المشهد اليمني الأول/
تفشي الفساد وتشعبه في آسرة آل سعود وفي مفاصل دولتهم، جعلت منهم عنوانا للفساد والابتذال الى ان أصبحت مملكتهم أفسد بلدان العالم -كما يقال- بعد ان كان امراء آل سعود يصولون ويجولون في امبراطورية فسادهم المترامية الأطراف دون رادع يردعهم ولا مانع يمنعهم، لذلك طرحت البي بي سي سؤالا في بداية عرض الحلقة الثانية من البرنامج الوثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» بقولها هل ينجح ولي العهد السعودي الجديد محمد بن سلمان في تخليص المملكة من هذا المرض العضال؟
وتكشف الحلقة الثانية عن تورط العديد من الشخصيات السعودية في قضايا فساد في عدد من دول العالم وهو ما جاء تحت عنوان “آل سعود: عائلة في حالة حرب”. وأوردت الحلقة الوثائقية مفاجآت في عدد الأسماء ومستوياتها، وأماكن البلدان التي مستها صفقات الفساد وأرقام مبالغ العمولات.
وتضمنت الحلقة دور الأمير «تركي بن عبدالله» نجل العاهل السعودي الراحل في فضيحة خاصة بشركة 1MDB التي كان قد أسسها رئيس الوزراء الماليزي «نجيب عبدالرازق».
التحقيقات المطولة كشفت أن شركة تدعى «بترو سعودي» أسست بالتعاون مع الأمير «تركي»، هي من أولى الشركات التي حولت إليها أموال شركة 1MDB من خلال صفقة سرية عقدتها مع «بترو سعودي» في البحر المتوسط.
وكما يقول البرنامج الوثائقي، فقد كانت الصفقة عبارة عن استثمار مليار دولار في شركة الأمير «تركي»، لكن في غضون أيام كانت 700 مليون دولار من هذه الأموال قد اختفت.
تركي بن عبدالله
وتُفيد المحققة البريطانية «كيلر براون»: أن «عبد الرزاق» كان حلقة الوصل مع الأمير «تركي بن عبدالله» لإضاعة هذه الأموال، وحصل هو على عمولته، حيث بدأت الـ”أف بي آي” بإجراء تحقيقات بعد وصولها الأخبار، حيث رفع الأمريكيون دعاوى قضائية لاستعادة مليار دولار للشركة الماليزية التي اتهمت بغسل أموال وصادروا بعض أموال الشركة الماليزية، ولكن لم توجه للجانب السعودي أي تهم». وتقول المحققة فإن «الأموال التي اختفت كانت قد ذهبت إلى حساب الأمير تركي بصورة عمولة».
وافاد السفير الأمريكي السابق في السعودية «ويليام بآتي» أن النظام استولى على الملايين من الأموال، وأن أغلب الأموال تأتيهم من العمولات من خلال عقود الصفقات والتربح من الأموال العامة للدولة.
ويشير البرنامج إلى أن بريطانيا كانت تمثل أكبر مصدر للرشاوى للنظام السعودي، ففي ستينيات القرن الماضي كانت ثروات السعوديين تزداد بشكل مطّرد، ووجد قطاع الخدمة المدنية البريطاني ان بإمكانه الحصول على المليارات بتوقيع عقود مع الحكومة السعودية، مشيرا إلى كتاب صدر مؤخرا اسمه «الخداع في الأماكن العليا» ذكر مؤلفه أن الإجراء المعتاد لإتمام الصفقات قبل 50 عاما كان عبر دفع العمولات لأمراء وشخصيات في السعودية لتأمين صفقات السلاح.
الملك عبدالله
وذكر البرنامج نقلا عن الوثائق البريطانية أن الملك السابق «عبدالله» كان يحصل ايضا على هذا العمولات، وأنه عندما كان قائدا للحرس الوطني السعودي وكان راغبا في تحديث الجيش بالتعاون مع بريطانيا؛ ولكنه لم يحب أن يناقش العمولات وجها لوجه.
ووفق البرنامج كانت بيروت أول مكان لإتمام أول صفقة، حيث تواصل شخص مع السفارة البريطانية في بيروت هو «محمود فستق» وكان زوج أخت الأمير «عبدالله» في ذلك الوقت وجعل منه الوسيط المثالي للرشاوي ووافقت بريطانيا على دفع ما قيمته 7.5% من العقد أي ما يساوي 170 مليون إسترليني لكن الصفقة فشلت.
وبعد ذلك بسنوات وقعت صفقة أكبر منها لتوفير أجهزة الاتصال إلى الحرس الوطني السعودي ووفر ذلك لـ«عبدالله» عمولات قدرت بنصف مليار إسترليني، والحكومات البريطانية المتعاقبة أبقت الأمر سرا وغير مسموح الإعلان عنه ولمدة 40 عاما وحتى 2005.
وذكر البرنامج أن السعودية في السابق لم تكن بهذا الفساد حيث كان يتبرع الملك «عبدالعزيز» بالمال إلى الفقراء، وتحدث عن الملك «فيصل» بأنه كان زاهدا وحالت أمانته بينه وبين الفساد وتكدست أموال النفط في الخزانة السعودية لتصل إلى ما يوازي الموجود في كل من أمريكا واليابان وألمانيا مجتمعة في عهده.
ومع تولي العديد من الأمراء بدأت العمولات ترتفع لتسجل ما بين 8% إلى 10%، وكما تقول إحدى الوثائق البريطانية فإن الأمير سلطان بن عبدالعزيز كان طامحا للحصول على الرشاوى.
تركي بن ناصر
وكشف البرنامج عن صفقة «اليمامة» التي وقعتها بريطانيا مع السعودية عام 1985، حيث تورطت فيها شخصيات سعودية بارزة بحصولهم على عمولات ضخمة، ومن بينهم «تركي بن ناصر» الذي كان يعمل ضابطا في سلاح الجو السعودي. وتوصل البرنامج إلى أنه كان يحصل على تلك الأموال من عمولات توسطه في صفقة اليمامة، وكانت هذه العمولات تدفعها شركة «BAE» البريطانية لصناعة السلاح نيابة عن الحكومة البريطانية.
وفي عام 2002، عندما صدر قانون جديد للرشاوى في بريطانيا كشف «بيترجارنر» الذي كان ينظم رحلات الأمير تركي عما كان يعلمه عن طبيعة الرشاوى والعمولات التي كان يحصل عليها «تركي بن ناصر» خلال صفقة «اليمامة»، متحدثا بذلك كله إلى صحيفة «الغارديان» وبدأ التحقيق للتوصل إلى طبيعة هذه الممارسات السيئة التي كانت تحدث.
ودلل البرنامج على حجم الفساد الهائل في هذه الصفقة، وذكر البرنامج نقلا عن المحقق البريطاني «أندرو فينستن» أن بريطانيا دفعت عمولات تصل إلى 6 مليارات جنيه إسترليني للسعوديين من أجل أن تحصل على الصفقة وأن معظم هذه الأموال ذهبت إلى أعضاء بارزين في الأسرة الحاكمة.
بندر بن سلطان
وذكر البرنامج أن فساد صفقة اليمامة طال أيضا الأمير «بندر بن سلطان»، حيث كانت السعودية تدفع إلى بريطانيا براميل بترول بدلا من الأموال السائلة قيمة الصفقة ونظرا لارتفاع سعر البترول آنذاك كانت الأموال التي تزيد على قيمة الصفقة توضع في حساب في بنك «إنجلترا» والباقي يعود إلى وزارة المالية السعودية.
ولكنها -والقول للسفير البريطاني الأسبق في السعودية «ويليام باتي»- كانت تذهب في حسابات الأمراء أيضا في حسابات داخل الولايات المتحدة يسيطر عليها الأمير «بندر» على مدى 20 عاما. وقد تعرض مكتب الاحتيال في بريطانيا لضغوط كبيرة لوقف التحقيق في الصفقة من جهات عليا في الحكومة البريطانية، وفي نهاية الأمر تدخل رئيس الوزراء البريطاني «توني بلير» لإغلاق ملف الصفقة.
الوليد بن طلال
وذكر البرنامج أنه حتى «الوليد بن طلال» لم يبرأ من الفساد وتحدث عن شركته للإنشاءات في هولندا «Ballast Nedam» التي نفذت العديد من المشاريع في السعودية ومنها مشروع إعادة تجديد المطارات العسكرية السعودية وأن 57% من قيمة الصفقة قد سجلت على شكل عمولات وصلت الى «الوليد».
وتساءل البرنامج عن التحول المفاجئ لاستراتيجية مكافحة الفساد التي يقودها ولي العهد الآن. وأورد البرنامج مشاهد القبض على العديد من الأمراء والمسؤولين والذين وردت أسماؤهم ليقوم باحتجازهم بدعوى محاولة دحر الفساد.