المشهد اليمني الأول/
مسلسل كشف الأوراق السياسية للدول المطبّعة بدأت حلقاته تتوالى من تل أبيب، فرئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لم يفوت فرصة لفضح علاقاته وصفقاته مع دول الاعتدال العربي (كما يحلو لنتنياهو وصفها) إلا وانتهزها، كفضحه للتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية وصفقات الغاز مع الدول العربية، ولكن هذه المرة تم كشف المستور من قبل شخصيات فلسطينية مطلعة على العديد من الملفات الحساسة فيما يتعلق بالملف الفلسطيني، حيث هاجم عضو في الكنيست العربي السعودية بسبب علاقاتها مع اليمين الإسرائيلي، قائلًا إن لديها مصالح سرية في أن يظل نتنياهو في الحكومة.
وفي المقابلة التي أجرتها قناة “الميادين” اللبنانية، الثلاثاء الماضي، اتهم عضو الكنيست ورئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة، السعودية بكلمات صريحة وواضحة، لا تحتاج إلى تفسير، ولا تحتمل لتأويل، بأنها تقيم تحالفًا مع الحكومة اليمينية بزعامة نتنياهو، ويهدف التحالف لإبقاء نتنياهو في السلطة، وتعزيز قوته؛ لتنفيذ أهداف أكبر، قام من أجلها هذا التحالف، وهو تبرير ما يعرف بصفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية، وأول مظاهرها إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وتحويل إيران إلى عدو مشترك، وهي صفقة يقول عودة وقادة فتحاويون إن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، رفضها.
وقال عودة “إن النظام السعودي مع إسرائيل على المستوى الفعلي”، وأضاف أن “الأنظمة السابقة التي عقدت اتفاقيات صلح كانت تبرر على استحياء هذا التقارب، ولكن اليوم هناك شيء جديد بأن السعودية لا تريد لنتياهو أن يسقط، لا تريد لليمين الإسرائيلي أن يتغير، هي تريد له أن يكون أقوى من الوضع الحالي؛ لأنها تعتبر المسألة الإيرانية هي المسألة الرئيسية، وتعتبر أن نتنياهو مفيد أكثر من غيره في المعركة ضد إيران”.
وتساءل عودة: من هو حليف السعودية بهذه الرؤية؟ هل هو أفي غباي من حزب العمل، أم يائير لبيد من حزب “يش عاتيد”، أم هو نتنياهو زعيم اليمين الإسرائيلي المتطرف؟ هناك تحالف مباشر مع اليمين الإسرائيلي ومع نتنياهو؛ لأن السعودية تعتقد أن نتنياهو هو الأقدر على تحريض أمريكا ضد إيران والأقدر على العمل من أجل إلغاء الاتفاقية مع إيران.
وشدد عودة على أن التحالف بين السعودية وإسرائيل يجري تحديدًا مع اليمين الإسرائيلي، واتضح من أقواله أن اليسار ليس شريكًا في هذا التحالف، وأشار أيضًا إلى أنه يعتقد أن على نتنياهو الاستقالة بسبب سياسته والشبهات ضده.
كلام عودة يشير إلى أن هناك حلفًا جديدًا، بدأ يترسخ أكثر، يضم الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية في مقدمتها السعودية، حيث إن تلاقي هذه الجهات الثلاثة يفرض بقاء نتنياهو في السلطة، كخدمة لسلسلة أهداف تندرج جميعها تحت عنوان صفقة القرن.
ويرى مراقبون أن الاستراتيجة السعودية في المنطقة تقوم على عاملين: الأول تسلل بطيء نحو التطبيع ترتفع وتيرته تدريجيًّا، والثاني الترويج لاستبدال الجمهورية الإسلامية الإيرانية مكان العدو الصهيوني، وهي الاستراتيجية التي تندرج في أدق التفاصيل، حيث علق حساب “إسرائيل بالعربية” التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية بالأمس على نية هيئة الترفيه تشييد دار الأوبرا في جدة، وقال الحساب في تغريدة عبر “تويتر”: “ألف مبروك على افتتاح دار الأوبرا السعودية، معقل هام للثقافة والموسيقى، التي طالما قيل عنها إنها غذاء الروح”، وجاءت تغريدة الحساب التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، كتعليق على تغريدة للباحث السعودي عبد الحميد الحكيم، الذي يروج علنًا للتطبيع مع إسرائيل.
وفيما يتعلق بالرؤية المشتركة بين تل أبيب والرياض حول إيران وفصائل المقاومة، هناك تناغم بدا جليًّا بين السعودية والكيان الصهيوني في مؤتمر ميونيخ الأخير، فكلاهما سعى لشيطنتها، كما أنهما يسعيان لتدمير فصائل المقاومة، فالسعودية لا تتوانى عن وصف حماس وحزب الله بالإرهاب، وهو ما يتسق مع الرغبة الإسرائيلية.
الجدير بالذكر أن تصريحات عودة توافقت مع تقرير لقناة فرانس 24 نشر عام 2016، تحت عنوان “الملك سلمان موّل حملة نتنياهو العام الماضي”، وقالت القناة الفرنسية الناطقة بالعربية في الخبر الذي نشرته قبل أن تحذفه “كشفت تسريبات وثائق بنما أن العاهل السعودي الملك سلمان موّل حملة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الانتخابات التشريعية التي أجريت العام الماضي”.
وأضافت “الخبر نقله موقع لكم المغربي عن موقع فيترانس توداي الأمريكي، نقلاً عن عضو الكنيست ورئيس حزب العمل الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، أن الملك سلمان قام بإيداع ثمانين مليون دولار لدعم حملة نتنياهو في شهر مارس 2015 من خلال وسيط سوري إسباني يدعى “محمد إياد كيالي” في حساب شركة في جزر «فيرجن» البريطانية، المملوكة من قبل الملياردير ورجل الأعمال الإسرائيلي تيدي ساغي، الذي خصّص بدوره هذا المبلغ لتمويل حملة نتنياهو”.
وتقوم العلاقة بين السعودية وإسرائيل على معادلة بسيطة، فالسعودية جزء من المحور الأمريكي ولديهم رؤية واحدة أمنية وعسكرية واقتصادية للمنطقة، وتقوم هذه المعادلة على حماية السعودية لمصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة، بينما تقوم واشنطن وتل أبيب بحماية النظام السعودي والعمل على ضمان بقائه.
بقلم / خالد عبدالمنعم