المشهد اليمني الأول/

منذ بداية العمليات العسكرية السعودية، أو ما يسمى «عاصفة الحزم» في 25 مارس 2015م، بغارات جوية استهدفت العاصمة صنعاء في يوم 26 مارس 2015م، استهدف الطيران العسكري القصر الرئاسي في عدن وقاعدة العند ومناطق في محافطة الضالع، واستهدف بعد ذلك في جنوب اليمن مناطق عديدة تحت ستار قصف أماكن الحوثيين والجيش اليمني وأتباع عفاش، في إشارة إلى الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح. وهنا أحب أن أؤكد أن التواجد العسكري الإماراتي والسعودي بدأ بالانتشار والتوسع في محافطات الجنوب منذ 26 مارس 2015م، أي بعد يوم واحد من بداية العدوان السعودي على اليمن، حيث أصبحت اليوم كل محافطات الجنوب محتلة من قبل القوات الإماراتية والسعودية ودول تحالف العدوان السعودي على اليمن، هناك حالات فوضى في محافطات الجنوب وإهمال وعدم توفير الخدمات الصحية وانتشار الأمراض وانعدم مياه الشرب الصحية والكهرباء وحرمان السكان من استلام معاشاتهم الشهرية، وهناك الاغتيالات والتصفيات الجسدية والسجون السرية والتعذيب والإخفاء والمطاردات والملاحقات للمعارضين للتواجد العسكري الإماراتي السعودي في الجنوب، والعدوان السعودي الإماراتي الأمريكي الصهيوني على اليمن، وهناك للأسف من يقول إن الإمارات والسعودية جاءتا لإنقاد اليمن وإعادة الشرعية، بينما كل مواد القانون الدولي الإنساني تكشف وتنص أن كل ما يجري في الجنوب احتلال وفي الشمال عدوان وجرائم ضد الإنسانية.

إذاً، ما هو الإحتلال؟ فريق اللجنة الدولية القانوني يعرف الاحتلال على النحو التالي:

تنص المادة 42 من لائحة لاهاي للعام 1907 على ما يلي: «تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو. ولا يشمل الإحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها».

وتنص المادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جينيف الأربع للعام 1949 على أن هذه الاتفاقيات تسري على أي أرض يتم احتلالها أثناء عمليات عدائية دولية. كما تسري أيضاً في الحالات التي لا يواجه فيها احتلال أرض دولة ما أي مقاومة مسلحة.

ينظم شرعية أي احتلال معين ميثاق الأمم المتحدة والقانون المعروف باسم قانون مسوغات الحرب «Jus ad bellum». فحين ترقى حالة في الواقع إلى مستوى الاحتلال، يصبح قانون الاحتلال واجب التطبيق سواء اعتبر الاحتلال شرعياً أم لا.

ولا فرق في هذا المجال، إن حظي الاحتلال بموافقة مجلس الأمن وما هو هدفه أو هل سمي في الواقع «اجتياحاً» أو «تحريراً»، أو «إدارة» أو «احتلالاً». ولما كان قانون الاحتلال مدفوعاً في الأساس باعتبارات إنسانية، فإن الحقائق على الأرض وحدها هي التي تحدد طريقة تطبيقه.

اليوم، الجنوب وفق تلك المواد محتل، ولا توجد فيه أي مقاومة مسلحة للتواجد العسكري السعودي الإماراتي الأمريكي الصهيوني، ويوجد هناك مرتزقة تم تجنيدهم من قبل القوات الإماراتية وتدريبهم في معسكرات خاصة في إرتيريا لمدة أربعين يوماً، وأغلب هؤلاء المجندين هم من الشباب العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات اليمنية وعندهم مستويات دراسية عالية وشهادات دبلوم جامعي أو بكالوريوس جامعي، ويتم الزج بهم في جبهات القتال مع قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية في باب المندب وميدي والمخا ومناطق الحدود السعودية مع اليمن، وأغلب من يذهبون إلى المناطق يقتلون بطرق متعددة، والشيء المؤسف أن العديد من هؤلاء لا يحملون أي أرقام عسكرية تكشف عن هوياتهم، وهذا يعني أن الإمارات تعمد إلى حرمان العديد من أبناء الجنوب من الترقيم العسكري بهدف إخلاء نفسها من أي مسؤوليات في حالات تعرضهم للإصابات أو الموت في جبهات القتال، وهذه أفعال وأعمال تنافي مع مواد القانون الدولي الإنساني المتعلقه بمثل تلك الحالات، فحالات إهمالهم وحرمانهم من حقوقهم المكفولة في قوانين الالتحاق بالجيش وجبهات القتال هي بمثابه جرائم حرب.

وحول متى يكون قانون الاحتلال واجب التطبيق؟

تكشف اللجنة الدولية القانونية بأنه تصبح قواعد القانون الدولي الإنساني ذات الصلة بالأراضي المحتلة واجبة التطبيق عندما تقع أرض ما تحت السيطرة الفعلية لقوات مسلحة أجنبية معادية، حتى لو لم يواجه الاحتلال أي مقاومة مسلحة ولم يكن هناك قتال.

ويستدعي مفهوم «السيطرة» تفسيرين مختلفين على الأقل. فيمكن أن يفهم منه أن ثمة حالة احتلال حينما يمارس طرف من أطراف النزاع درجة معينة من السلطة أو السيطرة على أراض مملوكة للعدو. فعلى سبيل المثال، يمكن اعتبار قوات تتقدم داخل أراض أجنبية أنها في وضع الاحتلال ومن ثم ملزمة بقانون الاحتلال خلال مرحلة الغزو من العمليات العدائية. وهذا التفسير هو الذي تقترحه اللجنة الدولية في «التعقيب على اتفاقية جنيف الرابعة 1958».

وثمة تفسير بديل أكثر تقييداً يقول إن حالة الاحتلال لا توجد إلا عندما يكون أحد أطراف النزاع في وضع يسمح له بممارسة سلطة كافية على أراضي العدو حتى يتمكن من أداء جميع الالتزامات التي يفرضها قانون الاحتلال. ويتبع عدد من الأدلة العسكرية هذا النهج.
هنا يمكن القول إن القوات الإماراتية والسعودية والسودانية هي التي تمارس سلطات كاملة في مناطق الجنوب، فهناك حاكم عسكري إماراتي، وهناك حاكم عسكري سعودي، وهناك ضابط اتصال سوداني، وضابط اتصال من قوات الشرعية الموالية للرئيس اليمني الفار في السعودية، هي موالية للسعودية، وهناك ضباط اتصال لقوات «الحزام الأمني» التابع لـ«المقاومة الجنوبية»، وهو موال للإمارات، وعلاقات كل هؤلاء لا يسودها التفاهم أو الانسجام، هم في حالات تصادم دائماً، وكل واحد منهم يريد اقتلاع الآخر والسيطرة على مواقع بعضهم البعض.

وعن ماهي أهم المبادئ التي تحكم الاحتلال؟
واجبات سلطة الاحتلال محددة بشكل أساسي في لائحة لاهاي للعام 1907 (المواد من 42-56) واتفاقية جنيف الرابعة (اتفاقية جنيف الرابعة: المواد من 27-34 ومن 47-78)، بالإضافة إلى بعض أحكام البروتوكول الإضافي الأول والقانون الدولي الإنساني العرفي.

ولا يمكن للاتفاقات المبرمة بين سلطة الاحتلال والسلطات المحلية حرمان سكان الأرض المحتلة من الحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني (المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة) ولا يجوز للأشخاص المحميين أنفسهم التنازل عن حقوقهم في أي ظرف من الظروف (المادة 8 من اتفاقية جنيف الرابعة).

تنص القواعد الرئيسية للقانون المعمول به في حالة الاحتلال على ما يلي:

لا يكتسب المحتل سيادة على الأرض.
الاحتلال ليس إلا حالة مؤقتة، وتنحصر حقوق المحتل في حدود تلك الفترة.
يجب على سلطة الاحتلال احترام القوانين النافذة في الأرض المحتلة ما لم تشكل تهديداً لأمنها أو عائقاً لتطبيق القانون الدولي للاحتلال.
يجب على القوة المحتلة اتخاذ تدابير لاستعادة وضمان النظام والسلامة العامة بقدر الإمكان.
يجب على القوة المحتلة باستخدام جميع الوسائل المتاحة لها ضمان كفاية معايير النظافة الصحية والصحة العامة بالإضافة إلى الإمداد بالغذاء والرعاية الطبية للسكان الواقعين تحت الاحتلال.
لا يجوز إجبار السكان في المنطقة المحتلة على الخدمة بالقوات المسلحة لسلطة الاحتلال.
تحظر عمليات النقل الجماعية أو الفردية للسكان من الأرض المحتلة أو داخلها.
تحظر عمليات نقل السكان المدنيين التابعين لسلطة الاحتلال إلى الأرض المحتلة بغض النظر عن كون هذا النقل قسرياً أو طواعية.
يحظر العقاب الجماعي.
يحظر أخذ الرهائن.
تحظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم.
تحظر مصادرة الممتلكات الخاصة بواسطة المحتل.
يحظر تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها ما لم يكن هذا التدمير أمراً تستدعيه الضرورة العسكرية المطلقة أثناء مباشرة الأعمال العدائية.
يحظر تدمير الممتلكات الثقافية.
يحصل الأشخاص المتهمون بفعل إجرامي على إجراءات تحترم الضمانات القضائية المعترف بها دولياً (فعلى سبيل المثال يجب إخطارهم بسبب احتجازهم، وتوجيه تهم محددة لهم، والخضوع لمحاكمة عادلة في أسرع وقت ممكن).
يجب السماح لموظفي الحركة الدولية لـ«الصليب الأحمر» و«الهلال الأحمر» بتنفيذ أنشطتهم الإنسانية. ويجب منح اللجنة الدولية على وجه الخصوص إمكانية الوصول إلى جميع الأشخاص المحميين، أينما كانوا، وسواء كانوا محرومين من حريتهم أم لا.

في الجنوب اليوم لا تحترم الحريات الديمقراطية ولا توجد تعددية سياسية ولا حرية إعلام وصحافة، هناك قتل وتصفيات جسدية وجماعات مسلحة تمارس الاغتيالات والقتل وسط النهار، وهناك مداهمات لمقرات الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، ولا توجد محاكمات عادلة، هناك قهر وظلم وسجون سرية وانتشار أمراض وانعدام الكهرباء والصحة ومياه الشرب، هناك حالات فوضى وحرمان السكان من توفير الحماية لهم وانعدام الأمن والاستقرار، كل ما يجري في الجنوب من حرمان وإهمال وعقاب جماعي للسكان هو وفقاً للقوانين الدولية والانسانية ولائحة لاهاي للعام 1907 (المواد من 42-56) واتفاقية جنيف الرابعة (اتفاقية جنيف الرابعة: المواد من 27-34 ومن 47-78)، بالإضافة إلى بعض أحكام البروتوكول الإضافي الأول والقانون الدولي الإنساني العرفي، هو بمثابة جرائم حرب، وهناك في الجنوب احتلال بمفهوم كل القوانيين الانسانية، وحتى السماوية، فأين تلك القوانين والاتفاقيات الدولية من كل ما يجري في الجنوب؟ ولماذا لا يجري تشكيل لجنة تحقيق من قبل المفوضية الدولية لحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة لتقصي الحقائق عن ما يجري في جنوب اليمن من جرائم حرب وضد الانسانية والاطلاع على أوضاع المجندين من أبناء الجنوب مع القوات الإماراتية والسعودية و«الحزام الأمني»؟

متي ينتهي الاحتلال؟

وفق القانون الدولي الانساني، إن الطريقة الطبيعية لانتهاء الاحتلال هي انسحاب القوة المحتلة من الأرض أو دفعها إلى الخروج منها. إلا أن استمرار وجود قوات أجنبية لا يعني بالضرورة استمرار الاحتلال.

إن نقل السلطة إلى حكومة محلية تعيد تأسيس الممارسة الكاملة والحرة للسيادة ينهي حالة الاحتلال بشكل طبيعي، إذا وافقت الحكومة على استمرار وجود القوات الأجنبية على أرضها. إلا أن قانون الاحتلال يصبح واجب التطبيق من جديد إذا تغير الموقف على الأرض، أي إذا أصبحت الأرض مرة أخرى «واقعة تحت السلطة الفعلية لجيش العدو» (المادة 42 من لائحة لاهاي)، بمعنى آخر: تحت سيطرة قوات أجنبية بدون موافقة السلطات المحلية.

بعد كل ذلك نقول إن الامارات والسعودية ترفضان نقل السلطة إلى أبناء الجنوب، حين ترفض الإمارات نقل السلطة إلى المجلس الانتقالي الموالي لها فهدفها الاستمرار في الانفلات الأمني في مناطق الجنوب وإقحامها في الفوضى وعدم الاستقرار للاستمرار في السيطرة على جزيرة سقطرى وصرف الجواز الإماراتي للسكان في سقطرى والمهرة، مثل ما تعمل السعودية في شبوة وحضرموت، وإغلاق مطار عدن وميناء عدن والمنطقة الحرة، فهي تدرك أن عودة الدولة والسلطة للجنوب تعني عودة مؤسسات الدولة للعمل والأمن والاستقرار وعودة الحياة الطبيعية للسكان وعودة فتح مطار عدن ونشاط ميناء عدن والمنطقة الحرة وعودة عدن إلى موقعها الاستراتجي العالمي للربط بين القارات الثلاثة، تقلق الإمارتيين وتهدد ــ كما ترى هي ــ مصالحها الاقتصاديه ومنياء راس علي في الإمارات، وفي نفس الوقت ترفض السعودية عودة حكومة الشرعيه والرئيس الشرعي ــ كما تقول ــ للحكم والسلطة من مناطق الجنوب، فهي ترى في استمرار الانفلات الأمني والاقتصادي استمرارها في تحقيق أهدافها في ابتلاع واستقطاع وتغيير العديد من المعالم الحدودية والديمغرافية السكانية في شبوة وحضرموت والمهرة في محافظات الجنوب للحصول على منفذ بحري لها في بحر العرب والسيطرة على الجزر اليمنية في البحر الأحمر وبحر العرب.

الجنوب اليوم يا سادة… يا قوم… يقع تحت سيطرة قوات أجنبية، وهناك معارضة شديدة جداً لهذا التواجد العسكري الإماراتي السعودي السوداني وقوات دول تحالف العدوان الظالم بقيادة السعودية على اليمن، وما السجون السرية الإماراتية في الجنوب إلا دليل قاطع على تلك المعارضة.

وإذا كان، كما تدعي السعودية والإمارات، هناك ترحيب بهذا التواجد العسكري للقوات الأجنبية في الجنوب، إذاً لماذا كل هذه السجون السرية في الجنوب؛ هناك أكثر من 50 سجناً سرياً وهناك فنادق تحولت إلى سجون في عدن… وما خفي أعظم.

بقلم/ محمد النعماني

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا