كتب/ إبراهيم محمد الهمداني: فاتحة العهد الجديد
لم تكن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014م، وليدة لحظتها، او نبتة طارئة في تربة المشهد السياسي اليمني، بل كانت نتيجة طبيعية لما قبلها من أحداث وتحولات سياسية، فكانت فعل الضرورة الذي لابد منه، خاصة بعد ان تحقق لوجودها الظرفين: الذاتي والموضوعي، وهما ظرفان لازمان لظهور ونجاح واستمرار أي ظاهرة اجتماعية أو ثقافية أو فكرية أو تحول سياسي أو غير ذلك.
تلا هذه الثورة مجموعة من الأحداث المتسارعة، التي جعلت البعض يدخل في دوامة التساؤلات، باحثا عن أي مبررات منطقية تعلل كل ما يحدث، ليصل أخيرا الى العجز التام والشلل الفكري، الذي يكتفي بمتابعة ما يحدث بصمت وذهول.
من المؤكد ان قيادة الثورة كانت تعمل وفق حسابات دقيقة وحنكة ظاهرة، تعرف جيدا متى تناور ومتى تهجم ومتى تقف ومتى تتكلم ومتى تصمت… الخ، حتى ان بعض المواقف التي لم يوجد لها مبرر أنذاك، قد اتضحت الغاية منها في الوقت الراهن.
وفي حين كانت القيادة السياسية تخوض الصراع السياسي على المستوى الخارجي، كانت ترتب اوضاع الشأن الداخلي بعد الفراغ السياسي، الذي نتج عنه عاصفة الاستقالات، التي بدأها رئيس الجمهورية أنذاك ورئيس الحكومة ومعظم أعضائها، بهدف ادخال البلاد في خالة من الفوضى والإرباك والعجز التام، وإحداث حالة من الفراغ السياسي، وتعطيل إدارة شئون البلاد، فجاءت اللجنة الثورية العليا، لإنقاذ البلاد وإدارة شئونها، استنادا الى مشروعيتها الثورية ومقتضيات الواجب الوطني والديني والأخلاقي، لتوجه للهاربين وأسيادهم صفعة مدوية، لم يتوقعوها ابدا.
كان هدف العملاء المستقيلين – بإيعاز من أسيادهم – هو إرباك قادة الثورة، وإضعاف موقفهم أمام الشعب، وتحميلهم عواقب ما ينتج عن ذلك حاضرا ومستقبلا، والضغط عليهم وإجبارهم من خلال الشعب، على التخلي عن الثورة، التي لم يجنِ الشعب منها غير التعطيل التام لمصالح الشعب، والعزلة والقطيعة عن العالم، والموت المحقق في كل الأحوال، حسب ما روجت وتروج لذلك مؤسساتهم الاعلامية ومرجفيهم، حينها يتحول هذا الارجاف الى سخط شعبي عارم تقوم بتمويله دول الخليج وتديره المخابرات الامريكية والإسرائيلية، وبذلك تظهر الثورة المضادة بطابعها الشعبي، لإرغام قيادة ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، على النزول عند رغبات وشروط وإملاءات القوى الإقليمية والدولية، والعودة الى حظيرة الطاعة وتقديم الولاء للقوى الإمبريالية، ما لم فستقوم تلك القوى بإشعال فتيل حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، بالإضافة الى دعم جماعة القاعدة الإرهابية، وتمكينها من السيطرة على الجزء الجنوبي من الوطن، لتتم بعد ذلك شرعنة التدخل الدولي او بالأصح الاستعمار.
الذي سيكون على صورتين : الأولى قوات حفظ سلام متعددة الجنسيات في الشمال والثانية قوات امريكية تحت مسمى محاربة القاعدة في الجنوب، وبذلك يصبح اليمن في قبضة الاستعمار الحديدية، بالإضافة الى الإيعاز الى حضرموت بالانفصال مقابل وعود بضمها الى مجلس التعاون الخليجي، الى غير ذلك من المخططات الاستعمارية الرامية الى إضعاف اليمن وتمزيقه ونهب ثرواته وخيراته، واستغلال موقعه الجغرافي في الصراعات الدولية.
رغم كل المعوقات والعراقيل وحساسية المرحلة، نجحت اللجنة الثورية العليا في إدارة البلاد، وتجنيبه المخاطر والويلات، وأفشلت كل المخططات الرامية الى تدميره أرضا وإنسانا. ثم جاء الاتفاق السياسي بين المؤتمر وحلفائه وانصار الله وحلفائه، ليرسم ملامح مرحلة سياسية جديدة، اكثر فاعلية ودينامية من المرحلة السابقة، حيث جاء تلبية للضرورة التي فرضتها طبيعة المرحلة، رغم انه كان قائما مسبقا على أرض الواقع ضمنيا.
ولكن لم يعلن عنه رسميا إلا في اللحظة المناسبة، فكان بمثابة صفعة جديدة ع وجه العملاء والعدوان، وبالضرورة ذاتها جاء تشكيل المجلس السياسي الاعلى، لإدارة شئون البلاد، بعد منحه الثقة من البرلمان، وسيتمخض عن ذلك في المستقبل القريب تشكيل حكومة لسد الفراغ السياسي الحاصل، وسد الثغرات على المجتمع الدولي، ومخاطبة العالم من منطق شرعية اقوى واكبر، تغلق عليه كل الأبواب والاعذار.
الجميل في الامر ام كل خطوة سياسية كانت تحظى بدعم ومباركة وتأييد شعبي جماهيري واسع، ليعلن الشعب أنه صاحب الشرعية الوحيد ومالكها المطلق، وأنه اتخذ قراراته بحرية تامة واستقلالية محضة، بعيدا عن إملاءات السفارات وضغوط القوى المتسلطة، وهيمنة السلاح والنفط والمال. لقد أعلن الشعب اليمني من خلال تفاعله الإيجابي مع قيادته السياسية أنه ماضٍ على درب الحرية والكرامة، وأنه قد انتزع حريته واستقلاله من أعدائه، ليخط للعالم فاتحة عهد جديد، تتهاوى فيه عروش الطواغيت والجبابرة.
وفجرا تعم العالم أنواره، ينحني إجلالا لأولئك العظماء الذين وقفوا في وجه الطغيان والاستكبار العالمي، وصنعوا التحولات العظيمة في مسار التاريخ والحضارة الإنسانية.
إن لم تكن هذه الجماهير هي الشرعية وصانعة القرار…… فمن غيرها؟!!!! وإن لم يكن اليمنيون هم صناع فجر البشرية والحرية والعزة والكرامة……. فمن غيرهم؟!!!