المشهد اليمني الأول/

كلمة السيّد حسن نصر الله هي “بيت الكون” كما يقول مارتين هايدجر فهو يُشير إلى السعودية ومن حولها من الأعراب ومعبودهم ترامب قالها بصدقِ العارفِ لما يجري في السرّ وفي العلانية ومع ذلك لم تفهم دول الشرّ “السعودية، الإمارات، البحرين، أميركا” هو أن اللعب تحت الطاولة لم يعد قابلاً إلا لإنتاج الشلل فكيف هو إن خرج إلى فوق الطاولة بلا بوصلة أو توجيه عملي إذن لم يعد لمُشغّلي الحرب ولو جزئياً أي توصيف مُضلّل للصراع فيها والذي ظلّ منذ بدايةِ الربيعِ المشؤوم أطروحة ملوّنة وبقيادة كلٍ من السعودية وتركيا وأميركا وإسرائيل.

لقد أصبح واضحاً أن “أميركا تتاجر بدماء اليمنيين والسوريين مقابل دولارات الخليج”، وبالتالي فإن إيران بحلفِ المقاومة هي الآن مؤهَّلة لقيادةِ الشرق الأوسط مع تركيا إن تخلّت الأخيرة عن دعمها للإرهاب وطموحاتها المُفرطة في حب الهيمنة وبسط نفوذها بالقوّة العسكرية، واتّجهت في اصطفافٍ إيجابي نحو الشرق بدلاً من الأطلسي في مقابل تراجُع محور الشرّ خلف السطوح السياسية الهرِمة بلا نتيجة سوى تلك الأنهار من الدماء الني  خلّفها وراءه..

وما السجون المفتوحة في السعودية ضد مواطنيها إلا الدليل على فشل سياستها فضلاً عن النمو المستمر بالشعور بالغُبن داخل المملكة والمناهِض لمحمّد بن سلمان المُحتمَل تنصيبه ملكاً في الأيام المقبلة إلا أن الأمرَ معه قد يكون مُعقّداً أكثر حيث يقول الكاتب البريطاني هيرست “وقريباً سيكون العالم العربي قد هيمنت عليه طواغيت متشابهون ومنسجمون” “محمّد بن سلمان ومحمّد بن زايد”.

وقريباً جداً سنشهد توريث الفشل المدوّي للسياسة الأميركية في المنطقة، فإذا كان “دونالد ترامب” “ثور في متجر من أدوات زجاجية” بتعبير الكاتب الصحفي نيال فيرغسون “يحطّم القواعد التي بُني عليها النظام الاقتصادي العالمي أو أنه ينظر لساسته وكأنها سوق خضر” بتعبير علي لاريجاني ومن هنا يبدو أنه غير واعٍ بالمخاطر التي تلاحق أميركا بسب حروبه التجارية وتجاوزه المفرط للقانون الدولي..

إن السعودية هي أيضاً على نفس الخُطى بمواقفها المُتهوّرة ضد إيران وضد جيرانها العرب وقد ورّطت – مع الأسف – إمام الحرم المكّي في هذا الاصطفاف السعودي الأميركي المبني على العداوة لإيران. إنها ترى – وإن خطأ- أن ذلك سيشكل مستقبلاً خارطة جيو سياسية عظيمة لها على المستوى الإقليمي وهنا ربما تعوّل الرياض على الوقت الطويل لتمرير حفظ ماء الوجه في أحلام المكانة والهيبة بينما يشير معهد كانو الأميركي “.. إن الولايات المتحدة “كانت” تنعم بأكبر اقتصاد عالمي وقوّة عسكرية لحين إقدام ترامب على شنّ حربٍ تجارية خاطئة ضد حلفاء واشنطن”.

إن مأساة الفكر السياسي في السعودية ليس في ما هو عليه من انحراف صوب الأخطاء القاتلة حيث كون السعودية لا تملك نُخبة متحرّرة من قيودِ التبعية العمياء للسلطة الحاكِمة التي تتصرّف طبقاً لمقولة فرعون مصر والذي سجّلها القرآن الكريم (ما أريكم إلا ما أرى) مع الإشارة إلى أن السعودية منذ نشأتها لم يحكمها رجل مُثقّف أو حتى شبه مُثقّف.

في هذا الاتجاه شنّ الكاتب الأميركي ديفيد كيرك باتريك، في مقال له في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية هجوماً ناريّاً على وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان واصفاً إياه بـ”الاستبدادي” هذا وطالبت الأمم المتحدة السعودية بالكشف عن مصير الأمير السعودي نواف طلال الرشيد ومعتقلي الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان. وفيهم مُن لايعرف مكان له والمؤلم أن خيرة العلماء سجنتهم السعودية فضلاً عن النشطاء بمن فيهم من النساء وأطلقت الدُعاة الموالين للسلاطين ثم إن أميركا مطالبة من النخبة السياسية فيها بتحييد موقفها من إسرائيل والسعودية ولا تفتح لهما الباب كما أشار وكتب ماكس بوت في صحيفة الواشنطن بوسط – في مقالة حذّر فيها من تداعيات الدعم المُطلق للرئيس الأميركي دونالد ترامب لإسرائيل على شعبيتها داخل الولايات المتحدة الأميركية.

أما المشكلة الصحراوية وهي بيت القصيد في الرؤية المقلوبة للنظام السعودي بالاصطفاف المزيّف مع المغرب، هي أن الشعب الصحراوي موجود على حدود الجزائر مثل وجود المغرب وتونس وليبيا لكن الجزائر بقِيَمها ونضالها التاريخي هي مع المظلومين أياً كانوا وأياً كان لون بشرتهم، ويكفي أنها مسحت – وهي في عزّ الأزمة الاقتصادية- ديونها لعدّة دول إفريقية إصابتها المجاعة من الجفاف، وهي الدولة الوحيدة التي استقبلت المُهجّرين السوريين وأعطت لهم ما يُعطى لأبنائها من حقٍ في التعليم المجاني والصحة المجانية والسكن من دون أن تجعل منهم لاجئين تحت رحمة المنظمات الدولية. هذه المواقف المشرّفة إلى جانب ثبات موقفها تجاه فلسطين تُحسَد عليها، ولذلك تُحاك ضدها المؤامرات من أشقائها ومن غيرهم لكن ربما لا يعرف أصحاب هذه المؤامرات قوّة الجزائر أمنياً وسياسياً وتاريخياً وجهادياً وجغرافياً، ويظّنون أنهم يلعبون بالتاريخ أكثر مما هي تملك من التاريخ في الجهاد والمقاومة والدبلوماسية والمصالحات.

كما لعبوا بالربيع العربي المشؤوم ربما أيضاً يتصوّرون أن المال يبني الحضارات ويصنع التاريخ ! وهم يعلمون أن الجزائر بَنَت مجدها بمواقفها وسلوكها الإنساني وشهدائها. مَن الذي أخرج الرهائن الأميركيين من السفارة الأميركية في طهران وبموقف مشرّف لإيران. ومَن الذي وقف إلى جانب تونس في محنتها بالمال والمخابرات وآخرها مَن أفشل محاولة انقلاب فيها إنها الجزائر..

في مقابل ذلك كانت المغرب تنشئ مستشفى عسكرياً في الأردن لمعالجة “الدواعش” في انتظار سقوط سوريا… نعم الجزائر تراقب ما يجري على حدودها مع المغرب لأن المغرب أصبح مُخترقاً من الموساد فضلاً عن التطبيع القائم مع إسرائيل وليس سراً إن قلت أن في المغرب خلايا سرّية للموساد وبمعرفة الأجهزة الأمنية المغربية، وتقول مصادرنا إن الصهيوني المغربي الموطن “عمير بيريتس” والذي أصبح لاحقاً وزيراً للدفاع في إسرائيل هو وراء هذه الخلايا منذ كان في المغرب باعتباره من يهود المغرب المُتصهينين وهناك من التسريبات التي تؤكّد على أن المغرب في اصطفاف مع إسرائيل ضد الجزائر أيضاً وبتوافق مع السعودية وأميركا…

نعم الجزائر تعلم ما يدخل سراً وعلانية من الأجهزة الاستخباراتية إليها يومياً، سواء من أميركا أو من فرنسا أو من إسرائيل وقد ازداد بعد أن رفضت الجزائر الدخول في حلفٍ عسكري مع فرنسا للقتال في شمال مالي وإجرائها للمصالحة فيه. وأيضاً حين رفضت إنشاء قواعد عسكرية أميركية في الجنوب الجزائري خاصة مطارات لطائرات من دون طيّار.

إذن ما تلعبه المغرب ضد إيران بإيعاز من السعودية هو في الواقع تخطيط إرهابي ضد الجزائر لأن الجزائر رفضت اتهام حزب الله بالإرهاب وأبقت علاقتها معه هناك قضية تبدو جوهرية في الصراع المفترض بين الجزائر والمغرب. هي مشكلة تهريب المخدرات بعِلم المغرب إلى الجزائر وقد أشار إليها السيّد رئيس الحكومة أحمد أويحيى بوضوح حين قال”أولئك الذين يحاولون من الخارج إغراق بلادنا تحت تدفّق هائل للمخدرات والكوكايين”.

واعتبر السيّد أويحيى أن الأمر “يتعلق باعتداء حقيقي على شعبنا من خلال محاولة تسميم شبيبتنا وكبح مسار تنميتنا كما يُعدّ إهانة خطيرة للمستقبل المشترك للشعوب المغربية”. هي أن الشعب الصحراوي موجود على حدود الجزائر مثل وجود المغرب وتونس وليبيا، لكن الجزائر بقِيَمها ونضالها التاريخي هي مع المظلومين أياً كانوا. والأكيد أنه “لا مفر من تراجع السعودية عن المُكابرة بحثاً عن تسويات اقليمية مع إيران”.

كتب : محمّد لواتي – رئيس تحرير يومية المُستقبل المغاربي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا