المشهد اليمني الأول/ تقرير – حسن حجازي

ليس صدفة أن نشهد في السنوات الأخيرة خصوصاً بعد الخيبة التي جمعت كل من الرياض وتل أبيب إثر توقيع الاتفاق النووي مع ايران تزايداً في المؤشرات على توجه قادة السعودية وكيان العدو نحو تمهيد الأجواء لإعلان تحالف استراتيجي تحت مظلة موحدة لمواجهة التحدي الذي تمثله ايران بالنسبة للجانبين..

هذه السياسة التي تقاطعت في أكثر من موقع وعبر عنها المسؤولون لدى الجانبين تُوجت بالعديد من الخطوات التي عكست رغبة عميقة في بناء جسر متماسك من العلاقات المتنوعة في اطار منظومة موحدة تحاول تعويض ما فقده الطرفان من ثقل استراتيجي بعد التغير الواضح في موازين القوى على مستوى المنطقة.

البعد الاسراتيجي

المنظرون لضرورة التحالف السعودي الصهيوني وخصوصاً بعض الجنرالات العسكريين المتقاعدين والمسؤولين السابقين في أجهزة الاستخبارات السعودية والصهيونية مثلوا باكورة المواقف التي أراد حكام الرياض وتل أبيب إطلاقها كبوالين اختبار لجس نبض الشارع خصوصاً العربي وتعويده على بداية مرحلة جديدة تكون فيها بوصلة العداوة موجهة نحو طهران, فيما تقف إسرائيل في صف الأصدقاء بالنسبة للعرب والسعوديين، مثال على ذلك اللقاء الذي جمع كل من الرئيس السابق للاستخبارات السعودية تركي الفيصل ووزير حرب العدو موشيه يعالون وقد جاء في صحيفة إسرائيل اليوم أن “الأخبار الأخيرة مشجعة فبعد اللقاء العلني بين رئيس الاستخبارات السعودي السابق تركي الفيصل ووزير الدفاع موشيه يعالون ومسؤولين إسرائيليين آخرين يمكن ان نرى الكثير من الكتاب السعوديين الذين يعتبرون ان ايران هي العدو وليس إسرائيل فتوثيق التحالف بين إسرائيل والسعودية هو نتيجة مباشرة لتعاظم التهديد الإيراني على الدولتين”.

هذا التطابق في وجهة النظر في التعاطي مع قضايا المنطقة عبر عنه وزير حرب العدو السابق موشيه يعالون الذي قال لقناة كان 11 الصهيونية ان هناك تطابق تام في الخطاب بين المسؤولين السعوديين والصهاينة قائلاً “ما نقوله بالعبرية تقوله السعودية بالعربية ونحن يمكن ان نتعاون بشكل استراتيجي مع إسرائيل فالتعاون يحمل آفاقاً عميقة جداً خصوصاً في المجال الأمني ولن أكون متفاجئاً من ذلك ان حصل في وقت قريب”.

وحدة العداء لإيران كانت بارزة من خلال ما كشفه وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن القادة الصهاينة والسعوديين طلبوا من واشنطن ضرورة القيام بعمل عسكري ضد ايران فقد أوردت صحيفة يديعوت احرونوت ان “وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري كشف ان إسرائيل والسعوية ومصر ضغطوا على الولايات المتحدة لقصف ايران وان قادة هذه الدول توجهوا اليه قبل التوقيع على الاتفاق النووي في العام 2015 وقالوا له ان على الولايات المتحدة قصف ايران لان هذه هي الطريقة الوحيدة التي يفهمها الإيرانيون”.

البعد العسكري

الاطار الاستراتيجي مثل السياق العام للعلاقات بين الجانبين لتتفرع عنه العديد من أوجه التعاون بين الجانبين خصوصاً في ظل الرؤية التي تطغى على علاقة الخدمات المتبادلة بينهما وهي القائمة على ما كان طرحه مُنَظّر الشرق الأوسط الجديد شمعون بيريز الذي دعا في حياته الى بناء تعاون صهيوني خليجي قائم على مال الخليجيين وعقول الصهاينة، ولعل أكثر الجوانب حساسية في علاقات التعاون بين الجانبين هو في المجال العسكري حيث نقل إعلام العدو عن الصحيفة السويسرية بلاسر تسايتونغ “ان إسرائيل والسعودية تتعاونان بشكل وثيق من أجل مواجهة تزايد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وان الدولتين تقومان بتعاون وطيد في المجال العسكري والأمني لأهداف استرتيجية، فالسعوديون يدرسون التزود بعتاد عسكري ومنظومات دفاعية من انتاج إسرائيل وان الرياض تدرس إمكانية التزود بمنظومات لحماية الدبابات ومنظومة القبة الحديدية الاسرائيلية المضادة للصواريخ لاستخدامها لمواجهة الصواريخ اليمنية”.

التعاون في المجال العسكري كان مطروحاً على مستويات عليا ولعل وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على رأس وفد رفيع إلى كيان العدو يتضمن مسؤولين عسكريين يؤكد على وجهة التعاون العسكري العميق بين الجانبين إذ كشف موقع إن آر جي الصهيوني أن “ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زار إسرائيل سراً وفق ما ذكر ضابط في الاستخبارات الإماراتية وان الأمير السعودي كان برفقة وفد سعودي رفيع المستوى يضم مسؤولين أمنيين وعسكريين سعوديين من بينهم الجنرال المتقاعد أنور عشقي المعروف بعلاقاته مع المسؤولين الإسرائيليين”.

البعد الاستخباراتي

التعاون بين الجانبين شمل أيضاً فتح أفق العلاقات الاستخبارية في اطار وحدة الأهداف بين إسرائيل والسعودية حيث أكد المسؤولون الصهاينة استعداد كيانهم تقديم كل ما هو مطلوب في المجال الاستخباراتي للسعوديين فيما يتعلق بمواجهة الخطر الإيراني، وهذا الأمر يضاف الى ما سُرب منذ سنوات حول التعاون بين أجهزة الاستخبارات السعودية والصهيونية في الكثير من العمليات الحساسة التي وقعت في العديد من دول المنطقة واستهدفت مصالح ايران وقوى المقاومة، وقد أكد رئيس الأركان الصهيوني غادي ايزنكوت في مقابلة نادرة مع الموقع السعودي إيلاف استعداد كيانه لتقديم المعلومات الاستخبارية للرياض وقال “ان هناك توافق بين إسرائيل والسعودية حول التهديد الذي تمثله طهران على المنطقة وان هناك تقطاع مصالح بين الجانبين في وجه طهران مؤكداً استعداد إسرائيلي تقاسم المعلومات الاستخباراتية مع السعودية في هذا المجال”.

البعد الاقتصادي

العلاقة لم تقتصر على الجوانب العسكرية والاستخبارية انما تعدت ذلك الى الاقتصاد وما يمكن أن تمثله السعودية من سوق لمختلف الاستثمارات الصهيونية بعد الخطط التي أعلن عنها محمد بن سلمان في إطار رؤيته المسماة 2030 ونيته بناء المنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر والتي ستتاقطع مع الممرات البحرية الصهونية التي ستكون حتماً تحت الجسر الذي سيربط الأراضي السعودية والمصرية، وقد أكدت مصادر العدو أن هذا التطور سيجعل إسرائيل بالضرورة شريكاً في هذه المنطقة الاقتصادية وقد كشف موقع “واللاّ” الصهيوني أن “إسرائيل والسعودية تجريان اتصالات لاقامة علاقات اقتصادية رسمية بين الجانبين وفق ما ذكرت صحيفة التايمز البريطانية نقلاً عن مصادر عربية وأميركية، وان هذه العلاقات ستبدأ بخطوات صغيرة نسبياً مثلاً السماح للتجار الإسرائيليين العمل في الخليج بشكل علني والسماح للطائرات المدينة الإسرائيلية بالعبور في المجال الجوي السعودي”.

التسوية مع الفلسطينيين تصفية القضية الفلسطينية اعتبرها قادة تل ابيب والرياض من ضرورات عملية بناء العلاقات بين الجانبين لأن بقاء هذه القضية من دون حل سيجعل الانتقال الى بناء تحالف سعودي صهيوني أمراً صعباً في ظل الراي العام العربي الذي لا يزال يؤيد حقوق الفلسطينيين ويرفض التنازل عن القدس، ومن أجل تذليل هذه العقبة مثّل وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض فرضة امام الجانبين لطرح تصفية هذه القضية بواسطة صفقة القرن الذي حاول السعوديون فرضها تحت الضغط والتهديد على الفلسطينيين وهذا ما كشفته القناة العاشرة الصهيونية التي قالت إن “رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس استُدعي بشكل مفاجئ الى السعودية من قبل مكتب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وقيل له ان على حكومة الوحدة الفلسطينية رفض التأثير الإيراني وتبني مبادرة السلام التي سيطرحها الرئيس ترامب”.

وفي نفس السياق دعا وزير الاسخبارات الصهيوني يسرائيل كاتس عبر موقع ايلاف ونقل كلامه موقع يديعوت احرونوت الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان الى زيارة إسرائيل واستقبال بنيامين نتنياهو في الرياض لدفع عملية سلام إقليمية.

التماهي السعودي مع كيان الاحتلال في رؤيته للتسوية مع الفلسطينيين قابله الاحتلال في دعم خطوات السعودية ضد المقاومة في لبنان وقد أكد القادة الصهاينة أن هناك تطابق مطلق بين إسرائيل والسعودية في الموقف من حزب الله في لبنان، وجاء في القناة العاشرة الصهيونية بعد الأزمة الأخيرة التي نشبت بعد اجبار السعودية رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري على الاستقالة من منصبه بأن “إسرائيل بدأت بحملة دبلوماسية دولية ضد تدخل المحور الشيعي في النظام السياسي اللبناني وقد أرسلت وزارة الخارجية برقية توجيهات الى السفارات الإسرائيلية في الخارج طالبتها التحرك في هذا الموضوع وقد طُلب من السفراء توجيه رسالة شديدة التأييد للسعودية التي تقود الحرب في اليمن”.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا