بعد عامين من الجمود السياسي المستعصي، نجح اللبنانيون أخيراً في التوصل إلى اتفاق نهائي لتشكيل حكومة جديدة.
بعد أسابيع من المشاورات المكثفة التي جرت وسط تغيرات في موازين القوى السياسية وحرب مدمرة مع الكيان الصهيوني، أعلنت الرئاسة اللبنانية، السبت، تشكيل حكومة جديدة تتألف من 24 وزيراً، برئاسة نواف سلام.
وأعلن مكتب الرئاسة في بيان أن “الرئيس عون وقع مرسوم قبول استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ومرسوم تكليف الرئيس نواف سلام تشكيل حكومة من 24 وزيراً”، ومن المقرر أن تعقد الحكومة الجديدة أول اجتماع لها الثلاثاء المقبل.
وفي أول تصريح له بعد الإعلان عن تشكيل الوزارة الجديدة، أمل سلام أن تكون حكومته “حكومة إصلاح وإنقاذ”، مؤكداً أن “الإصلاحات هي السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار في لبنان من خلال استكمال القرار 1701”.
وقال سلام إن حكومته “تسعى إلى استعادة الثقة وردم الهوة بين الحكومة وتطلعات الشباب، وعليها العمل على استكمال تنفيذ اتفاق الطائف وإجراء الإصلاحات المالية والاقتصادية”.
حكومة تكنوقراطية أم حكومة تكنوسياسية؟
وفيما ذكرت وسائل إعلام لبنانية أن قائمة الوزراء ضمت تكنوقراطيين وشخصيات غير حزبية، قال عون في بيان إن أعضاء الحكومة الجديدة غير حزبيين وبالتأكيد سيخدمون كل اللبنانيين، مضيفا: “هدفهم مصلحة لبنان وأنا أتفق مع رئيس الوزراء نواف سلام على أن الحكومة يجب ألا تضم وزراء من أحزاب سياسية”.
وأكد عون أن “تشكيل الحكومة استند إلى معايير الكفاءة والخبرة والتخصص والسيرة الذاتية والسمعة الطيبة”، مضيفاً: “ستكون متجانسة ومتحدة وستعمل كفريق متماسك”.
ولكن العديد من الوزراء تم اختيارهم بالتشاور مع الأحزاب وفي عملية مساومات سياسية قائمة على المحاصصة السياسية والطائفية، وهذا يرجع أيضاً إلى أن الحكومة تحتاج إلى الفوز بثقة البرلمان للبدء في العمل، حيث تسيطر القوى التقليدية على أغلبية المقاعد.
ويذكرنا هذا بالخلافات السابقة حول إمكانية تشكيل حكومة تكنوقراطية غير سياسية على الإطلاق، في واقع الأمر، إن تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة عن الأحزاب السياسية يعني زيادة قوة الحكومة تجاه البرلمان، وبالتالي الخروج عن إطار اتفاق الطائف، وهو أمر مرفوض في البنية السياسية اللبنانية.
ومن ناحية أخرى، وبينما تسعى الحكومة إلى إجراء إصلاحات هيكلية وتحسين الوضع الاقتصادي، فإن تقدم هذه العملية يتطلب تعاوناً جدياً من البرلمان لإقرار القوانين المدنية أو ربما تعديل الدستور.
فشل الخطة الأمريكية السعودية لإبعاد المقاومة عن مجلس الوزراء
ويبدو هذه الأيام أن واشنطن تحاول فرض معادلات جديدة سريعاً في لبنان، ومن خلال التدخل في عملية مفاوضات تشكيل الحكومة، استخدمت الولايات المتحدة كل جهودها وقوتها لإبعاد حزب الله عن الساحة السياسية بشكل كامل.
ويبدو ذلك واضحاً من الرسالة المباشرة والصريحة إلى بيروت من مورغان أورتاغوس، نائب الممثل الخاص للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وحسب وسائل إعلام لبنانية، لجأت أورتاغوس إلى تهديد السلطات سراً بعقوبات اقتصادية وسياسية، قائلة إنه لا ينبغي لحزب الله أن يكون له دور في الحكومة تحت أي ظرف من الظروف.
وبعد ساعات من الإعلان عن إنجاز الحكومة الجديدة، قال من دون أي اعتبار من على منبر قصر بعبدا: إن حزب الله لا ينبغي أن يكون له أي مشاركة في الحكومة الجديدة، وقال: “نأمل أن ينتهي نفوذه في لبنان وينتهي زمن الخوف من حزب الله في لبنان والعالم”.
لكن حسب المصادر فإن هذه الجهود لم يكن لها تأثير يذكر في تغيير المعادلات السياسية في لبنان، ورغم الجهود المتواصلة التي تبذلها الولايات المتحدة، إلا أن المقاومة المزدوجة تمكنت من الحفاظ على موقعها بحصولها على 5 مقاعد، ما يشير إلى فشل الولايات المتحدة في تنفيذ سياساتها في لبنان خلال الأسابيع الماضية.
وفي هذا الصدد، أظهر تقرير نشره مطلع الشهر الجاري معهد الدراسات اللبنانية، أن التوازن السياسي في لبنان أصبح من المستحيل تقريباً تشكيل حكومة من دون وجود حزب الله أو حلفائه، ورغم الضغوط الأمريكية، تمكن حزب الله من الاستيلاء على وزارات رئيسية من خلال تحالفاته الداخلية وأغلبيته البرلمانية.
الضغوط الأمريكية والسعوديّة على نواف سلام دفعته إلى مطالبة حزب الله ليس فقط بأن يكون المرشحون غير حزبيين، بل أيضاً بأن لا يكون هناك أيّ ذكر لارتباطهم بحزب الله.
وكان من الخطط الأمريكية والسعوديّة كسر احتكار حزب الله وحركة أمل في تمثيل الشيعة في الحكومة، من أجل إبعاد الشيعة تدريجياً عن المقاومة، واستكمال إخراج المقاومة من المشهد السياسي من خلال تحويل الخطاب السياسي الشيعي.
وتبع ذلك اتجاه مماثل بين المسيحيين، فعمل الأمريكيون والسعوديون بكل قوتهم على إبعاد “التيار الوطني الحر” بزعامة جبران باسيل عن السلطة وتحويل حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع إلى التيار المسيطر بين المسيحيين والهيمنة على الحكومة، ونتيجة لذلك، وبعد فشل المفاوضات بين باسيل ونواف سلام في الوصول إلى نتيجة، انسحب التيار الوطني الحر من المشاركة في الحكومة.
ومع ذلك، ورغم أن استقالة جعجع أتاحت له الفرصة للادعاء بأن حزب القوات فاز بالحصة الأكبر للمسيحيين، إلا أنه لم يتمكن من الادعاء بأنه اختار المرشحين للمناصب. وتشير التحليلات التي نشرتها وسائل الإعلام اللبنانية والغربية الأسبوع الماضي إلى أن حزب الله نجح في الحفاظ على نفوذه في الحكومة اللبنانية الجديدة، والأسباب وراء ذلك هي:
القوة الشعبية: لا يزال حزب الله يتمتع بقاعدة شعبية واسعة في المناطق الشيعية، وهو ما يساعده على لعب دور رئيسي في العمليات السياسية والانتخابية.
التحالفات الداخلية: يستمر الارتباط الوثيق بين حزب الله والتيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل، وهو ما عزز موقع حزب الله في تركيبة الحكومة.
التعقيدات العشائرية: حسب تحليل سياسي نشره مركز كارنيغي للشرق الأوسط الأسبوع الماضي، فإن البنية العشائرية في لبنان هي من النوع الذي لا يستطيع أي طرف خارجي فرض إرادته بالكامل.
دور حزب الله في الأمن والاستقرار: تؤكد مصادر لبنانية أن حزب الله لا يزال يعتبر عامل استقرار في بعض المناطق، وخاصة في جنوب لبنان، وهذا يساعد حزب الله في الحفاظ على نفوذه في الحكومة، ولا يزال حزب الله يحظى بالاعتراف لدى الرأي العام اللبناني باعتباره التجسيد والقوة الدفاعية الرئيسية للبنان ضد تهديدات واعتداءات الكيان الصهيوني، وبالتالي فإن أي حكومة تقام من دون وجود المقاومة لن تتمتع بالشرعية اللازمة والكافية لتسيير شؤون البلاد.