ما هو مشروع الشرق الأوسط الجديد؟ وكيف يكرّس الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة؟

17

مشروع “الشرق الأوسط الجديد” مشروع استعماري جديد تمت صياغته وطرحه من قبل قوى غربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ويهدف في استراتيجيته إلى إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وجغرافياً لتتناسب مع المصالح الأمريكية الإسرائيلية الغربية في المنطقة.

وعلى الرغم من تقديمه بوصفه حلاً للسلام والاستقرار في خطابات الساسة ودعاية الإعلام إلا أن هذا المشروع يشكل تهديداً كبيراً للأمن القومي والتنمية السياسية والاقتصادية، والوحدة الاجتماعية في دول الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط عامةً.

خلال تسعينيات القرن العشرين كانت قد تزايدت الدعوات الأمريكية الإسرائيلية الغربية لإعادة هيكلة الشرق الأوسط لتحقيق ما يسميه الساسة الأمريكيون الإسرائيليون استقراراً سياسياً واقتصادياً في المنطقة تزامناً مع تعزيز النفوذ الأمريكي والإسرائيلي.

ارتبطت فكرة مشروع الشرق الوسط الجديد في بداياتها بجهود وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس خلال إدارة الرئيس جورج بوش الابن وتم الترويج لهذا المشروع بقوة سيما بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.

اليوم وبعد معركة الطوفان وتصاعد التوترات في المنطقة بين محور المقاومة والقوى الإمبريالية الكبرى وداعميها من المطبعين يعيد الإسرائيلي والأمريكي إعادة تسويق المشروع في الخطابات السياسية والتحركات العسكرية سيما بعد إسقاط الجماعات المسلحة في سوريا لنظام الدولة السورية وهو ما يضع عديد التساؤلات حول طبيعة أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد وكيف يكرّس هذا المشروع الخطير الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة.

يهدف مشروع الشرق الأوسط الجديد وفقاً لمراقبين إلى إعادة ترتيب النظم السياسية في المنطقة بما تقتضيه المصلحة الإسرائيلية الأمريكية المشتركة إذ تهدف القوى الغربية وفي مقدمتها أمريكا وكيان العدو الإسرائيلي إلى تغيير أنظمة الحكم في بعض الدول العربية التي لا تتماشى مع مصالحها وتثبيت نظم ديمقراطية أو شبه ديمقراطية أو ملكيات خاضة قد تضمن هيمنة أمريكية إسرائيلية غربية على القرارات السياسية العربية.

كما يهدف مشروع الشرق الأوسط الجديد إلى تعزيز التحالفات الإقليمية والدولية في المنطقة وبما يخدم المصلحة الإسرائيلية الأمريكية المشتركة إذ يسعى المشروع إلى تعزيز التعاون العربي الإسرائيلي كما تم تجسيده في اتفاقيات التطبيع وهو ما يؤدي إلى تقويض العلاقات العربية – العربية لصالح تقوية علاقات دولية جديدة يكون فيها الإسرائيلي والأمريكي متسيداً.

وبالإضافة إلى ذلك يسعى مشروع الشرق الأوسط الجديد إلى تدمير الهويات الثقافية والاجتماعية في الوطن العربي إذ يهدف لفرض ثقافة سياسية واقتصادية جديدة تركز على الأنظمة الليبرالية الغربية والتوجهات الاقتصادية الرأسمالية كما يسعى مشروع الشرق الأوسط الجديد في مفاعيله الثقافية إلى تذويب القيم الإسلامية وحجب شعوب المنطقة عن رموزها الدينية ومنهجها الإسلامي في الحياة والاجتماع وهو ما تبرز إرهاصاته بحفلات المجون والتعري التي تستهدف أبناء الأمة اليوم في المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان العربية والإسلامية.

كما ويهدف مشروع الشرق الأوسط الجديد في مفاعيله الاجتماعية إلى تمزيق الوحدة الوطنية للدول العربية عبر تعزيز الطائفية وتخليق الانقسامات الإثنية إذ شهدت دول مثل العراق وسوريا وليبيا خلال السنوات الماضية تفككاً داخلياً بسبب التدخلات الخارجية والتغذية الأمريكية الإسرائيلية المستمرة للنزاعات، ومن خلال تقسيم الدول العربية إلى كيانات أصغر وأكثر ضعفا يسعى مشروع الشرق الأوسط الجديد إلى ضمان السيطرة الغربية على هذه الدول.

كما أن أحد المخاطر الرئيسية لمشروع الشرق الأوسط الجديد يتمثل في كونه يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتمكين العدو الإسرائيلي من التمدد جغرافياً وثقافياً واقتصادياً في منطقة الشرق الأوسط عامة بالإضافة إلى تفتيت دول وحركات محور المقاومة الذي تقوده الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم.

ومن أبرز المخاطر التي يمثلها المشروع اليوم هو التدخل الأمريكي المباشر في الشؤون الداخلية للدول العربية مما يؤدي إلى تقويض الأنظمة السياسية القائمة، وهذه التدخلات التي تتنوع بين دعم الحركات المعارضة والضغط على الحكومات لإجراء تغييرات سياسية تخدم المصالح الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة، تهدد الاستقرار الداخلي وتخلق فرص الفوضى كما حدث في العراق بعد غزو 2003 وفي سوريا منذ بداية الحرب عام 2011 وحتى سقوط النظام السوري.

وفي صلب أجندة مشروع الشرق الأوسط الجديد تبرز الهيمنة الاقتصادية والسياسية على موارد المنطقة كهدف رئيسي إذ يشجع المشروع على فتح الدول العربية أسواقاً أمام الشركات الغربية بشكل غير متوازن واستنزاف الموارد الطبيعية وفي مقدمتها موارد الطاقة وهذا الأمر يعزز من الهيمنة الغربية على الاقتصادات العربية ويزيد من اعتماد الأخيرة على القوى الكبرى في مجالات الطاقة والتكنولوجيا وغيرها من المجالات الاقتصادية الحيوية.

كما يهدف مشروع الشرق الأوسط الجديد إلى إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية في المنطقة من خلال إعادة تشكيل الحدود السياسية بين البلدان والإثنيات بما في ذلك تجزئة بعض الدول أو تغيير تركيباتها الاجتماعية والسياسية لتتناسب مع المصالح الإسرائيلية الأمريكية وهذا الأمر يؤدي في تداعياته اللاحقة إلى حروب أهلية جديدة وزيادة التوترات بين الدول العربية ويعزز من النفوذ والتمدد الإسرائيلي.

كما يهدف مشروع الشرق الأوسط الجديد وبالمحصلة إلى ضمان تحكم وسيطرة أمريكا والعدو الإسرائيلي على منابع النفط والغاز والممرات البحرية الاستراتيجية وقد تسبب الدأب الأمريكي الإسرائيلي نحو فرض هذا المشروع على شعوب المنطقة طول الفترة الماضية في تدهور الوضع الإنساني والاجتماعي العربي حيث تسببت التدخلات العسكرية في العديد من دول الشرق الأوسط في مقتل مئات الآلاف من الأشخاص، وتشريد الملايين، وتدمير البنية التحتية كما أن العواقب الاجتماعية والاقتصادية لهذه التدخلات تزداد تعقيداً من خلال البطالة، والفقر، والتدهور البيئي، وزيادة معدلات النزوح والهجرة.

اليوم وفي ظلّ التطورات الأخيرة تتموضع سوريا في مقدمة الدول التي يستهدفها مشروع الشرق الأوسط الجديد نظرًا لموقعها الجيوسياسي المهم ودورها المحوري في الصراعات الإقليمية طوال فترة الصراع العربي الإسرائيلي.

خلال العقود الماضية كانت سوريا دولة معارضة رئيسية للتوجهات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة لذا تم اعتبارها عائقًا أمام تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد فتّم إشعالها بالصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية وبما يخدم أهداف تفكيكها وإضعاف سيادتها.

وكجزء من مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يشمل إعادة رسم خرائط الدول لتفتيتها طائفيًا وعرقيًا تمّ استهداف سوريا في بنيتها الاجتماعية وبتنوعها الديني والطائفي طول الفترة الماضية بهدف تقسيمها إلى كيانات صغيرة وهو ما يتماشى مع أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد والذي تظهر ملامحه اليوم بعد إسقاط الجماعات المسلحة المدعومة أمريكياً وإسرائيلياً للدولة السورية واحتلال العدو الإسرائيلي لمناطق جديدة في العمق السوري.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صلاح الدين بن علي

مصدرالخبر اليمني

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا