كتب: ناصر قنديل

 

– يتساءل كثيرون عن مسار المواجهة التي بدأها الفلسطينيون وقدرتها على المواصلة ببذل الدماء والتضحيات من جهة، وعن الأهداف التي يرتبط بتحقيقها الانتقال لمرحلة جديدة من النضال الفلسطيني. ويعتقد البعض أنّ مصير هذه المواجهة سيكون إحباطاً جديداً يُضاف لإحباطات سابقة، فيكون الناتج سلبياً فوق هدر التضحيات، منطلقين من أنّ كيان الاحتلال في ظلّ الحماية الأميركية والتحالف مع حكام الخليج سيواصل القتل بلا رحمة، ولن يقدّم أيّ تنازل، وفي المقابل ستتعب الناس وتستنزف طاقتها على التضحية بعد أسابيع أو شهور، وتتباطأ الاستجابة للدعوات حتى تنعدم.

 

– في الحقيقة هذا هو الرهان الأميركي الإسرائيلي الخليجي، حتى لو كان تخوّف البعض الآخر نابعاً من الحرص والقلق. ومناقشة هذا المنطق أكثر من ضروروية، وهنا لا بدّ من الأخذ بالاعتبار لعنصر أوّل يتصل بواقع غزة الواقعة تحت حصار قاتل خانق لم يعد يُبقي للفلسطينيين أيّاً من مقوّمات الحياة البسيطة، حتى يمكن القول إنّ البقاء على قيد الحياة داخل قطاع غزة صار مستحيلاً، وأنّ الموت جوعاً أو مرضاً هو البديل المتاح ما لم يخرج الفلسطينيون يدقون الباب بدمائهم.

 

– يجري هذا الانتفاض الدموي على السجن القاتل الذي باتت تمثله غزة تحت الحصار، على خلفية فلسطينية عامة تتصل بالقضية نفسها، حيث أقفلت مع تشريع القدس كعاصمة لكيان الاحتلال، كلّ الأبواب أمام آمال بتسوية أو عائد للتفاوض، وصارت القضية نفسها كحال أهل غزة أمام الحصار القاتل إما أن تدق الباب بدمها أو تموت بصمت. وبالرغم من الخطابات السياسية الفلسطينية المجاملة في مخاطبة حكام الخليج، بتقاسم وظيفي بين فتح في مديح السعودية وحماس في مديح قطر، يعرف الفلسطينيون شيئاً مهماً اليوم، وهو أنّ كذبة المذهبية التي أريد لهم دخول سجنها سقطت سقوطاً مدوياً بعدما أريد لهم أن يتوهّموا أنها مصدر الحماية البديل بغياب مشروع قومي عربي حاضر بقوة. وها هم يرون الذين كانوا يظنونهم حماة الطائفة والمذهب دعاة تسليم للقدس وفلسطين وقبول الفتات الذي يعرضه كيان الاحتلال. وبوضوح الصورة يحضر خيار المقاومة وتحضر قواها مرة أخرى في الوجدان الفلسطيني.

 

– المسار الذي يفتحه هذا الانتفاض هو الاستنهاض المتتابع للداخل الفلسطيني. وقد بدأت طلائع الحراك الواعد في الضفة الغربية والقدس، وبالتتابع ستنتقل الشرارة إلى الأراضي المحتلة عام 1948 واللاجئين في دول جوار فلسطين، والمهاجرين المستعدّين تباعاً لتنظيم رحلات بحرية لفك الحصار ومعهم نشطاء العالم الأحرار. وعلى إيقاع هذا التنامي والتعاظم ستكون كلّ جمعة موعداً لمواجهة وكلّ شهر سيكون الموعد مع مناسبة وفي حزيران مناسبتان، الخامس منه، وآخر جمعة من شهر رمضان كاليوم العالمي للقدس، حيث ستنهض عواصم ومدن في العالمين العربي والإسلامي لتنتصر للقدس وفلسطين، وسيصير الحصار حصاراً لكيان الاحتلال. وستجد مصر وأوروبا أنّ الإعلان عن فتح نهائي دائم لمعبر رفح وتخفيف المعاناة على سكان غزة أقلّ الأثمان الواجب سدادها لملاقاة الغضب المتعاظم.

 

– الحضور الإعلامي والسياسي والقانوني الذي حققته المواجهة حتى الآن ليس إلا بدايات الاستنهاض بعد غياب طويل، والصبر العظيم يكلله النصر العظيم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا