المشهد اليمني الأول| متابعات
هناك عرابين لاتفاق التطبيع الذي تم توقيعه بين “اسرائيل” وتركيا، الولايات المتحدة والسعودية وهما طرفان لهما الكثير من التأثير ومعنيان بتعزيز وحدة الكتلة المؤيد للولايات المتحدة الامريكية في الشرق الاوسط، تلك الكتلة المكونة بغالبيتها من دول “سنية” بهدف مواجهة ايران، اضافة الى هدف السيطرة على الشرق الاوسط حسب تعبير “روني بن يشاي ” الكاتب والمحلل العسكري في صحيفة “يديعوت احرونوت”.
تعتبر “اسرائيل” عمليا العضو الوحيد غير المسلم في المعسكر البراغماتي المؤيد للغرب، لكن وبسبب امتلاكها قدرات عسكرية هائلة وموقعها الاستراتيجي يمكنها في حال قررت الدخول في حرب الجميع ضد الجميع الدائرة في الشرق الاوسط ان ترجح الكفة لصالح الطرف الذي تدعمه.
السعوديون يريدون صد ايران وإسقاط بشار الاسد، فيما يسعى الرئيس اوباما الى صد فلاديمير بوتين، لهذا فان كتلة موحدة ومؤيدة للغرب تكون “اسرائيل” عضوا فيها ستمنح السعوديين والأميركيين ما يريدونه (حسب تصورهم).. لهذا السبب ضغط باراك اوباما اثناء زيارته لـ”اسرائيل” عام 2013 على نتنياهو ليعتذر لتركيا واستجاب نتنياهو الذي ادرك الابعاد الاستراتيجية للطلب الامريكي.
تلك الابعاد التي تخدم المصالح الاسرائيلية، وهمس باعتذار دبلوماسي في اذن اوردغان، قال “بن يشاي”.. واضاف: لكن الاتراك كانوا يريدون اكثر من الاعتذار مثل ايجاد تواصل بينهم وبين غزة والسماح لهم بمساعدة حماس فيما ارادت “اسرائيل” ان تضمن توقف تركيا عن مضايقة وإزعاج الضباط والجنود الاسرائيليين عبر التوجه لمحكمة العدل الدولية في لاهاي.
هناك سببا استراتيجيا رئيسيا حث الطرفين على التوصل الى اتفاق، ففي حين تنتهي “اسرائيل” وتركيا من تطبيع علاقاتهما ستعمل السعودية والولايات المتحدة على عقد راية المصالحة بين مصر وتركيا، وحينها سيصبح المعسكر البراغماتي المؤيد للغرب مكتمل الاركان وموحدا.. وهذا بالضبط هو البعد الدولي والإقليمي الذي يجب علنيا عدم الاستهانة به، لانها المرة الاولى التي ترى فيها الولايات المتحدة والسعودية ودولا “اسلامية” اخرى في “اسرائيل” شريكا شرعيا في ادارة قضايا المنطقة، وباتت “اسرائيل” عضوا في الرباعية الاولى التي تضم السعودية وتركيا ومصر، والتي تجمعها هدفا مشتركا يتمثل في مواجهة ايران.. الكل مصالح: وهناك ايضا مصالح اسرائيلية تركية ثنائية قوية تتيح لهما التسامح والتهاون في مواضيع تتعلق بالكرامة والاعتزاز القومي وبالتالي تطبيع علاقتهما!
ترتبط المصلحة الاسرائيلية الاساسية بحقول الغاز في البحر الابيض المتوسط حيث تبحث “اسرائيل” عن زبائن لبيعهم هذا الغاز وتركيا مستعدة وراغبة في الشراء، كما يمكن لتركيا ان تزعج وتعرقل عمليات التنقيب الاسرائيلية واستخراج الغاز في حال استمرت حالة الخلاف بينهما. مصلحة اسرائيلية اخرى تتمثل في رغبتها بالاندماج بالمنظومة الاقليمية المكونة من دول اسلامية، على امل ان تساعدها المنظومة الاقليمية المذكورة في مواجهة الفلسطينيين.
سبب اخر جعل “اسرائيل” توقع اتفاق المصالحة الان، يعود بنا الى الاقتصاد.. فالتجارة مع تركيا تجري هذه الايام دون معيقات تقريبا لكن الصادرات الاسرائيلية الى تركيا تراجعت في العام الماضي، لذلك فان زيادة الصادرات لدولة اقليمية هامة سيساعد في تحسين الوضع الاقتصادي الاسرائيلي.. اما مصلحة تركيا الاساسية التي دفعتها لتطبيع علاقاتها مع “اسرائيل” فهي ترتبط اولا وقبل كل شيء بالغاز الطبيعي الاسرائيلي.
روسيا وبعد اسقاط طائرتها الحربية من قبل مقاتلة تركيا هددت بوقف او تقليص كميات الغاز التي توردها الى تركيا وكذلك كميات الغاز الروسي الذي يمر الى اوروبا عبر الاراضي التركية.. وأصبح ” ارودغان “ في امس الحاجة الى غاز بديل عن الغاز الروسي، وهنا تقترح “اسرائيل” نقل الغاز الذي تستخرجه من قاع البحر الابيض الى اوروبا عبر شبكة الانابيب التركية.
ويوجد سبب اخر وهو حقيقة ويتمثل في كون تركيا على خلافات وصراعات حادة مع كل دول المنطقة، وهي قلقة ايضا من تعزيز العلاقات الاسرائيلية مع قبرص واليونان وهي دول على عداء تقليدي مع تركيا وتهددان حقول الغاز التي تم كشفها قبالة سواحل “قبرص التركية “.
كما تريد تركيا الحصول على مكانة خاصة في العالم الاسلامي تظهر فيه كمن “يحمي ويدافع” عن حركة حماس.. اوردغان غير مستعد للتنازل عن دور “عراب” الفلسطينيين في غزة، اضافة لرغبته في “كسب مكانة شخصية هامة في العالم الاسلامي” لكن دون موافقة “اسرائيل” لا يمكن لاوردغان القيام بأي شيء في غزة.. وترفض مصر التي تعادي علنا تركيا لدورها في دعم الاخوان المسلمين، منح تركيا موطئ قدم في قطاع غزة ولهذا السبب حاولت مصر منع اتفاق التطبيع الاسرائيلي التركي.
هنا قرر اوردغان اختيار العصفور الذي في اليد وتنازل عن مطلبه القاضي برفع “اسرائيل” لحصارها على غزة.
كما تأمل تركيا ان يؤدي تطبيع علاقاتها مع “اسرائيل” الى منع او على الاقل تقليص المساعدات الاسرائيلية للأكراد في العراق وسوريا.