المشهد اليمني الأول/
نشرت صحيفة “الكونفيدينسيال” الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن الأسرار التي كشفتها التسجيلات المفقودة للطيار الذي ألقى بالقنبلة النووية على هيروشيما، المدينة اليابانية المنكوبة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إن الطيار بول تيبيتس ركب طائرة قاذفة قنابل من طراز “بوينغ بي-29″، تابعة لقوات جيش الولايات المتحدة، التي أطلق عليها لقب “إينولا جاي”، نسبة لاسم والدته، في السادس من آب/ أغسطس سنة 1945. وأطلقت هذه الطائرة أول قنبلة ذرية تستخدم ضد المدنيين العزل تم تفجيرها على الساعة الثامنة وخمس عشرة دقيقة في صباح ذلك اليوم.
وأوضحت الصحيفة أن هذه القنبلة أنهت حياة 140 ألف ياباني، وما زال أولئك الذين ظلوا على قيد الحياة يعانون من مخلفاتها الجسدية والنفسية حتى يومنا هذا. وخلال هذا الصيف، تم إحياء الذكرى السنوية الثالثة والسبعين لاستهداف هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة الذرية. ولعل العثور على تسجيلات المقابلات التي قام بها الطيار بعد إلقاء القنبلة، والتي كانت مفقودة لعقود متتالية، مثل محطة مميزة ومفاجأة للجميع خلال هذه المراسم تحديدا.
وأضافت الصحيفة أن الطيار بول تيبيتس صرح في إحدى التسجيلات، التي ظن الجميع أنها فقدت للأبد، قائلا: “لقد شاهدت التوهج الذي انبعث لحظة انفجار القنبلة، وتذوقته أيضا. نعم، لقد كان قابلا للتذوق”. وأورد تيبيس أنه تذوق طعم الرصاص، وشعر بارتياح كبير ساعتها؛ لأنه تأكد من انفجار القنبلة. وخلال السنة الماضية، تم العثور على تسجيلات الطيار وسط ممتلكات مواطن ياباني تم التبرع بها من قبل أسرته لمتحف هيروشيما التذكاري للسلام.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه التسجيلات كشفت عن بعض الأحداث التي دارت داخل الطائرة، بالإضافة إلى المشاعر التي اختلجت الطيار بعد أن ألقى القنبلة على المدنيين. فعلى سبيل المثال، اتضح أن هذه المهمة كانت سرية للغاية، وهو ما جعل الطيار ورؤساءه يحضرون مسدسا وكبسولات مليئة بسم السيانيد حتى ينهوا حياتهم بأنفسهم في حال وقوع الطائرة وفشل المهمة. ومن المفارقات التي يمكن ذكرها، أن الطائرة غادرت مكان القصف بشكل طبيعي وهادئ، في حين علق تيبيتس على صوت لحظة الانفجار قائلا: “تخيل أن تكون داخل مبنى نحاسي، وأن يكون هناك شخص يضربك بمطرقة. هكذا كان التأثير الصوتي”.
وأردفت الصحيفة بأن التسجيلات التي عُثر عليها موزعة على 27 شريطا تغطي ساعة كاملة من التسجيلات، وقد تم نسخها على 570 صفحة ورقية. وعلى الرغم من أن هذه التصريحات غير متوفرة للعموم حاليا، إلا أنه من المرجح أن تكون متاحة قريبا. وعلى الأغلب أن هذه التسجيلات تعد نسخة من التسجيلات الأصلية التي اعتمد عليها المؤرخان جوردون توماس وماكس مورجان ويتس لتأليف كتاب “إينولا جاي: المهمة في هيروشيما” في أواخر السبعينات. علاوة على ذلك، تحتوي التسجيلات على شهادات جاكوب بيسر، وهو ملازم كان على متن إينولا جاي، وتوماس فيرباي، الذي ضغط على الزر لإلقاء القنبلة على مدينة هيروشيما. من جهته، أكد رئيس المتحف، ريو كوياما، أن الشهادات “ذات قيمة تاريخية كبيرة”.
ونوهت الصحيفة بأن تصريحات تيبيتس بشعوره بارتياح كبير بدت مثيرة للغرابة، خاصة بعد أن ساهم بشكل مباشر في إنهاء حياة الآلاف. وقد بدا الطيار متصالحا مع آرائه إلى حين وفاته في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2007 عن سن يناهز 92 سنة. وقد نشر المؤرخ بيتر ج. كوزنيك مقالا مفصلا عن هذه الانطباعات في إحدى المجلات الأكاديمية، تحت عنوان “الدفاع عن الأمور التي لا يمكن الدفاع عنها: تأملات في حياة بول تيبيتس”، خاصة أن الطيار ظل آخر 62 سنة من حياته يدافع عن القصف النووي للمدينة اليابانية.
وبينت الصحيفة أن الطيار بول تيبيتس والأدميرال ويليام بارسونز فقط هما اللذان كانا على علم بأن القنبلة الموجودة في الطائرة هي قنبلة نووية. كما كانت المعلومات التي قدماها لبقية أفراد طاقم الطائرات السبع في الأسطول غامضة. وقد كشفت التسجيلات عن بعض ما دار بين الطيار والأدميرال، على غرار أن “القنبلة التي سترميها هي شيء جديد في تاريخ الحرب”، بالإضافة إلى أن “هذا السلاح سيكون الأكثر تدميرًا على الإطلاق. ونعتقد أن هذا السلاح سوف يدمر بشكل كبير المدينة على ارتفاع حوالي 1.6 كيلومتر”. كما أكد كلا الطرفين أن “غدا، سيعرف العالم أن هذه الطائرة ساعدت في إنهاء الحرب”.
وأكدت الصحيفة أن الفريق المتواجد على الطائرة كان بصدد اللهو وإلقاء ثمار البرتقال على صديقهم النائم حين وصلوا إلى مكان المهمة. وقد وصلت الطائرة إلى المكان قبل 17 ثانية من موعدها المقرر، وضغط توماس فيرباي على الزر الذي أسقط القنبلة على هيروشيما صارخا: “انفجرت القنبلة”. في الأثناء، أعلن تيبيتس ما يلي: “يا أصدقاء، ألقينا أول قنبلة ذرية في التاريخ”.
وفي الختام، أوردت الصحيفة أن الطيار تيبيتس حذر بقية أفراد الفريق الموجود على متن الطائرة قبل نزوله، ألا يتفوهوا بالحماقات، لأن كلامهم سيكون مسجلا وموثقا. فضلا عن ذلك، صرح تيبيتس خلال مقابلة صحفية سنة 2002 بأنه غير نادم على ما أقدم عليه؛ لأنه كان ينوي إنهاء الحرب، وبالتالي، محاولة إنقاذ الأرواح البشرية إلى حد كبير على كلتا الجبهتين.