المشهد اليمني الأول/
في تسعينيات القرن الماضي، وخلال خطوات ياسر عرفات المتسارعة إلى توقيع اتفاقية استسلامية مع الكيان الصهيوني، قدم إليه الاقتصادي الفلسطيني الدكتور يوسف صايغ، خطة إنعاش اقتصادي عاجل لغزة وأريحا، تبلغ قيمتها 11 مليار دولار أميركي، منها مليارا دولار بشكل عاجل. ووفقًا للكاتب الصحفي الأشهر محمد حسنين هيكل، فإن الرئيس الأميركي -آنذاك- بيل كلينتون، تولى إقناع بعض أمراء وملوك الخليج بدفعها كتبرعات للسلطة الفلسطينية، في محاولة لتمرير “الاتفاق” في الشارع الفلسطيني المنهك.
رغم موقف عرفات من الاحتلال العراقي للكويت، نجحت خطط الإدارة الأميركية في توفير المال، وتحويل التوقيع الفلسطيني المبدئي على “أوسلو” إلى توقيع نهائي، ودارت عجلات السنوات، ليصبح التوقيع الفلسطيني جزءاً من خطة تصفية القضية الفلسطينية كلها، ومحاولة تحويل الوعي العربي إلى أن القضية “غزة” بدلًا من فلسطين.
وقبل هذا التاريخ بعقود، اعترف الملك السعودي سعود بن عبد العزيز، عقب عزله من قبل أخيه فيصل، بأن المملكة دفعت ملايين الريالات في سوريا، لتنقض عرى الوحدة المصرية – السورية، وتحقق لها ما أرادت في 28 أيلول 1961، بحركة عسكرية، لم يسبقها أو يلحقها تحرك شعبي أو مظاهرات، لتنهار أول وحدة عربية كاملة في العصر الحديث، بقوة الريالات المدعومة بالمخابرات الغربية.
عشرات الشواهد على ما فعله المال السعودي بالشعوب العربية ما تزال حاضرة، ويصعب حصرها في مساحة واحدة. عانت اليمن ويلاته مرات عديدة. تقدم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بأوراق اعتماده للسعودية – قبيل مقتله – مصحوبة بقنبلة سياسية، حين نشر نصوص مراسلات بين فيصل بن عبد العزيز والرئيس الأميركي جونسون، قبيل نكسة حزيران 1967.
النصوص، وإن كان بعضها نُشر سابقًا، تعد مهمة نظرًا لأن من نشرها حاكم عربي، أطلع سابقًا على سياسات السعودية المدمرة للدول العربية، ويأتي نشرها في وقت تخوض بلاده حربًا ضروس ضد السلاح السعودي والحصار العربي الخانق، الذي يحمل زورًا عنوان الحلف الإسلامي.
الخطاب الرسمي الموجه من السعودية في ديسمبر ١٩٦٦، يطالب بضرورة دفع الكيان الصهيوني لعمل عسكري ضد مصر وعبد الناصر في سيناء، لإجبار مصر على الانسحاب من اليمن، باعتبار مصر عدو مشترك لأمريكا والصهاينة والسعودية.
كشف الخطاب عن مدفوعات السعودية بالملايين لقبائل اليمن، لمساندة “الإمام” محمد البدر حميد الدين ضد ثورة الشعب اليمني، التي دعمها الجيش المصري، ولم تكتف بذلك بل دفعت لمرتزقة أجانب للقتال بجانب الملكيين، ونسقت مواقفها مع الصهاينة لإرسال طائرات الذخيرة للمرتزقة.
اعتراف محمد بن سلمان، ولي العرش السعودي، بما أنفقته المملكة في مصر ضد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وضد “السوفييت” في أفغانستان، وكلها أموال صرفت من أجل المصالح الأميركية، يأتي مكملًا لشواهد عديدة، غيرّت الأرض العربية تمامًا، وساهمت في تغييب الوعي العربي، ونتجت عنها نزيف دماء عربية طاهرة لا تزال سيالة على جبهات المواجهة مع أعداء الأمّة.
الأموال السعودية المتدفقة إلى الجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا واليمن ومصر، وغيرها، على امتداد الوطن العربي كله، ساهمت في تعرية البلدان العربية أمام عاصفة التطرف الوهابي، وتركت الأوطان فريسة أمام رياح التدخل الغربي السافر حينًا، المستتر غالبًا، بما يمنح المملكة السعودية الدرجة الكاملة في أداء دورها، وقد زرعها الاستعمار الغربي من أجله.
الدور السعودي يتكامل هنا مع الدور الصهيوني، والوظائف العديدة للكيانين الوظيفيين تصب في مصلحة الغرب الاستعماري، فالقوة الصهيونية موجودة للتطويع بعنف، والمملكة الوهابية المدعومة بالذهب والمال موجودة للتغلغل بهدوء، والدول العربية في غياب نظرية المقاومة وأدواتها أهداف سهلة متتالية، في غياب وحدة تتحرك وتتقدم، وتقنع الشعوب من المحيط إلى الخليج -بقوة الفعل القادر- بوجود بديل عربي حي.
(أحمد فؤاد – موقع العهد)