المشهد اليمني الأول/
بشاعة العدوان ووحشية المعتدين لم تتوقف حتى في شهر رمضان المبارك فما زال القصف مستمراً فوق رؤوس الأبرياء من المدنيين في عموم محافظات الجمهورية. ولم تستطع بشاعة هذا العدوان الغاشم أن تطمس الصورة الحضارية الراقية التي يتمتع بها أفراد الشعب اليمني كبارا وصغارا وأطفالا ونساء بل زاد التكافل بين أبناء المجتمع وحل التراحم في صورة حضارية توضح للعدوان وللعالم اجمع أن هذا الشعب لن يركع وانه صامد ومتماسك محافظ على وحدته وبنائه .
هذا العدوان السعودي الأمريكي الذي يتعرض له شعب اليمن الآن كشف عن قبح وحقد من يقف وراءه على اليمن أرضا وإنسانا فانه أبان الوجه المشرق للمجتمع اليمني صاحب الشهادة من خير خلق الله محمد بن عبدالله عليه وعلى اله أفضل الصلاة وأزكى التسليم بأنهم ارق قلوبا والين أفئدة وان الإيمان يمان والحكمة يمانية.
اليوم ورغم الصواريخ والقذائف المدمرة التي تطلقها طائرات العدوان صباح مساء على رؤوس الآمنين من أبناء اليمن إلا أن الثبات والصمود والتآلف الذي تعاظم بين أوساط الشعب أذهل العالم بأسره وأكد معدنه ونقاء هذا الشعب وعراقته وأصالة معدنه .
لم ينل المعتدون من عزيمة وإرادة اليمنيين شيئا ولم يكن الذعر والخوف والهلع إلا في نفوس وعقول القتلة من المعتدين والمرتزقة والمأجورين وخير دليل على تماسك هذا الشعب وعلى تراحمه ما يحل في سواحل وقرى المناطق الشمالية التي تتعرض لقصف عنيف من قبل طائرات العدوان وحصار بري منعت أصحاب تلك المناطق من مزاولة أعمالهم أو الذهاب للاصطياد وطلب الرزق، ففتحت البيوت أبوابها للنازحين وتقاسم أفراد تلك المنطقة ما بحوزتهم من مأكل ومشرب في صورة مشرقة تبين مدى تعاون وتراحم أبناء المناطق التهامية وغيرها من المناطق التي تتعرض لهجوم شرس من قبل مرتزقة العدوان.
رمضان والقيم الإنسانية
وفي السنة الرابعة على التوالي يحل رمضان هذا العام والقذائف الصاروخية والأسلحة المحرمة دوليا التي استخدمها العدوان السعودي ضد أبناء الشعب اليمني في العاصمة صنعاء ومختلف محافظات البلاد وتسببت في إزهاق أرواح الآلاف من الأبرياء وإصابة الآلاف وتدمير آلاف المنازل على رؤوس ساكنيها وتخريب المنشآت الحيوية والمرافق العامة وتخريب كل ما يتصل بضرورات الحياة المعيشية فشلت في إحداث أي فرق في فجوة تماسك الشعب اليمني وصلابة نسيجه الاجتماعي ليسطر اليمنيون لوحة رائعة من الصمود والانتصار لقيم الحياة الإنسانية ومفاهيم ومبادئ الخير والسلام وخاصة في شهر رمضان المبارك .
وإذا كان العدوان قد نشر القتل والخراب على نطاق واسع في الأرض اليمنية بهدف نشر الذعر في أوساط اليمنيين وكسر إرادتهم فانه لم يزدهم إلا إيمانا وتمسكا بحقهم في الحياة والصمود الأسطوري من اجل الدفاع عن وطنهم وعن كرامته وقدسيته وقدم أروع الأمثلة في التكافل الاجتماعي والتي ساهمت إلى حد كبير في التخفيف من الآثار الكارثية الناجمة عن هذا العدوان الغاشم وآلته التدميرية البشعة.
حصار وتكافل
العدوان السعودي المرتعش رغم امتلاكه كل أدوات البطش والقتل والدمار لم يكتف باستباحة الوطن اليمني وقتل شعبه الأعزل أمام العالم بل استخدم نفوذه والأموال الطائلة التي يمتلكها في شراء مواقف العالم وذمم المأجورين والمرتزقة في الداخل والخارج، ولم يتوقف عند هذا الحد في مسلسل الجرائم التي يرتكبها يوميا طوال الفترة الماضية ومنذ باشر في عدوانه فإذا به يفرض حصارا جائرا تم بموجبه منع وصول أي إمدادات تموينية وغذائية للمواطنين في سائر مناطق اليمن ومنع وصول المشتقات النفطية والمواد الطبية والمساعدات الاغاثية ظنا منه بأنه قد يستطيع إبادة شعب بكامله جوعا وعطشا غير أن هذا الوهم الذي داعب خيالات المعتدين لا شك ارتد إلى نفوسهم وألحق الهزيمة النفسية بالمعتدين وهو يرى أن أبناء هذا الشعب العريق بما يتمتع به من قيم ومبادئ إنسانية راقية قد تغلب على كل ذلك السلوك الهمجي إذا باليمنيين يساعد بعضهم بعضا في سبيل تجاوز هذه المحنة.
مشاهد راقية
من أجمل الصور والمشاهد الحضارية الراقية التي سطرها أبناء الشعب اليمني في مواجهة آثار العدوان تلك الروح التعاونية النادرة التي أبدوها تجاه بعضهم وخاصة فيما يتعلق بإيواء النازحين ومن دُمرت منازلهم بفعل غارات الحقد السعودي.
ويروي أبناء مدينة الحديدة قصصا إنسانية رائعة عن كيفية استقبال أبناء هذه المدينة رمضان هذه السنة وكيفية ايوائهم لإخوانهم النازحين من أبناء مدن وقرى تهامة الذين اضطرتهم الأوضاع الأمنية الناجمة عن العدوان والقصف المستمر إلى ترك منازلهم واللجوء إلى المدينة.
ويقول هؤلاء أن أبناء مدينة الحديدة ورغم ظروفهم المعيشية الصعبة جراء انعدام وسائل الغذاء ومشتقات النفط استضافوا مئات الأسر النازحة في بيوتهم ورفضوا أن تنصب خيمة واحدة في العراء.. وأكدوا أن من العيب أن يصوموا ويناموا تحت سقف بيوتهم وإخوة لهم تحت الخيام يفترشون الأرض ويلتحفون السماء .
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فإن هناك صورا أكثر رقيا وإنسانية كما فعله الشاب عبده حسن الذي كان قد جهز بيتا متواضعا لإتمام حفل زفافه والانتقال مع عروسه إلى بيت الزوجية الجديد قبل حلول شهر رمضان المبارك ولكنه – كما يقول المهندس عبد الكريم عكيش وهو من أعيان المنطقة – أبى إلا أن يؤجل هذا الزفاف من اجل أن يمكن أسرة نازحة من المكوث فيه وبالتالي تأجيل عرسه إلى اجل غير مسمى وإلى أن يطفئ الله نار هذا العدوان الآثم.
إن هذه المشاهد والمواقف العظيمة التي يسطرها اليمنيون اليوم وخاصة في شهر رمضان المبارك على كامل التراب اليمني إنما تعكس جانبا بسيطا من عراقة وسمو أخلاق هذه الأمة التي لا شك لن تهزم أو تنكسر وقد امتلكت كل هذا القدر من الفضائل والأخلاق الإنسانية العالية في الوقت الذي تجرد فيه العدوان السعودي من كل القيم الإنسانية ولم يتمتع بأي خلق فاضل يدل على شيء من المروءة والرجولة والشهامة لذلك لن يحوز على أي نصر فالنصر وتحقيق المجد والمراتب الإنسانية العليا لا يحتاج إلى القوة والسلاح وامتلاك أدوات القتل والدمار فقط وإنما يحتاج إلى أخلاق فاضلة وقيم إنسانية رفيعة ترجح الكفة في مواجهة أي خصوم وأعداء .
نقاء اليمنيين
مظاهر التراحم والتكافل وتقاسم الرغيف الواحد هي سمات كل اليمنيين فغلبت عليهم روح الإيثار والتنافس على فعل الخير للحد من آثار العدوان في الشهر الكريم ولأن هذا العدوان قد افتقد للأخلاق فها هو اليوم ينهار ويترنح مع أسلحته القتالية أمام طهر ونقاء دماء اليمنيين الأبرياء ويتداعى بكل جبروته أمام عراقة وأخلاق وفضائل الشعب اليمني الذي قهر العدوان والحصار ليمضي مؤمنا بالله وبحقه في الحياة نحو تحقيق نصر مؤزر ربما يكون الأعظم في التاريخ الإنساني الحديث .