المشهد اليمني الأول/ الوقت
بعد أيام من وأد فتنة صنعاء و مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي حاول إشعال فتيلها بتسويق خارجي لتفريخ الجبهة الداخلية وتدشين الإقتتال الداخلي، ظهر نجل شقيقه “طارق صالح” الذي أشعل فتنة صنعاء، وقائد الحرس الخاص الذي أوكلت إليه حماية عمه القتيل، ظهر وسط جموع لقبائل محافظة شبوة معزيا آل الزوكا في مقتل عارف الزوكا الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه عمه.
هذا الظهور المفاجئ والملفت؛ قوبل بحالة من السخط والغضب الشعبي شمالا وجنوبا. إذ كيف يبادر هذا الرجل إلى تعزية الرجل الثاني في حزب المؤتمر متناسيا أسرة عمه وذويه؛ وكيف نجى هذا الرجل الذي كان من المفترض أن يلقى مصرعه قبل عمه كونه قائد حراسته، ولماذا لم يكن حاضرا ومرابطا في معارك العاصمة الأخيرة التي أشعل فتيلها وزعم أنها معارك الدفاع عن الجمهورية ورئيسها السابق، زعيم الحزب.
تساؤلات عدة حجزت مكانها الواسع في عقول الكثيرين الذين لم يجدوا أي إجابات منطقية تفسر هروبه الغامض وإنتقاله إلى جبهة الجنوب تاركا عمه الصالح في جحيم صنعاء المستعر.
ورقة إستثمار الإنتقام
أرادت الإمارات التي تمسك بتلابيب جنوب اليمن أن تتلقف تعطش طارق صالح للإنتقام لمقتل عمه واستثمار ذلك في أمور عدة تجلت أولها في إقناعه بأنه رجل المرحلة ورجل المستقبل، وأن العدوان قد يأس من الشرعية المزعومة ويرغب في التخلص منها طالما وجد البديل، ولإثبات جدية ذلك استطاعت الإمارات أن تحرك الشارع الجنوبي عن طريق أدواتها الداخلية “المجلس الانتقالي الجنوبي” لرفض تواجد حكومة بن دغر، وتطورت تلك التداعيات إلى مواجهات مسلحة أمام أنظار طارق صالح الذي بلع الطعم، ودفع به الهوس السلطوي إلى تصديق مثل هذه الترهات والسيناريوهات العقيمة. وثانيها دعوته لإنشاء معسكرات في عدن جنوب البلاد بالتوازي مع دعوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا للإنتفاضة على حكومة منصور هادي وعدم الإعتراف بها.
احتراق ورقة الساحل الغربي
في ظل الإخفاقات المتواصلة لمرتزقة العدوان على الأرض في جبهات الساحل الغربي، ونظرا لعزوف أغلب الجنوبيين عن رفد الجبهات والمشاركة فيها بعد ان اكتشفوا انهم مطايا لتحقيق رغبات العدوان وخصوصا التواجد الإماراتي، وجد العدوان نفسه في مأزق ميداني حقيقي، فكان لا بد من إستغلال قضية مصرع الرئيس السابق على أيدي اللجان الشعبية، وفتح باب الثأر على مصراعيه بإيعاز قيادة أجزاء من الجبهة الغربية لـ طارق صالح تمهيدا لمشوار إسقاط المحافظات التي تبدو بوابة للوصول إلى صنعاء وما جاورها، لكن العديد من القيادات في الساحل الغربي رفضت الإنصياع لهذه الإستراتيجية فضلا عن عدم اعترافها بمشروع طارق واهليته للقيادة بعد تفريطه في نصرة عمه وقضيته التي طالما تغنى بها وعزف على اوتارها.
ورقة تخريبية في الجنوب
يرى الجنوبيون الذين لا يرغبون مطلقا بأي تواجد عسكري شمالي في عدن وبقية مدن الجنوب أن الإمارات في محاولتها المكشوفة لإمتصاص الغضب الجنوبي من وجود قوات تابعه لطارق صالح في عدن، تحاول فقط إمتصاص الغضب الجنوبي من خلال نشر أخبار مسربة تكشف تولي طارق صالح قيادة معركة الساحل الغربي.
ويؤكدون أن تلك التسريبات مفضوحة وتأتي بالتزامن مع خروج مسيرات منددة بوجود قوات موالية لغزاة الجنوب في صيف 94م في إشارة واضحة لميليشيات طارق العسكرية. ويبدي الجنوبيون إستغرابهم من لجوء الإمارات لـ الحيلة لإمتصاص الغضب الجنوبي من بقاء طارق صالح في عدن، متجاهلة أن أبناء الجنوب يرصدون كافة تحركات طارق الذي ينشئ حاليا معسكرات حديثة بتمويل ودعم وتدريب إماراتي، ويستقطب العشرات من المقاتلين بصورة يومية لعدن. مشددين على قناعاتهم بإن طارق صالح ليس أكثر من مجرد جندي موجه تستخدمة الإمارات لتنفيذ أجندة داخل الجنوب، وان ما يروج له من أخبار حول نية العدوان إسناد جبهات شمالية له، ما هي إلا مسرحيات هزيلة لذر الرماد على العيون.
ورقة تبادل الأدوار
تعد محافظة تعز الجبهة العسكرية الجنوبية للجيش اليمني ولجانه الشعبية، وهي أكبر الجبهات من حيث الامتداد الجغرافي، بدءً من كرش، مروراً بحيفان، الوازعية ثم كهبوب، وانتهاء بالمخا ثم الهاملي”موزع”، وهي الأكثر عددا من حيث قواعد الاشتباك الميداني المستمر. استراتيجيا، تبقى تعز المنطقة الأكثر أهمية للعدوان على المستوى العسكري؛ كونها أرضية خصبة للصراع، ومرتع يعج بالتناقضات والتباينات والولاءات من أغلب تكويناتها المنتفعين، وهي فرصة يستغلها العدوان لتحويل المنطقة تلك إلى مكب للنفايات العسكرية.
لأجل ذلك تقاتل الإمارات في الساحل الغربي بمسلحين جنوبيين تقودهم عدد من الشخصيات السلفية الموالية للإمارات والرياض. وتسعى الإمارات إلى الدفع بالقوات الموالية للإصلاح والمتواجدة في عدن نحو جبهة الساحل الغربي لتخفيف الضغط على المسلحين الجنوبيين الموالين للإمارات من جهة، ولإضعاف قوات ما يسمى بـ قوات الشرعية المتواجدة في عدن عبر إقحامها في معارك الساحل الغربي. كل ذلك لتتفرغ قوات المجلس الانتقالي للسيطرة على معسكرات الشرعية وعلى رأسها معسكرات الحماية الرئاسية ولواء النقل وغيرها من المواقع العسكرية الهامة، واستبدالها بقوات طارق التي يجري إنشاؤها في عدن لتحل محل ميليشيا الإصلاح الذي تهدف الإمارات لازاحتها بقوة من المشهد الجنوبي.
ورقة هادي والإصلاح
يعول الرئيس الفار منصور هادي على حزب الإصلاح كثيرا، ويوحدهما في ذلك عداءهما المشترك للعدوان الإماراتي. وكلاهما يدركان الخطر المحدق بهما في حال استخدم العدوان ورقة طارق صالح كبديل لإنتاج الصراع من جديد. هذه الورقة كفيلة بضرب الحزب وقواعده سياسيا وعسكريا، وترجح الكفة للقرار الإماراتي في الجنوب على حساب القرار السعودي المتمثل في شخص الرئيس هادي. وهذا ما دعا قيادات بارزة في الإصلاح أن تطلب من القيادات العسكرية الموالية لها في مأرب والجوف الحفاظ على قواتها وعدم استنزافها في أي جبهة قدر المستطاع، بالإضافة إلى إبقائها مستعدة لأي توجيهات قد تصدر في أي لحظة، وفقاً لما قد يطرأ من مستجدات على الساحة اليمنية تهدف لضرب اليمن واستقراره أو ضرب المكونات السياسية الفاعلة -حسب قولها-.
ويرى مراقبون أن استنفار الإصلاح لقواته في مأرب يشير إلى أن الإمارات جادة في مخططها الهادف إلى ضرب الحزب والتخلص من قوته العسكرية واستبدالها بقوات تسعى لإنشائها من جديد عبر نجل شقيق الرئيس السابق علي صالح والذي يتواجد حالياً في مقر قوات التحالف بعدن، بعد أن منحته الإمارات أحد معسكرات الحماية الرئاسية التي سيطرت عليها قوات الانتقالي ثم تسلمتها قيادات موالية للإمارات من ألوية العمالقة التابعة للمخا والتي قدمت إلى عدن على خلفية الأحداث الدامية بين حلفاء الإمارات وقوات الحماية الرئاسية وحكومة فنادق الرياض.