مقالات مشابهة

رَدْ روسي مدمر على إسقاط “النُّصرة” لطائرتها في سماء إدلب؟!

المشهد اليمني الاول|متابعات

إعلان محمود تركماني القائِد العَسكري في “هيئة تحرير الشام”، أو “جبهة النُّصرة” سابِقًا، إسقاط طائرةٍ حربيّة روسيّة من نَوع “سوخوي 25″ فَوق مدينة سراقب في ريف إدلب، يُشكّل نُقطةَ تحوّلٍ رئيسيّة في الحَرب السوريّة ربّما تَكون لها تَبِعات خطيرة في المجالين العَسكريّ والسياسيّ مَعًا، وقَد يُؤدِّي إلى تَوتير العلاقات بين الدَّولتين العُظمَيين، أو روسيا وتركيا على الأقل.

 

الطائِرة الروسيّة جَرى إسقاطها، مِثلما تُشير التَّقارير الأوليّة، بِصاروخ حراري مُتطوّر مَحمول على الكَتف من نَوع “مان باد” الأمريكي الصُّنع، ممّا يُؤكِّد أن “هيئة تحرير الشام” حَصلتْ عليه من “جِهةٍ ما” في الآونةِ الأخيرة.

هُناك احتمالان أساسيّان يُمكن أن يُسلطَّا الأضواء ويُعطِيان إجابةً عن أيِّ تساؤلاتٍ حول هَويّة هذهِ الجِهة:

الأول: أن تكون “هيئة تحرير الشام” التي يَتزعّمها أبو محمد الجولاني قد حَصلت على هذا النَّوع من الصَّواريخ من الولايات المتحدة مُباشَرةً في إطارِ خُطّةٍ جديدةٍ لتَصعيد الحَرب، وزِيادة الضُّغوط على روسيا التي خَرجت وحُلفاؤها كطَرفٍ مُنتَصرٍ فيها.

الثاني: أن تكون هذهِ الصَّواريخ وَصلتْ إلى “النُّصرة” من طَرفٍ إقليميٍّ ثالِث، وأصابع الاتّهام تُشير إلى أربعةِ أطراف، الأول تركيا، والثّاني قطر، والثّالث الأردن، والرّابع المملكة العربيّة السعوديّة.

الإدارة الأمريكيّة وعلى لِسان مُتحدّث باسم الخارجيّة سارعت لنَفي تقديمها مِثل هذهِ الصواريخ إلى أيِّ جِهةٍ في المُعارضة السوريّة، وإذا صدّقنا هذا النّفي، فإنّ الاحتمال الثاني يَظل هو الأكثر ترجيحًا، أي من “دَولةٍ ما” قرّرت تسريب هذهِ الصواريخ إلى “هيئة تحرير الشام”، في مُحاولةٍ لتَغيير موازين القِوى في مِنطقة إدلب لصالِح الأخيرة، ووقْف تَقدّم قوّات الجيش السوري المَدعوم بغِطاء جَويٍّ روسيٍّ، وهو التقدم الذي تمثل في استعادة مئات القرى، ومواقِع استراتيجيّة على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة مِثل مطار الظُّهور العَسكري، فاستعادة إدلب يعني نِهاية “النُّصرة” وأحرار الشام، وعَشرات الفصائِل المُتحالِفة مَعها.

الاحتمال الثَّاني هو الأكثر ترجيحًا، فالمُعارضة السوريّة المُسلّحة، و”هيئة تحرير الشام” وفصائِل في الجيش السوري الحُر، ظلّت طِوال السنوات السبع الماضية “تتوسّل” داعِميها الأمريكان والأتراك والعَرب بتَزوديها بصَواريخ مُضادّة للطَّائرات، مِثلما زوّدوها بصَواريخ “تاو” المُضادّة للدبابات، للتصدّي للطائرات السوريّة والروسيّة التي تَستهدفها، ولكن نِداءات الاستغاثة هذهِ ووجِهت برَفضٍ أمريكيٍّ حاسِم لسبب بسيط، وهو أن الإدارة الأمريكيّة كانت تَخشى أن يقع هذا النَّوع من الصَّواريخ في أيدي جماعاتٍ إسلاميّةٍ مُتشدّدة “الدَّولة الإسلاميّة”، تَستخدمها ضِد الطَّائرات الأمريكيّة أو حتى المدنيّة الإسرائيليّة، خاصَّةً أن كميّات ضَخمة من العَتاد العَسكري والمُقاتِلين السوريين الذين دَرَّبتهم وسَلَّحتهم أمريكا انْضمّوا بأسْلِحَتهم إليها.

لا نَستبعد أن تكون الإدارة الأمريكيّة التي سَعتْ لتَخريب مُؤتمر سوتشي للحِوار السوري، أوْعزت للفصائِل المُوالية لها، والمَدعومة سُعوديًّا وتُركيًّا، بعَدم المُشاركة في المُؤتمر المَذكور، قد أوكلت مُهمّة تَسليم هذا النَّوع من الصَّواريخ المُضادّة للطَّائِرات إلى أحد حُلفائِها في المِنطقة، تَطبيقًا للمَرحلة “B”، أي التَّخريب العَسكري.

رَدّة فِعل القِيادة الروسيّة كانت غاضِبةً، وتَمثّلت في رَدّين، الأول عَسكري: قَصف سَريع للمِنطقة التي تُسيطِر عليها “هيئة تحرير الشَّام” وقوّاتِها في مِنطقة إسقاط الطَّائِرة، وقَتل طيّارِها الذي هَبطَ بالمِظلّة، وقاتَل حتى المَوت رَفضًا للاستسلام والأسْر بالتَّالي، وأعْلنت القِيادة العَسكريّة الروسيّة أن هذا القَصف أسفرَ عن مَقتل 35 من عناصِر الهَيئة.

أم الرَّد الثاني فرَكّز على الجانِب الأمني الاستخباري، وهو من شَقّين، الأول العمل على استعادة جُثمان الطيّار بالتَّنسيق مع تركيا، وإجراء تحقيقاتٍ مُكثّفة ودَقيقة لمَعرفة الجِهة التي زوّدت “هيئة تحرير الشام” بهذا النَّوع من الصَّواريخ.

صواريخ “ستينغر” المَحمولة على الكَتِف التي زَوّدت أمريكا المُجاهدين الأفغان بكمّياتٍ كبيرةٍ مِنها حَسمت الحرب، وأدَّت إلى هزيمة الاتحاد السوفييتي، وسَحب قوّاته كُليًّا من المِنطقة، ولا نُبالِغ إذا قُلنا أن هذهِ الصَّواريخ وَضعت نُقطة بِداية النِّهاية للمَنظومة الشيوعيّة، ولَعِبتْ دورًا كبيرًا في تَفكيك إمبراطوريّتها، وإطلاق رصاصة الرَّحمة على قِيادتها الهَرِمة المُتآكِلة.

السُّؤال هو عمّا إذا كانت واشنطن ستُعيد التَّجربة نَفسها في سورية، وتَستخدم صواريخ “المان باد” لهَزيمة روسيا الاتحاديّة في سورية، من خلال إنهاء سَيطَرتها وحُلفائِها السُّوريين في الأجواء السوريّة؟

ربّما من المُبكِر التكهّن بأيِّ إجابةٍ على هذا السُّؤال، لأن المَعلومات ما زالت شَحيحة، لكن ما يُمكِن قَوله، أن روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتي، والقِيادة الروسيّة الحاليّة المُتمثّلة في الرئيس فلاديمير بوتين ليست مِثل نَظيرتها السوفييتيّة المُتمثّلة في غورباتشوف صاحِب “البيريسترويكا”، والمُتَّهم بالعَمالةِ للغَرب.

الرئيس بوتين كَظَمَ الغَيظْ، ولم يُبادِر إلى رَدْ فِعل انتقامي ضِد تركيا عندما أسقطت طائرة سوخوي مُماثلة في نوفمبر 2015 قُرب الحُدود السوريّة، وحَقّقت سِياسة ضَبط النَّفس هذهِ ما هو أكثر من اعتذارٍ تُركيّ وباللغة الروسيّة على لِسان الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي طارَ إلى موسكو لطَلب الصَّفح، ونحن نتحدّث هُنا عن خُروج تركيا من الحِلف الأمريكي إلى الحِلف الروسي الإيراني، ممّا انْعكَسَ إيجابًا على المَشهد السوري، من حيث استعادة القوّات السوريّة لمُحافظة حلب بِتَعاونٍ تركيّ، والتوصّل إلى اتّفاق مناطِق خفض التوتّر الأربع، وتَخفيف حِدّة القِتال في مُعظَم أنحاء البِلاد باستثناء بَعض الجُيوب، وآخرها مِنطقة إدلب.

فإذا كان الطيّار الروسي رَفضَ الاستسلام واستمرّ بإطلاق النَّار حتى سُقوطِه قتيلاً، فهَل نَتوقّع من الرئيس بوتين أن يَبلعْ هذهِ الإهانة، ويَخسر الحَرب في سورية؟

لا نَستبعد أن يكون ثَمن هذهِ الطائرة “السوخوي” ودَمْ طيّارها “الأوّلي” تَسريع الهُجوم لاستعادة مُحافظة إدلب بالكامِل، والقَضاء على “هيئة تحرير الشام” والفَصائِل الأُخرى، المُتحالِفة مَعها كحَدْ أدنى، التي تُصنّفها موسكو على قوائِم الإرهاب، وسيكون أمام أمريكا وحُلفائِها في هذهِ الحالة أحد الخَيارين، إمّا الصَّمت، أو المُواجهة العَسكريّة، وستكون النَّتائِج خطيرة في الحالتين.

الأيّام المُقبِلة للمَشهد السوري سَتكون مُقلِقة على الصُّعد كافّة، وقد نَكون نَعيش حاليًّا صَمتًا روسيًّا يَسْبِق عاصِفةً كَبيرةً جِدًّا، وما اتّهام برلماني روسي لأمريكا بتَسليم هذهِ الصَّواريخ إلى “جبهة النُّصرة” إلا أوّل الغَيثْ في أزْمَةٍ كُبرى قادِمة.. وبوتين أعلم.