المشهد اليمني الأول/
لم يعد «المزاج الأمريكي» مجمعاً على ضرورة دعم الإدارة الأمريكية في عدوانها على اليمن، ولم يعدّ المشرّعون الأمريكيون قادرين على تغطية الفشل السعودي العسكري المتراكم والمسجّل على مختلف الجبهات المفتوحة على مساحة الجغرافيا اليمنية.
بعد مضي ثلاث سنوات من عمر الحرب في اليمن، لا تزال مشاركة القوات الامريكية تخضع لكثير أخذ ورد في الداخل الأمريكي، آخر تلك السجالات كانت تحركاً في مجلس الشيوخ تم إطلاقه أمس الأربعاء، يهدف لإجبار الإدارة الأمريكية على وقف دعمها لـ«التحالف» في اليمن.
ثلاثة مشرّعون أمريكيون من الحزبين «الجمهوري» و«الديموقراطي»، قدَّموا مشروع قرار مشترك لإجراء تصويت نادر في الكونغرس على الانخراط العسكري لبلادهم في حرب اليمن، وفي حال لم يسمح الكونغرس بالذهاب إلى الحرب يمكن إنهاء الدعم الأمريكي ل«التحالف» الذي تقوده السعودية.
وقف كافة النشاطات العسكرية الأمريكية في اليمن
وفي هذا الإطار، أشار المحامي الأمريكي بروس فين “Bruce Fein” إلى مشروع القرار الذي تقدم به ثلاثة أعضاء من مجلس الشيوخ الاميركي “الكونغرس”، وهم السيناتور الجمهوري “Mike Lee” والسيناتور الديمقراطي “Bernie Sanders” و السيناتور الديمقراطي “Chris Murphy”، يطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف كافة النشاطات العسكرية الأميركية في اليمن.
وأوضح فين في مقالة له نشرتها مجلة “The American Conservative”، أنه “في حال تم تمرير مشروع القرار، فسيكون أمام ترامب 30 يوماً لوقف الدعم العسكري الذي تقدمه أميركا للسعودية وحلفائها الذين يشنون حرباً على اليمن”، ولفت الى أن كلًّا من “Lee” و “Sanders”، صرحا خلال مؤتمر صحفي يوم أمس أن الجيش الامريكي يشارك “بأعمال عدائية مع السعودية وحلفائها ضد جماعة “انصار الله” في اليمن، ويقوم الجيش الاميركي بتزويد الطائرات الحربية السعودية بالوقود و تقديم المساعدة الاستخباراتية والاستطلاعية”.
وتابع أن “ما قاله “Lee” بان مشروع القرار المقدم ليس ليبراليا أو محافظاً أو ديمقراطيا أو جمهوريا، انما هو “دستوري”. كما أشار الى ما قاله “Sanders” بانه “طالما ان الكونغرس لم يعلن الحرب او يقدم تفويضاً باستخدام القوة العسكرية، فإن ذلك يعني أن مشاركة أميركا بالحرب على اليمن “غير دستورية” و”غير مصرح بها”. وشدد “Sanders” على ضرورة أن يستعيد “الكونغرس” سلطته الدستورية.
وأكد فين أن وزارة الحرب الأميركية لطالما حاولت تضخيم الأمور من أجل تبرير “حروب غير معلنة” والحصول على ميزانية ضخمة، متهما “البنتاغون” بخلق خصوم، بهدف استمرار تدفق المال لمؤسسة الصناعات العسكرية في اميركا.
وأضاف الكاتب أن المساعدة التي تقدمها واشنطن للسعودية وحلفائها في اليمن تجعلها حليفة للسعودية في الحرب على اليمن، وذلك استناداً إلى القانون الدولي. وأاوضح أن “ذلك يجعل القوات الأمريكية “أهدافًا شرعية” لهجمات مضادة من قبل “انصار الله”، ويورط الولايات المتحدة بـ”جرائم الحرب” التي ترتكب بحق المدنيين، بما في ذلك قصف مئات المنازل ومجاعة يعاني منها الملايين بسبب الحصار السعودي”.
وقال إن “حركة “انصار الله” لا تشكل خطراً على الولايات المتحدة وليست مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة”، وأضاف أن الحركة تقاتل “أعداءنا اللدودين” المتمثلين بتنظيمي “القاعدة” و”داعش”، مشيرا إلى أن واشنطن تنصف التنظيمين على أنهما منظمتان إرهابيتان.
الكاتب تابع ان 15 شخصاً من بين الـ 19 الذين نفذوا هجمات 11 ايلول /سبتمبر كانوا مواطنين سعوديين، بينما لم يشارك أي “حوثيٍّ” بهذه الهجمات، على حد تعبيره.
وشدد الكاتب على أن دور الحليف العسكري للسعودية الذي تلعبه الولايات المتحدة في اليمن هو غير دستوري على الاطلاق، مشيراً الى ان “الكونغرس” لم يعلن الحرب “ضد الحوثيين”، ولم يعطِ تفويضاً باستخدام القوات الاميركية ضد حركة “انصار الله”.
ورحب فين بمشروع القرار الذي تقدم به أعضاء “الكونغرس” الثلاثة (“Lee” و “Sanders” و”Murphy”، ووصفه “بالبداية المشجعة”، وشدد على انه حان الوقت ليستيعد “الكونغرس” دوره في قضايا السلم والحرب.
كما ودعا المواطنين الاميركيين للضغط على أعضاء مجلس الشيوخ الآخرين ليتبنوا مشروع القرار.
تداعيات تمرير مشروع القرار حول اليمن
من جهة أخرى، كتب “ديريك دافيسون” و”جيم لوب” مقالة نشرت على موقع “LobeLog”، اعتبرا فيها أن مشروع قرار “Lee” و”Murphy” و”Sanders” يستعيد قانون “سلطات الحرب” الصادر عام 1973، الذي يلزم الرئيس الأمريكي بالتشاور مع “الكونغرس” قبل إرسال أي قوات أميركية إلى ساحات القتال.
وشدد الكاتبان على أن موافقة “الكونغرس” على مشروع القرار، قد يكون له تأثير كبير على العمليات العسكرية الأمريكية في مناطق أخرى مثل سوريا والساحل الافريقي، وأوضحا ان “قانون سلطات الحرب” وبينما يسمح للرئيس بأن يقوم بإرسال القوات إلى الخارج لفترة قصيرة في حالات الطوارئ، ينص كذلك على أن يصوت “الكونغرس” من أجل إعطاء التفويض لأي وجود عسكري اميركي في الخارج يتخطى 90 يومًا، ومن ضمنها فترة ثلاثين يوماً للانسحاب.
الكاتبان أشارا إلى أن دور واشنطن في الحرب على اليمن قد يتغير بشكل دراماتيكي في حال تم تمرير مشروع القرار، ولفتا إلى التقارير التي تفيد بأن إدارة ترامب بدأت من الآن مساعيها من أجل إقناع قيادة مجلس الشيوخ بعدم تمرير مشروع القرار.
وقال الكاتبان إن تنظيم “القاعدة” استفاد بشكل كبير من “تدخل السعودية في اليمن”، وأن هذه الحرب لا يمكن أن تستمر على الأرجح دون مساعدة واشنطن للسعودية وحلفائها، على حد قوله.
وتابعا أن مشروع القرار هذا يصب في إطار النقاش الواسع الذي يدور حول سلطات الحرب لدى “الكونغرس” و دوره في “الحرب على الارهاب”، التي كان قد أعلنها جورج بوش الابن. وأوضحا ان الحكومات الأمريكية استخدمت قانون “التفويض باستخدام القوة العسكرية” (المعروف بقانون AUMF) لمدة ما يزيد عن 16 عاماً من أجل تبرير العمليات العسكرية التي “تذهب أبعد بكثير من الرد على هجمات تنظيم القاعدة”.
وقال الكاتبان إن استعادة “الكونغرس” لسلطته العسكرية قد تكون له تداعيات كبيرة على “الحرب العالمية على الارهاب”، بما في ذلك التدخل الاميركي في سوريا وفي غيرها من الاماكن، وان ذلك قد يؤدي إلى اإصدار تفويض جديد باستخدام القوة يكون مقيداً اكثر بكثير من التفويض الموجود اليوم.
الناخبون الأمريكيون يريدون انسحابًا عسكريًّا امريكيًّا من دول مثل اليمن
بدوره، نشر موقع “Al-Monitor” تقريراً أشار إلى استطلاع للرأي صادر عن “لجنة السياسة الخارجية المسؤولة”، وهي جماعة تدعو الى تعزيز دور “الكونغرس” الرقابي للتدخلات العسكرية الاميركية، كشف ان 51.3 % من الناخبين الأمريكيين قد لا يصوتون لممثليهم بـ”الكونغرس” في حال عدم تحرك هؤلاء الممثلين من اجل الانسحاب الاميركي من دول خارجية مثل اليمن.
وبحسب التقرير، فان الاستطلاع يبين أن نسبة 67.4 % من الناخبين لا يؤيدون سماح زعامة “الكونغرس” باستمرار الدور العسكري الاميركي في نزاعات الخارج من دون ان يوافق “الكونغرس” رسمياً على ذلك.
ولفت التقرير الى أن مشروع قرار “Lee” و”Sanders” و”Murphy” يدعو إدارة ترامب الى سحب القوات الأمريكية من اليمن باستثناء تلك التي تشارك في العمليات ضد “القاعدة” و”داعش”، مشيرا الى ان “البنتاغون” بعث رسالة مكتوبة إلى جميع أعضاء مجلس الشيوخ ضد مشروع القرار المطروح.
وأضاف التقرير أن التعاون الحاصل بين المشرعين الأمريكيين من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري في موضوع المطالبة بوقف الدعم الامريكي للحرب على اليمن، يعطي الآمال للناشطين الامريكيين المعارضين للحروب.