المشهد اليمني الأول/
برقيات الخارجية السعودية المسربة عن طريق ويكليكس، والتي صدر بخصوصها كتاب هام، كشفت الكثير من المعلومات، والتي ربما لم تكن مفاجأة بقدر ما كانت مرسخة للحقائق.
فرغم التجمل السعودي وشراء الذمم واستئجار الأبواق الإعلامية، إلا أن صورة المملكة الحقيقية والمتمثلة في سعيها للهيمنة وتحالفها مع أمريكا وعلاقاتها السرية والتي باتت علنية مع “إسرائيل”، لم تكن خافية على المتابعين لسياسات المملكة منذ النشأة على قاعدة وظيفية تخدم أجندة الاستعمار.
ربما انخدعت بعض الشعوب، وربما انخدع مواطنو المملكة أنفسهم لبعض الوقت، وربما لم تكن السياسة السعودية بهذه الفجاجة الحالية، مما سهل الانخداع فيها، إلا أن الوقت الراهن كان كاشفا- بصراحة ودون حاجة لكشف وثائق- لطبيعة النظام السعودي والقائم على قمع داخلي ومطاردة للمعارضين بالخارج، وقائم على التدخل في شؤون الجيران والدول الأخرى عبر كل الوسائل السياسية والعنيفة بما فيها شن العدوان ورعاية الإرهاب وتمويله.
وطبيعة أخرى مميزة لهذا النظام السعودي، هي الازدواجية في المعايير والانفاق على شراء ذمم المؤسسات الدولية الكبرى والانفاق على مؤتمرات دولية لتجميل صورة المملكة وتقديم صورة مغايرة لطبيعتها وممارساتها الفعلية.
ماذا تناولت الوثائق؟
لعل ابرز ما لخصته الوثائق المسربة، متعلق بالعقلية الأمنية وافتقاد الدبلوماسية، واستخدام تأشيرات الحج استخدامات وظيفية متعددة المرامي والأهداف.
فتارة تستخدم التأشيرات كمصيدة للمعارضين للسياسات السعودية، وتارة تستخدم في المجاملة والرشوة، حيث توجد لجنة لدراسة آلية توزيع تأشيرات حج المجاملة لجميع البعثات بالخارج، وتتضمن الموافقة على تخصيص 34 ألف تأشيرة حج مجاملة يتم توزيعها على سفراء السعودية.
كذلك كشفت الوثائق استخدام السفارات السعودية في الخارج، في خدمة الأمراء ودفع ثمن ملذاتهم وشهواتهم، لدرجة الوصول إلى عقد اتفاقية قضائية مع وزارة العدل البريطانية تقضي بنقل السجناء المحكومين بين البلدين من أجل قضاء فترة سجنهم في بلدانهم.
وتسلط الوثائق الضوء على مؤتمرات تحمل أقنعة قيمية، في حين ان أهدافها الحقيقية لا علاقة لها بالقيم النبيلة، بل ترمي الى سياسات نفاقية وتطبيعية مع الأعداء، مثل فكرة إعادة طرح حوار الأديان لخطب ود الجمعيات الغربية وتحسين صورة السعودية كبلد يقمع الحريات واتخاذ حوار الأديان نافذة للتطبيع الخفي مع “إسرائيل”.
وتكشف البرقيات كيف استخدمت الرياض رابطة العالم الإسلامي كذراع لبسط نفوذها في الخارج وكوسيلة لاختراق المجتمعات وإثارة المشاكل والفتن بين المسلمين في بلاد المهجر وبسط نفوذ الفكر الوهابي التكفيري. وتكشف- ما أصبح معلنا – الإعداد للتطبيع والعلاقات السرية مع كيان الاحتلال.
ولم تنس الوثائق كشف دور السعودية في اليمن وشراء الذمم، وتردد بعض المرتزقة اليمنيين على سفارات السعودية في الخارج بادعاء أنهم منشقون عن القاعدة ولديهم معلومات عن التنظيم وقياداته والحوثيين وقياداتهم لتطلب الدعم المالي وتأمين التعليم لأبنائهم مقابل تزويد الجهات السعودية بالمعلومات، وهكذا تم شراء الذمم اليمنية.
وتؤكد الوثائق ما يتراءى للجميع بين الحين والآخر، بكشفها العلاقات المتوترة والتحالف الهش بين السعودية والإمارات، والخوف الهيستيري من قطر.
أما عن العداء للثورات العربية الحقيقية، فقد أكدته الوثائق بقوة، وكشفت كيف يتم إجهاض ثورة البحرين والسيطرة على السلطة بها وتمرير أجندة طائفية والمواجهة الإعلامية للثورة وتشويهها.
وعن دور السعودية في لبنان، كشفت استقطاب شخصيات معادية للمقاومة وكيف توبخ المملكة رجالها في لبنان مثل السنيورة بدعوى في انه لم يرد على المالكي في تصريحات داعمة للنظام السوري.
وتكشف الوثائق- ما هو معروف للعيان- عن الدور السعودي في سوريا والسعي لإسقاط النظام واستقطاب المنشقين السوريين عن طريق تأشيرات العمرة وتجاهل النازحين والتعامل معهم بانتقائية وفقا لمصالحها ووفقا للمعلومات التي يمتلكونها، وترى السعودية أن لها أهمية تجعلهم من المقبولين لديها ومن المسموح لهم بالاستقبال.
أما عن الدور السعودي في مصر، فقد أبرزت الوثائق، كيف تسعى المملكة للحيلولة دون تقارب مصري.. إيراني والاصرار على انتزاع تيران وصنافير.
تكشف الوثائق الكثير والكثير، وتتحدث عن دور المملكة في تمويل الإرهاب من جهة واستخدامه كفزاعة للبطش الداخلي والتجمل خارجيا من جهة أخرى.
وتكشف ملاحقة المعارضين السعوديين في الخارج، والتشكيك في رعاتها القدامى مثل بريطانيا لاستضافتها المعارضين.
وتكشف الدور السعودي في تونس واحتضان زين العابدين ومحاولة إعادة نظامه أو نظام على غراره، وكذلك الدور السعودي في ليبيا ومحاولات تقرب سيف الإسلام القذافي منها.
وتبرز التقارب السعودي مع كردستان وقبول وساطات عدة في هذا المجال منها ما قام به سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية عندما زار الاقليم والتقى مسعود برزاني وأبلغ السعودية أنهم حذرون من بغداد وحكومة المالكي وطالب السعودية بالتقارب مع الاقليم لمنعه من الارتماء في الحضن التركي أو الغربي.
وتلقي الوثائق الضوء على براجماتية المملكة في تعاملاتها، مثل الانتقاء في التعامل على حساب مصلحتها سواء مع شخصيات سنية أو شيعية تصفهم السعودية بالشيعة العلمانيين على حد وصف البرقيات.
كما تكشف حال المعتقلين في السجون السعودية من الداخل ومن الخارج خاصة المعتقلين المصريين دون تهم واضحة ودون محاكمات.
كما قلنا أن الوثائق لا تشكل مفاجآت لمن يعرفون حقيقة المملكة، ولكنها قد تؤكد هواجس المترددين وتكشف جديدا للجاهلين بحقيقتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم: إيهاب شوقي – كاتب عربي من مصر