المشهد اليمني الأول/

تعكس ظاهرة تواصل إطلاق الصواريخ الباليستية الحوثية على مدن سعودية، وصدور مرسوم ملكي عن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بتحويل ملياري دولار الى البنك المركزي اليمني في عدن من اجل وقف تدهور العملة اليمنية، تفاقم المأزق السعودي في اليمن.

فالصواريخ الباليسيتة التي جرى اطلاقها على مدينة جيزان جنوبي غرب المملكة ووصل تعدادها الى خمسة في الأيام العشرة الماضية فقط، باتت تشكل تهديدا امنيا وعسكريا للمملكة، ونزيفا ماليا مستمرا لخزينتها في ظل صدور تقارير ودراسات عسكرية تؤكد فشل منظومة “باتريوت” الامريكية في اسقاط هذه الصواريخ، واحتياج القوات الدفاعية السعودية الى إطلاق سبعة صواريخ “باتريوت” لإسقاط كل صاروخ باليستي حوثي واحد، واذا علمنا ان قيمة صاروخ “باتريوت” تتراوح بين خمسة وسبعة ملايين دولار فإن هذا يشكل نزيفا ماليا هائلا للخزينة السعودية، تاهيك عن الأثر النفسي والارق الأمني.

الحرب على اليمن التي يشنها “التحالف العربي” بقيادة المملكة العربية السعودية تكمل بعد شهر عامها الثالث (في آذار مارس المقبل)، وتحويلة الملياري دولار الى البنك المركزي اليمني، تؤكد ان المملكة باتت مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تحمل الأعباء المالية والمعيشية لأكثر من 25 مليون يمني، الى جانب تحمل مسؤوليتها تجاه شعبها الذي يصل تعداده الرسمي الى اكثر من عشرين مليون مواطن، في ظل تراجع العائدات النفطية واتساع العجز في الميزانية السنوية العامة واقترابه من حاجز المئة مليار دولار، ان لم يكن اكثر.

القيادة السعودية تشعر بالقلق المزدوج، سواء من تواصل إطلاق الصواريخ على مدنها، او من تدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية في اليمن مع انهيار سعر الريال، وارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، ولكن خياراتها تبدو محدودة في ظل صعوبة الحسم العسكري، وغياب المبادرات والحلول السياسية، ولعل عقد منظمة التعاون الإسلامي اجتماعا طارئا على مستوى وزراء الخارجية في مقرها بمدينة جدة الأسبوع المقبل لبحث اطلاق الحوثيين صاروخا باليستيا على الرياض هو احد علامات هذا القلق السعودي، وسعي القيادة السعودية لحشد دعم سياسي اسلامي لها في مواجهة هذا الخطر الذي تتهم ايران بالوقوف خلفه.

وديعة الملياري دولار قد توقف انهيار الريال اليمني “مؤقتا”، ولكنها من المؤكد لن توقف أطلاق الصواريخ الباليستية على المدن السعودية، بل ربما تزيد من اعدادها في إطار الاستراتيجية التي تتبعها حركة “انصار الله” الحوثية لاستنزاف المملكة ماديا وبشريا، مع التأكيد في الوقت نفسه ان هذه الحركة ستكون من بين اكثر المستفيدين من هذه المبادرة المالية السعودية.

المملكة تخلت عن “الفيتو” الذي كانت تفرضه على أي حوار مع خصمها السابق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، الذي تقول انه طعنها في الظهر، ولكن في وقت متأخر، ويبدو ان الخيار الوحيد المطروح امامها للخروج من المأزق اليمني هو التفاوض مع تيار “انصار الله” في اسرع وقت ممكن لتقليص الخسائر، لانها ستضطر لهذه الخطوة، أي التفاوض، في نهاية المطاف.. والله اعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا