توكل كرمان التي تخوض معركة مابعد المراجعات الفكرية للإخوان بعلمانية ماسونية بكل إجتهاد، وبغضون أيام أتت الإستجابة السريعة من اليدومي الذي فتح كلتا يديه لتوكل كرمان قائدة فيلق ما بعد المراجعات
الفكرية لإخوان اليمن، ومن يتدبر حديث اليدومي يدرك أنها إستجابة لطلب توكل كرمان التي طلبت منه مؤخراً لقاء سفراء العالم وإقناعهم أن حزب الإصلاح ليس حزباً اسلامياً وهو الشريك الأساسي في الحكم أو الحاكم غداً …إلخ
لم يتمالك اليدومي نفسه فالسلطة أصبحت على طبق من توكل، فهرول لكتابة بيان بعذر العيد الـ 26 للحزب وبعذر التعريف بتاريخ الحزب إرتكب اليدومي مجزرة تاريخية بحق حزب الإصلاح الإخواني والذي لن يستطيع هو ولا كل منتسبي حزب الإصلاح شطب أو إخفاء العمق الإخواني ولو كتبوا مليون بيان، فالتاريخ لا يمحى ببيان، وما أراده اليدومي وتوكل ومن خلفهم هي إجراء عملية جراحية للحزب تسمى “بالمراجعات الفكرية للإخوان” لكن فوجئنا بتجاوز هذا النوع من العمليات إلى عملية أكثر خطورة .. والتي سأتطرق لها كيف ولماذا، بعد أن أعطي قائد حزب الإصلاح درساً بتعريف حزبه الذي يجهله، سيما أنه أستهل بيانه بالفلسفة الزائدة أن الكثير في الداخل والخارج يجهلون تاريخ الحزب .
لا بأس يا هذا إن زعمت أن من مبادئ الحزب التي لا يمكن العودة عنها والمساومة عليها كما زعم اليدومي “النظام الجمهوري والديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية وأن الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر هي ضمير الشعب والوحدة اليمنية في ٢٢ مايو تحقيق لأهدافهما، وأن الإنتخابات هي الطريق الوحيد للسلطة” ..! وبرغم أن نبراس الوطنية ومؤرخ التاريخ اليمني الفقيد عبدالله البردوني أخبرنا بخلاف مايزعم اليدومي، ففي 5 نوفمبر 1967م، قام إنقلاب في صنعاء أطاح بالجمهورية، وصفه البردوني في كتابه “الثقافة والثورة في اليمن” قائلاً: ((هذا المظهر الحزبي تلاشى في ساعات إذ لاحت إلى جانبه قوة مشيخية أحتلت القصر الجمهوري، وتبدى خليط مشائخي، تكوَّن كحزب 1968م وتَسمَّى “جمعية سبأ” وكان خليط من السياسيين المرموقين والسياسيين المحترفين والشيوخ المتحالفين مع بعض الضباط، إما بواحدية المنطقة، واما بواحدية المصلحة أيام شدة تنازع المصالح، وكانت السلطة الحقيقة بيد أربعة شيوخ يصلون إلى المرام على يد السلطة الخارجية للسلطة، واظهر نظام الفترة أعنف مقاومة فكرية ضد الحزبية بكل أشكالها وذلك بعد إنقلاب نوفمبر بثلاث سنوات، مع أن بطانة السلطة من جماعة سبأ)) .. مع العلم أن أحد المشائخ الأربعة هو الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر .
أما خالد بن محمد القاسمي كتب في كتابه “الوحدة اليمنية” حول تسمية الدولة اليمنية رسمياً “بدولة إسلامية” قائلاً : ((واسترضاء للسعوديين وافق اليمنيون على إنشاء واجهة إسلامية للحكم هي “مجلس الشورى)) .. وكان الشيخ “عبدالله بن حسين الأحمر” هو رئيس مجلس الشورى الإسلامي وأحد المشائخ الأربعة ورئيس الجبهة الإسلامية لاحقاً وتالياً رئيس التجمع اليمني للإصلاح .
كما نصت المادة (37) من دستور إنقلاب 67 على أن الحزبية بجميع أشكالها محظورة، وتم اغتيال بطل حرب السبعين يوماً الشهيد عبد الرقيب عبدالوهاب في ابريل 1969م، وللأمانة وللإنصاف ليس كل المشائخ إخوان بل احدهم فقط وهو الشيخ “عبدالله بن حسين الأحمر” حسب ما نعرفه .. وحسب التاريخ اللاحق وحسب توصيف البردوني ((واحدية المنطقة أو واحدية المصالح)) وهي الرابط التي يستغلها الإخوان في تمرير تحالفاتهم واجنداتهم، ولاحقاً يُوضِّح البردوني بأن الخلاف مع الإخوان هو سياسي وليس إسلامي، فالمجتمع اليمني كله مسلم ((إذ ليس في اليمن كنائس ومساجد ولا نزاع ديني … فالذين يختلفون مع جماعة الإصلاح يرجعون إلى الوجهة السياسية بدلاً عن الوجهة الإسلامية التي تتجه إلى قبلة واحدة)) .. “البردوني الثقافة والثورة في اليمن” .
وهذا توضيح لموقف رئيس التجمع اليمني لحزب الإصلاح من الوحدة من كتاب خالد بن القاسمي “الوحدة اليمنية” حيث يقول في الصفحة 162 و 163 : ((الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شيخ مشائخ حاشد يرفض فكرة الوحدة مع الجنوب بل أنه يرفض الوحدة الوطنية داخل الشطر الشمالي نفسه، فهو لا يقبل فكرة الميثاق الوطني الذي طرحه الرئيس على عبدالله صالح، والجبهة الوطنية التي تضم الأحزاب اليسارية في الشمال، وكذلك المثقفون هم “مجموعة صعاليك” مرتبطون بعدن وموسكو لأنهم يطالبون بقطع العلاقات مع المملكة العربية السعودية التي تقدم لنا المساعدات لما فيه خيرنا وتقدمنا))
وكانت قد ذكرت صحيفة الرأي العام الكويتية في 18 أغسطس 1980م أنه جرى قتال بين الجبهة الوطنية الديمقراطية وبين تجمعات مسلحة من الإخوان المسلمين قريباً من محافظة “إب” .
((الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر زعيم قبائل حاشد ويرأس الجبهة الإسلامية … طالب في مارس 1982م بتشكيل جيش شعبي من رجال قبائلهم لمحاربة الجبهة الوطنية وتصعيد المواجهة مع اليمن الديمقراطية)) .. “التقرير السياسي لجريدة الخليج العدد 9 أبريل 1982م” .
لا بأس من زعم اليدومي مبادئ وأسس بعيدة كل البعد عن تاريخ الحزب، وبرغم كل ما سبق من صواريخ باليستية برؤوس نووية تاريخية لن يستطيع اليدومي شطبها أو مسحها من تاريخ حزب الإصلاح الإخواني، بل تنسف زيف المبادئ والأسس التي لحنها وغناها ثنائي ما بعد المراجعات الفكرية للإخوان اليدومي وتوكل كرمان، رغم كل ذلك سأترك الفقيد عبدالله البردوني يطلق رصاصة الرحمة على أول قائد حزب يجهل تاريخ حزبه.. حيث يكتب البردوني في كتابه الثقافة والثورة في اليمن صفحة 36 : (( وكان أهم ثمار الوحدة علنية التعددية وصدور صحف تمثل التعدد … إن هذه التعددية حديثة العهد على الصراع الحزبي، بشروطه المعاصرة فهي على أشد إختلاف مع جماعة الإخوان الذين إنضافت إليهم قوى مشيخية وتجارية فأصبح إسم جماعة الإخوان “جماعة الإصلاح” لكي تدل التسمية على الحزبية وعلى نهجها المحافظ، ولابد أن هذه الخصومات تقوي كل الفرقاء، لأنها إصطراع مفاهيم لا محاربة عشائرية لهذا بدأت جماعة الإخوان تنكمش من كل جوانبها بعد فقدان تفردها على الميدان الشعبي، وعلى المراكز الخلفية في السلطة وقد سبقت الإشارة إلى أن جماعة من الشيوخ والضباط تسمّوا بـ “جمعية سبأ” في مطلع السبعينات، ولما كان المراد أكبر منهم أنضموا إلى الإخوانيين أو إنضم الإخوانين إليهم)) .
إنتهى الدرس هنا.. ونلتقي مع مقال آخر بعنوان (اليدومي وكرمان ورحلة التخلي عن الإخوان .. لماذا وكيف ولصالح من !؟) لتوضيح ماهية العلمانية الإخوانية ولماذا .
بقلم الكاتب: جميل أنعم