في كتابها “كنت طبيبة في اليمن” الصادر عام 1951، تصف الطبيبة الفرنسية كلودي فايان رمضان في اليمن بمزيج من الدهشة والإعجاب.
تقول فايان: “وجد اليمنيون حلاً لصعوبة رمضان؛ فهم يستيقظون الليل وينامون النهار، ويسير كل شيء في هدوء. في الصباح تخلو الشوارع، وتغلق الدكاكين، ويخرج العساكر من أماكنهم والنوم يداعب جفونهم، ويذهبون إلى المسجد للصلاة بل إن المستشفى يخلو من المرضى الذين يرفضون العناية بهم في رمضان.”
وتضيف فايان: “ولكن الناس أجمعين يتلون القرآن، حتى أولئك الذين لم أكن أصدق أنهم يعرفون القراءة. ويكون السؤال عندما يلتقي الناس في الشارع هو: كيف رمضان؟ وبعد الظهر تدب الحياة في المدينة بالقدر الذي لا غنى عنه. وعند الغروب تعلن المدافع انتهاء الصيام، ويسرع الناس فيشربون ويشعلون لفافات التبغ، ويتناولون قطعة من الخبز وبعض حبات التين. ولكن لا أحد يأكل قبل أن يقتسم اللقمة الأولى مع أول من يلتقي به في الطريق في تلك اللحظة.”
لا يختلف رمضان في الماضي عن رمضان في العصر الحاضر كثيرًا، فما زالت العادات والتقاليد راسخة وباقية رغم تباعد الزمن. الحديث عن رمضان في اليمن حديث ممتع وذو شجون، رغم اختفاء العديد من المظاهر الرمضانية بسبب العدوان الذي تعرض له اليمن، والحالة المعيشية الصعبة للكثير من الأسر اليمنية. إلا أن رمضان ما زال متميزًا، كتميز أبناء الشعب اليمني بقوته وصبره وأصالته وحكمته.
ما يميز رمضان في اليمن كثيرًا هو قراءة القرآن الكريم، الذي يُبث على جميع القنوات والإذاعات المحلية، وحتى في الشوارع والمنازل قبيل الإفطار بساعة، بأصوات تراثية شجية ورقراقه وجميلة جدًا، تأخذ المستمع بعيدًا إلى عالم آخر. بالإضافة إلى دوي صوت مدفع الإفطار والسحور، الذي كان معمولًا به منذ العهد العثماني، ولكنه لم يعد موجودًا في الوقت الحاضر.
كذلك، تبرز مشاهد الإفطار الجماعي والتكافل الاجتماعي، والمجالس الأسرية، وهو ما يعرف بالمقيل، الذي يتم من خلاله تبادل الآراء والنقاشات حول الأمور السياسية والثقافية والاجتماعية، وأخبار ومستجدات الحرب في اليمن، وغير ذلك من الأحداث الساخنة حتى على المستوى الإقليمي والدولي.
رمضان في اليمن ليس مجرد شهر للصيام، بل هو تجسيد لروح الشعب اليمني الذي يحافظ على تقاليده رغم كل التحديات، ويعكس قيم التضامن والإيمان التي تجعله صامدًا في وجه الصعاب.